ما الذي يخبرنا به التاريخ عن مصير حلم ترمب بإنشاء «ناتو عربي»؟.. موقع بريطاني يشرح ماذا حدث للتجارب المماثلة

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/09 الساعة 20:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/10 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: (Front R-L) Jordan's King Abdullah II, Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al Saud, U.S. President Donald Trump, Abu Dhabi Crown Prince Sheikh Mohammed bin Zayed al-Nahyan and Qatar's Emir Sheikh Tamim Bin Hamad Al-Thani pose for a photo during Arab-Islamic-American Summit in Riyadh, Saudi Arabia May 21, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst/File Photo

أخيراً "ناتو عربي" سيحمي المسلمين السُنَّة في المنطقة.. مهلاً، إنه ليس اقتراحاً من جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، فتقارير متعددة تفيد بأنَّ الولايات المتحدة تطرح خططاً لإقامة تحالفٍ أمني جديد مع 6 بلدان خليجية عربية إلى جانب الأردن ومصر، بهدف مواجهة الوجود الإيراني المتنامي في المنطقة.

وأُطلِق عليه مبدئياً "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، في حين سماه البعض "ناتو عربي" للحلفاء المسلمين السُنَّة.

سي جيه ويرلمان، كاتب رأي أسترالي بموقع Salon الأميركي والمتخصص بالسياسة الخارجية، يشرح المصير المرجَّح لهذا التحالف، من خلال رصد تاريخ المحاولات المشابهة، في مقال نشره موقع Middle East Eye البريطاني.

بدأت الفكرة قبل قمة الرياض بحضور ترمب

مسؤولون سعوديون طرحوا فكرة إقامة الحلف الأمني قبيل زيارة ترمب إلى المملكة العام الماضي (2017)، حيث أُعلِن عن اتفاق ضخم لبيع الأسلحة، حسبما نقلت "رويترز" عن مصدر أميركي، لكن اقتراح تشكيل الحلف ظل يراوح مكانه.

وكانت الفكرة محل نقاش قبل 14 شهراً، حين التقى قادة 55 دولة إسلامية مسؤولين أميركيين في الرياض، واتفقوا على إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب والقرصنة بحلول نهاية عام 2018. وذكر البيان الختامي لهذا الاجتماع -وسُمي حينها "إعلان الرياض"- 6 نقاط، لم يكن من بينها مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة.

وذكرت صحيفة The Times البريطانية أن محادثاتٍ جرت مؤخراً بين المملكة العربية السعودية و5 دول خليجية أخرى، بالإضافة إلى مصر والأردن، لتأسيس حلف من المقرر أن تدعمه الولايات المتحدة، يركز على الدفاع والتدريب العسكري.

وتحمست أميركا وإسرائيل لتحالف يجمع العرب

متحدثٌ باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض كان قد صرح لوكالة أنباء رويترز بأنَّ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي سيكون سداً منيعاً في وجه العدوانية الإيرانية، والإرهاب، والتطرُّف، وسيرسي الاستقرار في الشرق الأوسط".

وقالت عدة مصادر إن إدارة ترمب تأمل أن تتم مناقشة ذلك التحالف، الذي أُطلق عليه مؤقتاً اسم "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، خلال قمةٍ تقرَّر مبدئياً أن تُعقد بواشنطن في 12 و13 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأكد البيت الأبيض أنه يعمل على فكرة التحالف مع "شركائنا الإقليميين الآن ومنذ عدة أشهر".

ورفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تأكيد أن ترمب سيستضيف قمة في تلك المواعيد، كما نبهت مصادر مطلعة إلى أنه لا يزال غير مؤكد ما إذا كانت الخطة الأمنية ستكتمل بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وترمي الخطة المقترحة إلى تشكيل ما وصفه مسؤولون عرب وفي البيت الأبيض بنسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو "ناتو عربي" للحلفاء المسلمين السُّنَّة.

