عندما يواجهنا تحدٍّ ما يستنزف طاقاتنا، نصر ونعاند بحثاً عن الحل ظناً أن الاستسلام من شيم الضعفاء. لكن أحياناً كثيرة يكون الاستسلام حلاً ذكياً لمشكة ستساعد في تطوير الذات بدلاً من اعتماد حلول مكلفة أو غير ملائمة.
يقول تيم هيريرا، المحرر المؤسس لعمود Smarter Living، المتخصص بمقالات عن عيش حياة أفضل في مقال نشرته صحيفة The New York Times ما يلي:
"يحمل أحد أكثر الإنجازات التي أفخر بها قدراً من الغرابة؛ إذ إنَّه يتعلق بقدرتي على إقناع عدد من زملائي بالاستسلام وحسب.
كنا في جلسة لتبادل الأفكار ونحاول التوصل إلى حلٍ لمشكلة شكلت صعوبةً أمامنا لبعض الوقت. وقد توصلنا لحوالي 6 حلول، وكان كلٌّ منها أكثر تعقيداً ما سبقه، فكنا في الأساس نتوصل إلى حلولٍ غير ملائمة على الإطلاق.
أدركنا أخيراً أنَّ المشكلة الحقيقية ليست تلك التي نحاول حلها. بل كانت المشكلة أننا كنا نصب كامل تركيزنا على التوصل إلى حلٍ، لدرجة أنَّنا لم نتوقف أبداً لنسأل ما إذا كان ينبغي لنا أن نفعل الشيء الذي يسبب المشاكل في المقام الأول.
واتضح أنَّ الحل كان بسيطاً، وكانت رؤيتنا ضيقة للغاية ما لم يسمح لنا بأن نراه. كان الحل بكل بساطة: لنتوقف فقط عن القيام بذلك الشيء. إنَّه الغباء بعينه".
البشر سيئون في إدراك ذواتهم
يعتبر هيريرا أنَّ استخدام البصيرة التي تسمح لنا برؤية ما هو أبعد من المشكلة التي أمامنا ما هو إلا طريقة مختلفة للنظر إلى حل المشكلات.
وبدلاً من الاجتهاد بشدة للعثور على الحل "الصحيح" للمشكلة التي تواجهنا، أحياناً يستحق الأمر المخاطرة بالظهور في مظهر الأحمق وطرح سؤال يقول: لماذا نحاول في الأصل حل هذه المشكلة على أي حال؟
فالخروج من دائرة عمليات التفكير التي يستغرق فيها الواحد منا هو ما يُطلق عليه الباحثون "ما وراء المعرفة"، أو إدراك الإدراك، أو التفكير في التفكير ذاته.
ومن أجل تبسيط المسألة، يمكننا أن نطلق عليه سمة الوعي الذاتي.
تكمن المشكلة في أنَّ البشر سيئون في إدراك ذواتهم والتفكر في العمليات الفكرية الباعثة على اتخاذ قراراتهم.
ويجبرون أنفسهم على الالتزام بمحاولات فاشلة
توصلت دراسةٌ في عام 2014 إلى أنَّه بالرغم من أنَّ 95% من الأشخاص يعتقدون أنَّهم يتمتعون بالوعي الذاتي، يتضح أنَّ "الوعي الذاتي صفة نادرة حقاً: فقد قدَّرنا أن 10-15% فقط من الأشخاص الذين خضعوا للدراسة كانت تنطبق عليهم المعايير".
وما يزيد المشكلة أنَّنا أحياناً نجبر أنفسنا على الالتزام بالمحاولات الفاشلة، حتى إذا كنا مدركين تماماً أنَّها تفشل، لأننا استثمرنا بالفعل وقتاً طويلاً فيها.
التجارب السابقة تحدد المستقبل
ففي إحدى الدراسات التي تفحص هذه الظاهرة (المعروفة بمغالطة التكلفة الغارقة)، جادل الباحثون بأنَّ "هذه الحالة المتناقضة تحدث بسبب إفراط البشر في تعميم قاعدة تجنُّب الإهدار.
بعبارة أخرى: استثماراتنا السابقة للوقت والموارد والطاقة أحياناً تجعل قراراتنا المستقبلية مُحددة سلفاً بالفعل، ونحن سيئون للغاية في الوعي الذاتي لدرجة أنَّنا ربما حتى لا ندرك ذلك.
لذا كيف نستطيع التوصل إلى حلولٍ أفضل لمشكلاتنا التي استثمرنا فيها بالفعل، في حين أنَّ "الجانب الأحمق" من عقولنا يعمل ضدنا؟
ثمة أمران:
ضع في عين الاعتبار أنّ الاستسلام خيارٌ متاح لأي مشكلة قائمة مثل أي شيء آخر، وفكر في المشاكل من وجهة نظر مختلفة كلياً
الاستسلام أحياناً أفضل الحلول
ففي مقالٍ نُشر العام الماضي عن الاستسلام الاستراتيجي، أخبرت الدكتورة كريستين نيف، الأستاذة المشاركة في جامعة تكساس، صحيفة The New York Times قائلةً: "إنَّه قطعاً نوعٌ من المسائل المتعلقة بالأنا أو احترام الذات، لأنَّنا نعتقد أننا نرغب في النجاح، والاستسلام يبدو في أعيننا نوعاً من الفشل".
وقال سيث غودين، مؤلف كتاب "التراجع: كتاب صغير يعلمك متى تستسلم ومتى تتمسك The Dip: A Little Book That Teaches You When to Quit and When to Stick"، إنَّ المرء عليه أن يفكر في التكلفة الغارقة باعتبارها هدية من شخص مختلف كليا: وهو ذاتك الأخرى السابقة.
وأضاف: "بمجرد إدراكك أنَّ أي شيء تتخلى عنه هو هدية من ذاتك السابقة، فلن تكون مضطراً لإجبار نفسك على تقبل الأمر".