كان الصوم جزءاً من الشعائر الدينية حول العالم منذ آلاف السنين، لكن قوة الصيام جعلت منه سلعةً لاستهلاك العامة منذ 5 سنوات، على خلفية دراسات حيوانية وأبحاث على أشخاص زائدي الوزن، تشير إلى أن التخلي عن الوجبات قد يكون له فوائد صحية كبيرة.
وبغضّ النظر عن طريقة صيام المسلمين والمسيحيين واليهود، نسمع حالياً عن نظامين جديدين:
- نظام 2:5 حيث تصوم يومين في الأسبوع وتأكل طبيعياً باقي الأسبوع
- نظام 16:8 حيث تأكل لمدة 8 ساعات وتصوم 16 ساعة، يدعى نظام الصيام المتقطع
تتزايد الأدلة على أن الانقطاع عن الطعام من فترة لأخرى يجعل أجسادنا في حالة طوارئ، يحافظ فيها الجسد على الطاقة، ويعمل على الإصلاحات ويولي اهتماماً لصفاء الذهن ليكون قادراً على حل مشكلة إيجاد الطعام.
يقول ستانلي أوليازيك، عالم الأنثروبولوجيا الغذائية بجامعة أكسفورد لمجلة New Scientist: "إذا قبلنا فكرة أن العصر الحجري القديم هو البيئة التي حدثت فيها معظم تكيفات الإنسان الحديث، فإن مجتمع الصيد وجمع الثمار إذاً كان يتكيف على فترات من زيادة الطعام وندرته".
وأضاف: "قد تكون هذه هي الحالة الطبيعية بالنسبة لنا أكثر من نظام ثلاث وجبات يومياً".
الصيام المتقطع يقاوم الشيخوخة
بالإضافة إلى فقدان الوزن، يقول أنصار الصيام المتقطع إنه قد يساعد جسدك ضد السرطان، والسكري، والشلل الرعاش، والألزهايمر.
هذا النظام الغذائي وليد فكرة فالتر لونغو، أخصائي أمراض الشيخوخة بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
الادعاء الأساسي هو أن الصيام لمرة واحدة في الشهر -لكن لمدة 5 أيام- يمكنه محاكاة التأثير الذي يحدث عند صيام الحيوانات، بما في ذلك حتى عكس آثار الشيخوخة.
يقول موقع شركة لونغو التي تحمل اسم ProLon، إن النظام الغذائي الذي يشبه الصيام "مُثبت سريرياً أنه يحفز وضع الحماية والتجديد في الجسم" ويوفر لك سعرات كافية لكيلا يغمى عليك.
ويضيف الموقع أن أي أحد يمكنه الاستفادة من هذا النبع الخلوي النظيف: "لا يهم مدى جودة نظامك الغذائي، أو كم التمارين التي تمارسها، فالجسد يشيخ والخلايا التالفة تتراكم".
بفضل الدراسات الحيوانية، نعرف قدراً كبيراً مما يحدث في الجسم عند ندرة الغذاء.
إذ تبدأ عملية تُعرف باسم الالتهام الذاتي، تتكسر فيها الخلايا، ويعاد استخدام الأجزاء المدمرة أو التالفة وقوداً للجسم.
والتفكير السائد هو أن النظام تطور هكذا ليزيد من فرص النجاة من المجاعات.
ماذا يحدث على مستوى الخلايا؟
يحدث الالتهام الذاتي على مستوى متدنٍّ في الخلايا السليمة، لكنه يكون أقل كفاءة مع التقدم في العمر.
عملية الالتهام الذاتي الواهنة تدع داخل الخلية لزجاً وعالقاً، ويربطون بينها وبين الكثير من الأمراض المرتبطة بالسن مثل السرطان، وبعملية التقدم في العمر نفسها.
يعتقد بعض الباحثين أن زيادة المشاكل الصحية مثل السرطان والنوع الثاني من مرض السكري لها علاقة كبيرة بحقيقة أن الكثير من الناس لم يعودوا يصيبهم الجوع.
على الرغم من أن الاكتشافات الأولية للبحث كانت على الفئران، نشر لونغو ورفاقه العام الماضي دراسة عن حوالي 100 إنسان مقسمين بين مجموعة كانت تسير على نظام محاكاة الصيام لمدة 5 أيام بالشهر على مدارة 3 أشهر، ومجموعة أخرى واصلت نظامها الغذائي الطبيعي لمدة ثلاثة أشهر.
ثم جربت المجموعة الثانية نظام الصيام.
عندما سار الناس على النظام الغذائي، فقدوا من وزنهم ومن دهونهم، وانتهى بهم الأمر بضغط دم منخفض وانخفاض في مستوى هرمون يعرف بعامل النمو المشابه للأنسولين-1 (IGF-1)، وهو ما يُعتقد أن له دوراً في الشيخوخة والمرض.
وكان لديهم أيضاً معدلات أقل من دلالات الالتهاب، والكوليسترول، ومنافع أخرى.