وفي حين يواصل ترمب تطبيق سياسة "أميركا أولاً"، يتطلع البيت الأبيض إلى التخلص من جزء من عبء مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، وإلقائها على عاتق حلفاء الولايات المتحدة في أنحاء العالم.

حتى إن واشنطن أبدت استعداداً لتزويدهم بنظام صاروخي

ووفقاً لمصادر من البيت الأبيض، من شأن التحالف الذي تقترحه الولايات المتحدة أن يُعمِّق التعاون بين البلدان العربية الثمانية في مجموعة من القضايا الأمنية، من ضمنها مكافحة الإرهاب، والدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري، فضلاً عن تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.

وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الخميس 26 يوليو/تموز 2018، إن بلاده مستعدة لنشر مزيد من القوات في أنحاء الشرق الأوسط لمواجهة خصومها؛ لأنها تعتقد أنه لم يعد بوسعها الاعتماد على حلفاء غربيين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

وقال مصدر مطلع على الخطة إن من بين أهداف هذا التحالف إقامة "درع صاروخية" في المنطقة على غرار منظومة "القبة" التي تستخدمها إسرائيل للتصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى التدريب لتحديث جيوش الدول العربية المشاركة فيه.

وتعد إسرائيل القوة الأكثر صرامة في العداء لإيران بالشرق الأوسط، وتعمل منذ مدة على تقوية صِلاتها بالدول العربية السُّنية وضمنها السعودية، رغم عقود العداء الدبلوماسي بين البلدين؛ بسبب القضية الفلسطينية، حسب تقرير لمجلة New York الأميركية.

ولا تزال الكثير من التفاصيل غائبة حول الشروط التي سيرسو عليها هذا التحالف، غير أن مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية، ومقره جامعة بار إيلان في إسرائيل، أشار إلى إمكانية أن يكون التحالف "عسكرياً وأمنياً مكرَّساً لشؤون الدفاع، بمعزل عن الخلافات السياسية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية.

والهدف أيضاً أن يصمد هذا التحالف في وجه أي تناحر شخصي أو تغييرات في القيادة".

ذلك أن الحلف المزمع يستهدف غالبا عدوا على الشاطئ الآخر: إيران

وكما هو الحال مع المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي تعتبر أي هجوم على أيٍّ من الدول الأعضاء هجوماً على الدول الأعضاء جميعها، فإنَّ آلية الدفاع الجماعي -على الأرجح- ستُكرَّس في النظام الأساسي للناتو العربي، وهي الآلية التي من شأنها اعتبار أي هجوم من جانب إيران ضد دولة عضوة هجوماً على الأعضاء جميعاً.

ولا شك في أنَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، سيدَّعي -بل ويعتقد- ليس فقط أنَّ هذا التحالف الأمني المُنتظَر نتاج عبقريته؛ بل وإنَّ الأمر لم يُجرَّب من قبلُ قط. والأسوأ من ذلك، أنَّه ربما حتى يعتقد أنَّه ليس محكوماً عليه بالفشل، حسب الكاتب.

ولكن الواقع أنه سبب أن طُرِحَت فكرة إنشاء تحالف ناتو عربي يضم دول مجلس التعاون الخليجي -السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، وعُمان، والبحرين- ودولاً أخرى في المنطقة من حينٍ لآخر، وغالباً ما كان يُحرِّك ذلك إدراك تهديدٍ مشترك.

لكن فكرة دمج القدرات العسكرية لهذه الدول فشل من قبل

عندما ظهر "داعش"، اعتقدت البلدان المعنيَّة نفسها أنَّ هذا هو التهديد الرئيسي لبقاء النظام الإقليمي.

وفي 2014، تحدَّثت البلدان الخليجية الستة، إلى جانب المغرب والأردن، عن إدماج قدراتها العسكرية في تحالف دفاعي جماعي متكامل تماماً.

