أعلن علماء أنهم اكتشفوا طبيعة العلاقة بين الإجهاد والشيب، وكيف أن الإجهاد يسبب الشيب في يوم واحد أحيانا، فتزيد سرعة خسارة بصيلات الشعر صبغتها.
الدراسة تعود لعام عام 1902، عندما أفادت دورية طبية بريطانية بوجود حالة استثنائية شاب فيها الشعر بسرعة كبيرة.
وبحسب طبيب في مستشفى "London Temperance Hospital"، فقد شهدت امرأة تبلغ من العمر 22 عاماً جريمة قتل، ذُبحت فيها الضحية أمام عينيها.
في اليوم التالي للحادث، تحوَّل الجانب الأيمن من شعر عانتها إلى اللون الأبيض، في حين ظل الجانب الأيسر بلونه الأسود.
تقدم دراسة الحالة غير المسبوقة تلك مثالاً غريباً للغاية لحالة، لولاها لظلّ الأمر عادياً: يشيب الشعر حين نتعرض للإجهاد النفسي.
الإجهاد يسبب الشيب
لكن لا يتغير لون الشعر جرَّاء التعرض للعنف العشوائي وحسب، بل ربما يتسبَّب ضغط امتحانات الجامعة، والأطفال، وضغط العمل في حدوث الشيء نفسه.
كان العلماء لآلاف السنين يعتمدون في الغالب على الحكايات المروية والحدس لتبرير تلك الظاهرة.
وفي ظل الافتقار إلى أدلةٍ واضحةٍ في هذا الصدد، لم يعتقد الكثير من العلماء أنَّ الإجهاد النفسي يمكن أن يكون له دور في أن يشيب الشعر، بل يجادلون بأنَّ هذا التغيُّر في لون الشعر ينبغي أن يكون ناجماً عن تفاعل المواد الكيميائية، أو سلوك غريب ظهر في الجهاز المناعي.
ومستوى الإجهاد يحدد سرعة الشيب
كانت الحالات النادرة التي لاحظ فيها الأطباء تحولاً سريعاً إلى اللون الأبيض أو الشيب -مثل الحالة المنشورة في الدراسة التي نُشرت في المجلة الطبية البريطانية عام 1902- مصدراً في إثارة حالة مستمرة من الذعر الشديد.
ويُحتمل أن تنهي دراسة حديثة، نُشرت يوم الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2020، في مجلة Nature العلمية، الجدل المثار.
إذ أفاد علماء أحياء من الولايات المتحدة والبرازيل بأنَّ الإجهاد يمكن أن يكون سبباً في فقدان الشعر لصبغته، وحددوا المسار الخلوي لحدوث هذا.
وبغية دراسة تلك العلاقة المحيرة، ابتكر الباحثون نموذجاً حيوانياً مُفصلاً، من خلال محاولة تحويل لون الشعر الأسود لمجموعة من الفئران إلى اللون الأبيض بعد إخضاعها لضغوط في المختبر.
درجات الإجهاد وفئران التجربة
جرَّب الباحثون ثلاثة أساليب مختلفة: درجة معتدلة من الإجهاد، والإجهاد المزمن المتقلِّب، والإجهاد الناجم عن الشعور بالألم الجسدي.
وفي الحالات الثلاث تحوَّل لون شعر الفئران إلى اللون الأبيض. وكان التغيير أسرع وأكثر وضوحاً في حالة الإجهاد الناجم عن الألم، الذي حفزه العلماء بحقن الفئران بمادة راتينجيفاتوكسين، وهو النظير الكيميائي للمادة الفعالة للفلفل الحار المسماه كابسيسين.
وبتحديد الطريقة المُثلى لدفع الفأر إلى الشعور بالهلع، بدأ الفريق البحث عن التغييرات المقابلة في المسارات الفسيولوجية التي تنتج لون الفروة.
