نعرف جميعنا ماهية القشعريرة، لكن لماذا نصاب بالقشعريرة؟ ولماذا مازلنا نصاب برد الفعل الجسدي هذا الذي يبدو عديم الجدوى إزاء الشعور بالبرودة؟ هناك بحثٌ جديد يقترح إجابةً على ذلك السؤال؛ وهي أن ذلك يحدث لتنظيم الخلايا الجذعية التي تتحكم في بصيلات الشعر ونموه.
لماذا نصاب بالقشعريرة؟
في تحليلٍ دقيق أُجرِيَ على الفئران، وجد العلماء أن العضلات نفسها التي تنقبض عندما تظهر القشعريرة على الجلد ترتبط بالجهاز العصبي الودِّي (مركزه بالحبل الشوكي). وعندما يشعر الجسد بانخفاض درجات حرارة، تسدُّ هذه العضلات الفجوة بين الأعصاب الودِّية وبصيلات الشعر.
يتسبَّب ذلك على المدى القصير في انتصاب الشعر وظهور القشعريرة، وعلى المدى الطويل تظهر تلك القشعريرة لتعزيز نمو الشعر.
يقول الباحثون في البحث الذي نشرته مجلة ScienceAlert الأسترالية إن ذلك بمثابة رابط مهم بين الخلايا الجذعية -التي يمكن للجسم استخدامها لتكوين خلايا جديدة- والمحفزات الخارجية في البيئة المحيطة، المتمثل في انخفاض درجات الحرارة.
فيما تشرح عالمة الأحياء يا-تشيه هسو من جامعة هارفارد، نظام الجلد الذي وصفته بالرائع، وأضافت: "يحتوي الجلد على العديد من الخلايا الجذعية المحاطة بأنواع مختلفة من الخلايا، وهو بمثابة حلقة الوصل بين أجسامنا والعالم الخارجي. وبالتالي قد تستجيب الخلايا الجذعية في الجلد لمجموعة متنوعة من المحفزات من بيئتها الخلوية أو الجسم بالكامل أو حتى البيئة الخارجية".
وتابعت: "في هذه الدراسة، نتعرَّف على بيئةٍ خلوية ثنائية العنصر للخلايا الجذعية لا تقتصر على تنظيم الخلايا الجذعية تحت ظروف مستقرة، بل تنظم أيضاً سلوك الخلية الجذعية وفقاً لتغيرات درجة الحرارة الخارجية".
البرودة لمدة طويلة تؤدي لزيادة نمو الشعر
استخدم فريق الباحثون مجهراً إلكترونياً عالي الدقة للتعرُّف على شبكة تنظيم نمو الشعر تلك، والتي تتضمن الأنواع الثلاثة من الأنسجة الموجودة في العديد من الأعضاء؛ وهي الأعصاب (الأعصاب الودِّية)، والعضلات الصغيرة (نسيج اللحمة المتوسطة)، والخلايا الجذعية التي تنمو فيها بصيلات الشعر (النسيج الطلائي).
رغم أن العلاقة بين الأعصاب والعضلات كانت معروفة بالفعل في هذا النظام المحدد، تعتبر علاقتها بالخلايا الجذعية المنظمة لنمو الشعر اكتشافاً جديداً وغريباً، إذ تميل الخلايا العصبية إلى تفضيل الروابط مع الخلايا العصبية أو التشابك العصبي على الروابط مع العضلات. وهنا، فإن روابط التشابك العصبي هذه تستهدف الخلايا الجذعية بحيث تلف حولها مثل الشرائط.
أظهر البحث أيضاً كيف تؤدي البرودة لمدة طويلة إلى تسريع نمو الشعر، إذ تجعل البرودة الأعصاب الودية في حالة تأهب عالية، أعلى من التحفيز الطبيعي منخفض المستوى الذي تكون عليه تلك الأعصاب معظم الوقت، ثم تُطلَق المزيد من النواقل العصبية، الأمر الذي يؤدي إلى تفعيلٍ أسرع للخلايا الجذعية، ويؤدي بالتالي إلى نمو أسرع للشعر.
إضافةً إلى ذلك، أثبت فريق الباحثين أن العضلات كانت بالفعل رابطاً أساسياً بين الأعصاب والخلايا الجذعية في بصيلات الشعر؛ أي أنه بافتراض إزالة العضلات فلن يكون هناك رابط بين الأعصاب والخلايا الجذعية في جذور الشعر.
وهذا يعني أن نمو العضلات يكون في الواقع بسبب بصيلات الشعر نفسها، وذلك استناداً إلى النشاط الذي لوحظ في الفئران، على أية حال.
تقول عالمة الأحياء يوليا شوارتز: "اكتشفنا أن الإشارات تأتي من بصيلات الشعر النامية نفسها"، وتابعت: "تفرز تلك البصيلات بروتيناً ينظّم تكوين العضلات الملساء اللاإرادية، والذي يستقطب بدوره الأعصاب الودية".
وأضافت عالمة الأحياء: "بعد ذلك، لدى البالغين، يتحول التفاعل إلى الأفضل؛ إذ تشترك الأعصاب والعضلات في تنظيم الخلايا الجذعية لبصيلات الشعر لتجديد بصيلات الشعر الجديدة. هذا يوضح الأمر بالكامل؛ تكوّن بصيلات الشعر النامية بيئتها الخلوية الجذعية الخاصة بها".
رغم عدم رصد تلك التفاعلات لدى البشر حتى الآن، فإن أوجه التشابه البيولوجية بين الفئران والثدييات الأخرى في هذا الصدد تجعل من المرجح أن العمليات نفسها تجري تحت جلدنا، ولهذا السبب لا يزال بوسعنا أن نصاب بالقشعريرة.
الشعر هذا حمى أجدادنا من البرد
يسبِّب هذا التيُّبس نفسه في العضلات المحيطة ببصيلات الشعر ظهور تلك النتوءات الصغيرة على جلدك، ويعتقد العلماء أنه في الأيام التي كان فيها جنسنا البشري مشعراً أكثر من الآن، من المفترض أن ذلك قد منحنا بعض الحماية الفورية ضد البرد. وللربط فالبرد الآن هو ما يحفز نمو الشعر.
لذلك، يعتزم الباحثون مواصلة العمل على دراسة التفاعل بين البيئات الخارجية والخلايا الجذعية في الجلد، بما في ذلك النظر في أي ردود فعل محتملة أخرى يحتمل أنها تحدث ولا نعلم بشأنها.
تقول يا-تشيه هسو: "نحن نعيش في بيئة تشهد تغيُّراً مستمراً"، مضيفةً: "نظراً إلى أن الجلد في اتصال دائم بالعالم الخارجي، فهو يمنحنا فرصة لدراسة الآليات التي تستخدمها الخلايا الجذعية في أجسادنا لتحقيق التكامل بين إنتاج الأنسجة والمتطلبات المتغيرة، وهو ما يعتبر ضرورياً للكائنات الحية لكي تزدهر في هذا العالم المتغيّر".