وصلنا في المقال السابق إلى أنك قد تقع في معضلة التساؤل التي طرحها سقراط، وما إذا كانت الشعوب من حقها "الاختيار" أم لا، والآن ننتقل إلى الاختيارات الشخصية بعدما تناولنا العامة.
فإذا افترضنا أنك قابلت شخصاً ما، قد وقع في مشكلة، فإنه على الأرجح سيقوم بسؤالك مراراً وتكراراً، وحينها عليك أن تختار أولاً إما أن تجيبه أو لا، وإذا أجبته فعليك أن تختار إجابتك وكلماتك من بين آلاف الكلمات في عقلك حينها، ثم إن اخترت الكلمات سيتوجب عليك اختيار الأسلوب الذي سوف تلقي به تلك الكلمات. حينها لا أظن أن صديقك فقط هو من وقع في معضلة، بل أنت أيضاً واقع في معضلة أشد فتكاً وهي "الاختيار".
الاختيار هو لب الوجود البشري، حياتنا كلها اختيار، أن نختار إما الصواب أو الخطأ. في كل لحظة اختيار تنبثق الكثير من الطرق ونكمل فقط فيما نختاره. تلك هي الحياة ببساطة؛ شبكة معقدة من المواقف التي عليك أن تختار فيها ما شئت، ولكن لنكن عادلين نحصل على نتائجنا مقابل اختياراتنا.
معضلة الاختيار تتلخص في كونك تعيش اختباراً ما عليك في كل دقيقة؛ تختار من متعدد وبعدها تنتقل للسؤال التالي.
البعض يظن أحياناً أنه مجبر على هذا الاختيار، يقول قد أجبرت على اختيار كذا أو فعل كذا، ولكن إذا ركزنا في الموضوع بشكل أكثر شمولية سنجد أنه اضطر إلى البناء على اختيارات سابقة أوصلته إلى طريق مسدودة في تلك المتاهة التي يعيشها.
فمفهومنا الإدراكي كبشر يعتمد على حواسنا وما عشناه من تجارب أو ما سمعنا عنه، تختار اختيارات الآن، وبعدها بمدة طويلة كانت أو قصيرة تقول آه لو كنت اخترت الاختيار الآخر، وتلك هي المتعة في الموضوع، أنت تختار في حين أنك على إدراك بأنك ترى جيداً وتدرك جيداً، ولكن هذا لا يحدث كل مرة، القدر لن يكون حليفك في كل اختيار، تنجح أحياناً وتخفق أخرى، وهذا لب حياتنا كوننا بشراً، أن نختار ونحاسب على اختياراتنا لاحقاً، في حياتنا أو حتى بعد الموت.
لذلك تحسس موقفك كل دقيقة، راجع اختياراتك كلما تسنى لك الأمر، لا عيب في أن نخطئ، لقد خلقنا لنجرب ونخطئ ونتعلم من الخطأ، ذلك شيء في دمنا وتكويننا كبشر، ولكن أن نكابر ونصر على الخطأ فهذا ربما يكون الاختيار الخاسر.
ظهر هذا النوع في أعمال أدبية، ضمنها "في كهوف دراجوسان" للكاتب "أحمد خالد توفيق"، رحمه الله، وهي واحد من كتب سلسلة ما وراء الطبيعة. في تلك الرواية يجعلك أنت المتحكم في حياة البطل واختياراته حتى نهاية الرواية، كتبها بشكل مبدع في الحقيقة، حتى إذا حاولتَ التملص من دورك وظللت تتنقل بين الصفحات ستجد عبارة "لا شيء يقودك إلى هنا.. ارحل أيها الغريب الذي أتى هنا صدفة".
تخيل تلك الرواية كحياتك وعليك إما أن تنجو من متاهة كهوف دراجوسان أو تتيه وتذهب كل حياتك سُدى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.