لم تتحقق تلك الخطط قَط؛ لعددٍ من الأسباب، من بينها الرؤى المختلفة حيال الصراع في سوريا، وعلاقات عُمان الودية مع إيران، ودعم قطر جماعة الإخوان المسلمين، التي يمقتها المجلس العسكري في مصر والنظام الملكي بالسعودية.

وقبل ذلك انهارت قوة درع الجزيرة في مواجهة العراق

وفي السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، كانت المَلِكيات العربية تنظر إلى الشيوعية المُصدَّرة من الاتحاد السوفييتي والثورة الإيرانية باعتبارهما التهديدين الأمنيين الرئيسيين لأنظمتها.

واستُثِيرت مخاوفها الجمعية حين غزا الاتحاد السوفييتي جارة إيران، أفغانستان، في ديسمبر/كانون الثاني 1979، ثُمَّ تزايدت المخاوف حين اندلعت الحرب بين العراق وإيران في العام التالي.

قادت تلك الأحداث إلى تأسيس قوة درع الجزيرة، التي كانت تهدف إلى ردع إيران من توسيع جبهة الحرب إلى البلدان العربية المجاورة.

ثم انهارت قوة درع الجزيرة بعد نصف عقد، حين غزت الدولة العضوة، العراق، الدولة العضوة الأخرى الكويت.

وبعد ذلك لجأت كل الدول طلباً للحماية الأميركية فُرادى وليس جماعات  

لم يؤدِّ فشل قوة درع الجزيرة في التعبئة ضد الغزو العراقي إلى نهايتها وحسب؛ بل دفع ذلك الدول الأعضاء أيضاً للإعراض عن التحالفات الأمنية الجماعية لصالح الاستراتيجيات الأمنية الفردية، وأصبحت الولايات المتحدة هي حامية تلك الدول بالاختيار.

وهذا يُوضِّح سبب تضخُّم العدد الإجمالي لقواعد الجيش الأميركي وجنوده بالمنطقة في العقود الأخيرة.

وفي النهاية، يستند مفهوم الأمن بالكامل إلى إدراك التهديد، مع تعريف الأمن باعتباره عدم وجود تهديد للدولة القومية. وتُعتبَر التهديدات الأمنية النابعة من الجوار هي الأكثر خطورة، لكنَّ إدراك التهديدات يتغيَّر بسرعة، وفي كثيرٍ من الأحيان دون سابق إنذار.

ها هو البعض يكتشف أن المشكلة في الثورات المؤيدة للديمقراطية

على سبيل المثال، لم يكن لدى الدول العربية أدنى فكرة عن أنَّ ثورات مؤيدة للديمقراطية كانت على وشك اجتياح المنطقة حين أشعل بائع تونسي متجول (محمد البوعزيزي)، النار في نفسه بعد خلاف مع السلطات المحلية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.

وفي غضون ساعات، انتشرت الاحتجاجات في شوارع مسقط رأسه. وبعد مرور 4 أسابيع فقط، فرَّ الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي من البلاد، مُؤذِناً بولادة الربيع العربي.

وحين استقال الديكتاتور المصري حسني مبارك من منصبه في 11 فبراير/شباط 2011، كانت الأنظمة العربية تواجه أزمة وجودية تؤججها الاستجابات الليبرالية الديمقراطية لأوجه الظلم السياسية والاقتصادية-الاجتماعية.

وبين عشيةٍ وضحاها تقريباً، حلَّ تهديد الديمقراطية محل التهديد الذي يفرضه تنظيم القاعدة لأمن تلك الأنظمة.

وبعد ذلك بـ3 سنوات، حل تهديد "داعش" محل هذا التهديد. وبعد تراجع التهديد الوجودي الذي يُشكِّله "داعش"، عادت الدول العربية للتركيز على إيران.

