قد لا يبدو البطيخ المخطَّط باللون الأخضر والغني بقلبه الأحمر غامضاً أو محيراً، لكن علماء النبات تحيروا منذ فترة طويلة بشأن نشأته من أي نبات بري، قبل أن يصبح على ما هو عليه كمحصول مستأنس يتناوله القاصي والداني في أكثر بقاع الأرض حراً أو برداً.
وظن خبراء النبات لفترة طويلة أن أصل البطيخ يعود لصحراء في جنوب إفريقيا، لكن دراسة جديدة نُشرت في دورية Proceedings of the National Academy of Sciences قالت غيرذلك، بعد دراسة تسلسل الحمض النووي للنباتات البرية في جنس البطيخ (سيترولس).
وقالت مؤلفة الدراسة الرئيسية سوزان إس. رينر وعالمة الأحياء التطورية بجامعة واشنطن لموقع Inverse: "اتضح أن هناك أنواعاً أكثر مما كان يُعتقد سابقاً، وأن النباتات من جنوب إفريقيا لم تكن قريبة وراثياً من البطيخ المستأنس اليوم".
في العام 2015، ألقى أحد طلاب رينر في الدراسات العليا نظرة فاحصة على الحمض النووي لسلف البطيخ الجنوب إفريقي المفترض، ووجد أن هناك اختلافاً كبيراً بين جينات النوعين، بعكس ما كان متوقعاً، ومن هناك قال الطالب غيوم تشوميكي إن الأمور بدأت تتكشف.
ظهر الاعتقاد بأن أصل البطيخ البري يعود إلى جنوب إفريقيا منذ ما يقرب من 150 عاماً، عندما صادف أحد طلاب عالم التصنيف الشهير كارل لينيوس بطيخاً في سوق بالقرب من كيب تاون، وأطلق عليه اسم Citrullus lanatus. سرعان ما تم تصنيف البطيخ المزروع في الولايات المتحدة تحت نفس التسمية اللاتينية.
إلا أن نتائج الدراسة الجينية حول أصول البطيخ تحدد شمال شرق إفريقيا في منطقة كردفان على وجه التحديد بجنوب السودان.
يبلغ قياس البطيخ في كردفان حوالي 15 سم، وله مظهر خارجي أخضر مقلم إلى حد ما، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وهذه الاكتشافات تفسر إلى حد كبير عملاً فنياً على قبر مصري عمره أكثر من 4300 عام، تم العثور عليه في مقابر سقارة.
يصور القبر رسماً لبطيخة كبيرة مستطيلة مقلمة باللون الأخضر، جنباً إلى جنب مع العنب والفواكه الحلوة الأخرى، وفقاً لصحيفة التايمز.
لذا يساعد وضع جذور البطيخ في السودان المجاور على توضيح تواجد ثمار البطيخ في مصر قبل آلاف السنين.
خارطة انتشار البطيخ
من مصر، يمكن تقصي استخدامات البطيخ في الثقافة الإغريقية والرومانية، إذ أشاد الأطباء اليونانيون البارزون مثل أبقراط وديسقوريدس بخصائصه العلاجية، واستخدموه كمدرّ للبول، وكذلك كعلاج للأطفال الذين أصيبوا بضربة شمس.
بدأت زراعة البطيخ في الهند بحلول القرن السابع، وبحلول القرن العاشر وجد طريقه إلى الصين.
أدخل المور (المسلمون الذين أخفوا دينهم بعد سقوط الأندلس) البطيخ إلى شبه الجزيرة الأيبيرية في القرن الثالث عشر، ومن هناك انتشر في جميع أنحاء جنوب أوروبا.
وبحلول القرن السابع عشر، كان البطيخ يُزرع على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، وأصبح محصولاً مألوفاً في الأجزاء الأكثر دفئاً من القارة، حسب موقع جامعة ميسوري Missouri.
وبعد اكتشاف أصل للبطيخ، قارن الباحثون جينات بطيخ كردفان بمجموعة متنوعة من عينات البطيخ، بعضها يصل عمره إلى 270 عاماً، لمعرفة التغييرات الجينية التي حدثت أثناء التدجين.
ووجد الفريق 15824 اختلافاً بين جينات شمام كردفان وصنف البطيخ الحديث المعروف باسم 97103.
لماذا بحث العلماء عن أصل البطيخ؟
أحد أهداف تقصي أصول البطيخ هو فهم ومعالجة إحدى أكبر نقاط ضعف البطيخ كمحصول؛ قابليته للإصابة بالأمراض.
وأوضح تشوميكي في بيانه: "هناك أمراض معينة للبطيخ، مثل فيروس موزاييك البطيخ، كما أنه حساس جداً للعدوى الفطرية… غالباً ما يتم علاجها بمبيدات الفطريات والمبيدات الحشرية".
في المقابل، كشفت الدراسة أن شمام كردفان يحتوي على جينات أكثر مقاومة للأمراض، وهذا يعني أن جينوم شمام كردفان لديه القدرة على توجيه خبراء النبات حول زراعة بطيخ مقاوم للأمراض، والسماح بتحرير الجينات غير المعدلة وراثياً.
وقال تشوميكي: "تحقيق ذلك من شأنه أن يقلل بشكل كبير من استخدام مبيدات الآفات في زراعة البطيخ".