وكانوا مهتمين على نحوٍ خاص بسلوكيات نوعين من الخلايا: الخلايا الصبغية المتمايزة، التي تنتج الصبغ في الشعر والجلد، والخلايا الجذعية الصبغية، وهي المادة الخام التي تتطور منها الخلايا الصبغية.
ولمراقبة كل نوع على نحوٍ مستقل، حقن الباحثون فئران التجربة بمادة شبيهة بالفلفل الحار حينما كان فراء الفئران في مرحلة نمو نشط.
في تلك المرحلة من دورة نمو الشعر، تتجمع الخلايا الصبغية المتمايزة بطريقة طبيعية في بُصيلة الشعر، فيما تتجمع الخلايا الجذعية الصبغية في موضع منفصل يسمى الانتفاخ.
ولمدة خمسة أيام بعد الحقن، ظلت فروات الفئران سوداء. واستمرت الخلايا الصبغية المتمايزة في بصيلة الشعر في ضخ اللون.
لكن في الكثير من البصيلات،
أبلغ الباحثون عن أن الخلايا الجذعية الصبغية المنهكة "اختفت كلياً".
وبتشجيع من فيضان النورأدرينالين، وهو ناقل عصبي ينتشر وينحسر بحسب مستوى التوتر،
تكاثرت الخلايا الجذعية الموجودة بسرعة كبيرة لدرجة أنها اختفت كلياً من
مكانها.
وعندما نما فيها معطف الفئران في المرة التالية، لم تكن هناك خلايا جذعية من الخلايا الصبغية في هذه البصيلات التالفة؛ لذلك ظهر الشعر الأبيض.
تختفي الخلايا الجذعية المسؤولة عن اللون عند الإجهاد
وقال يا تشيه هسو، أستاذ الخلايا الجذعية وعلم الأحياء التجديدي بجامعة هارفارد ومؤلف الدراسة الرئيسي، لمجلة Popular Science: "في غضون أيام قليلة، استُنفد مخزون الخلايا الجذعية المجددة للصبغة. وكانت الخسارة مزمنة، فبمجرد فقدانها لا يمكن إنتاج الصباغ بعدها"
وكتب أليكسي تيرسكيخ، الباحث في النمو والشيخوخة وتجدد الخلايا بمعهد "سانفورد بورنهام بريبيس ديسكفري الطبي"، عبر البريد الإلكتروني قائلاً: "هذه ورقة رائعة للغاية تكشف عن آلية مهمة في ظهور الشيب".
لكن هناك العديد من الطرق الأخرى التي يمكن من خلالها أن يفقد الشعر لونه، تشير ورقة نُشرت في 2018 إلى أن الاستجابة المناعية المفرطة قد تدمر أيضاً الخلايا الصبغية والخلايا الجذعية الصبغية في الفئران، ما يجعل الشيب يكسو فراءها.
كما تجعل أدوية معينة لسرطان الجلد شعرَ بعض المرضى شفافاً. ويعتقد الأطباء أن هذه علامة على استجابة أجسامهم إيجابياً للدواء.
البيئة والجينات تلعب دوراً
وفقاً لتيرسكيخ، يمكن للمسارات الوراثية والمسارات البيئية والطفرات أن تؤثر بشكل من الأشكال.
لا يزال الشعر يحوي أسراراً كثيرة. فالعلماء حتى الساعة يجهلون سبب فقدان الشعر من فروة رأس الإنسان بشكل مختلف عما يحدث في الوجه أو الظهر.
لكن في الكثير من الحالات، يُضيق العلماء الاحتمالات. ففي السنوات الأخيرة، كانت هناك زيادة كبيرة في بحث وتطوير حلول مكافحة الصلع، وكثير منها يبدو واعداً.
وفي هذا الصدد، يعمل تيرسكيخ على إعادة تجديد الشعر من الصفر باستخدام أشياء مثل الخلايا الجذعية المحفزة. وإذا نجح هذا الحل، فسيحصل الراغبون على كمية غير محدودة من الشعر.