وفجأة قرر بعض الرفقاء محاصرة قطر

لرؤية مثالٍ أكثر معاصرةً على مدى السرعة التي يمكن بها إلغاء التحالفات الأمنية الجماعية في الشرق الأوسط، يمكن للمرء دراسة الطريقة التي قادت بها السعودية حصاراً عربياً على الدولة الرفيقة العضوة بمجلس التعاون الخليجي قطر، رداً على ما ينظر إليه السعوديون على أنَّه علاقة قطر الدافئة أكثر من اللازم مع الإخوان المسلمين.

وعَلِم موقع The Intercept الأميركي مؤخراً، بشأن مؤامرة كانت تقودها السعودية لغزو قطر واحتلالها في 2017.

ووفقاً للموقع، كانت "الخطة، التي حاكها إلى حدٍ كبير وليا عهد السعودية والإمارات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وعلى الأرجح كانت على بُعد أسابيع فقط من التنفيذ، تتضمَّن عبور قوات برية سعودية الحدود البرية إلى داخل قطر بدعمٍ عسكري من الإمارات، والتقدُّم نحو 70 ميلاً (112.7 كيلومتر تقريباً) باتجاه الدوحة".

يُظهِر هذا مجدداً كيف أنَّ إدراك التهديدات والمخاوف في دول الخليج العربية بعيد كل البعد عن كونه متجانساً، ويمكن أن يتغير بسرعة.

وفي حين صرح أحد المصادر بأن الإدارة الأميركية قلِقة بشأن إمكانية عرقلة هذا الخلاف الخليجي المبادرةَ، قال مسؤول عربي إن الرياض وأبوظبي أكدتا لواشنطن أن الخلاف لن يمثل مشكلة أمام التحالف الجديد. ونفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن يشكل الخلاف الخليجي عقبة أمام طموح ترمب.

ولكن، لم يتضح بعدُ كيف سيتغلب على الأزمة القطرية.

وتظل إيران مصدر هواجس دول الخليج

وإن كانت دول الخليج العربية السُنّيّة تنظر إلى الطائفية التي تقودها إيران باعتبارها التهديد الأمني الرئيس، فيجدر بتلك الدول إذاً أن تُهدِّئ مخاوف أقلياتها الشيعية وتمنح حقوقاً ومسؤوليات متساوية لمواطنيها كافة.

ولكن المشكلة أن إدارة ترمب تريد إيجاد حلٍ عسكري لمشكلة سياسية، وهو أمرٌ جُرِّب بالفعل وفشل من قبلُ مرات كثيرة، حسبما يقول كاتب مقال Middle East Eye.

كما أن إيران في حالات الحرب تملك طرقها الخاصة لإيلام الولايات المتحدة وحلفائها، حسب وصف تقرير مجلة New York.

وبعض تلك الطرق ليست متوافرة في جعبة خصوم آخرين للولايات المتحدة، مثل كوريا الشمالية. فيمكنها مثلاً زيادة وتيرة أنشطة التجسس الإلكتروني والحرب الإلكترونية، واستخدام وكلائها الإقليميين لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وتأجيج النزاعات الدائرة بالعراق ولبنان وسوريا واليمن.

أما الورقة الحاسمة في جعبة إيران، والتي لوَّح بها المسؤولون الإيرانيون مؤخراً، فهي قدرتها على إغلاق مضيق هرمز، المصب الضيق للخليج، الذي يمر من خلاله 18 مليون برميل نفط يومياً، بما يعادل نحو 20% من الإمداد العالمي.

ولكل هذه الأسباب، حسب الكاتب الأسترالي، فإنَّ الناتو العربي مصيره الفشل.

اقرأ أيضاً:

 

"درع صاروخية" عربية على شاكلة منظومة "القبة" الإسرائيلية.. ترمب يُسرع مفاوضات إنشاء "الناتو العربي"، وإيران تستعد للسيناريو "الأسوأ"

 

 

يحضّرون له بالخفاء، ويضم دول الخليج ومصر والأردن.. تفاصيل "الناتو العربي" الذي تسعى أميركا لإنشائه لمواجهة إيران