السؤال الأهم: ما مدة الصيام لتنشط هذه العمليات؟
فرغم كل شيء جميعنا يعرف أن الجوع الشديد له آثار سيئة على الصحة.
للأسف الإجابة ليست واضحة، إذ توصل بنيامين هورن، في معهد إنترمنت هارت في مدينة سولت ليك سيتي، بولاية يوتا، في مراجعة حديثة للتأثيرات الصحية للصيام إلى أنه لا يوجد بحث حتى الآن وضع حداً فاصلاً بين الصيام والتضور جوعاً، وعلى الأغلب هذا يختلف كثيراً بناءً على الجسم الذي تبدأ معه.
هناك تأثير آخر للصيام، وهو أن جلوكوز الدم والجليكوجين المخزن في الكبد ينفدان من الجسم، ما يؤدي إلى تغير في عملية الأيض، إذ يبدأ الكبد في تحويل الدهون إلى أجسام كيتونية من أجل العضلات والمخ لاستخدامها وقوداً، في عملية تعرف باسم الكيتوزية.
ولهذا السبب عادة ما يسبب الصيام فقدان الوزن بمقدار يتراوح من 2.5 و8%.
لكن ما المدة التي تحتاج أن تصومها قبل أن يبدأ جسمك الكيتوزية؟ هذه الإجابة غير معروفة.
يقول لونغو إنها تحتاج إلى ثلاثة أيام على الأقل وإن الصيام لفترات أقل مثل نظام 2:5، لا يستمر بما يكفي لبدء هذه العملية.
البعض يفضل التمارين على قوة الصيام
لا يوافق مارك ماتسون من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ماريلاند، الذي يدرس آثار الصيام على الدماغ، على ذلك.
يقول ماتسون: "يحمل الكبد ما يعادل تقريباً 700 سعر حراري من الجليكوجين والنشاط العام للشخص حول المنزل يستهلك حوالي 70 سعراً حرارياً في الساعة". فإذا امتنعت عن الطعام لهذه المدة "يمكنك أن تحسبها بنفسك، إنها 10 ساعات تقريباً".
ويقول ماتسون: إذا أضفت التمارين إلى المعادلة يمكن للتحول أن يحدث أسرع.
يمكن للركض النشط أن يحرق 100 سعر حراري في 10 دقائق.
وأضاف أنك إذا ارتديت حذاءك الرياضي لساعات قليلة بعد آخر وجبة لك، لن تستغرق وقتاً طويلاً لتصل إلى الكيتوزية، ما يجعله يتساءل لماذا عليه الالتزام بصيام خمسة أيام بدلاً من ذلك.
5 أيام من الحساء والقليل من الفتات أمر صعب
عادة ما يروج الصائمون لصفاء الذهن وزيادة التركيز. لاحظ أولجازيك شيئاً مشابهاً مع جماعات الصيد وجمع الثمار في العصر الحديث.
وبينما كان يبحث عن الطعام مع قبيلة وبكايمين في بابوا في غينيا الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي، لاحظ أنهم لا يبدأون اليوم بوجبة فطور أبداً لأنه من الأفضل أن يكونوا جائعين أثناء الصيد.
يقول أولجازيك: "يعتبرون أن هذا الأمر يجعلهم أخفّ قدماً، وأكثر يقظة لما حولهم".
لكن حتى الآن، لا توجد دراسات محكومة تبحث العلاقة بين الصيام والوظائف الإدراكية عند الإنسان، والمصدر الوحيد للمعلومات حول ما قد يكون يحدث هو الفئران.
وجدت جماعة ماتسون أن التحول إلى الكيتوزية يمنح العقل تحفيزاً لإفراز مادة كيميائية تدعى BDNF، والتي تنشط وصلات جديدة بين العصبونات وتحفز الخلايا العصبية لصنع المزيد من الميتوكوندريا، التي تولد الطاقة.
قد يكون هذا هو الطريق لصفاء الذهن الذي يقول عنه الصائمون.
هل يفيد الصيام الأصحاء والمرضى؟
أدلة فوائد الصيام للأصحاء هي محل جدل. لكن قد يكون هو الحل الأمثل للجسم إذا كان الجسم يعاني بالفعل.
تشير الدراسات الحيوانية إلى أنه في حين أن الخلايا الصحية تحتمي أثناء الجوع الشديد، لا تفعل ذلك الخلايا السرطانية، ما يجعلها أكثر عرضة للعلاج الكيميائي.
كان النظام الغذائي الذي يحاكي الصيام مبنياً على الرهان برؤية التأثير ذاته يحدث في الإنسان.
لم يهتم الأطباء بصيام مرضاهم الذين يعانون من النحافة بالأساس، لذا جاء فالتر لونغو في جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس بنظام غذائي منخفض السعرات الحرارية بدلاً من ذلك.
ما زال مبكراً أن نقول هذا، لكن النتائج الأولية تشير إلى أن الصيام يمكنه أن يقلل من الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي، دون التقليل من قوته في تقليص الأورام.
يجرّب لونغو نظامه الغذائي الآن مع مرضى التصلب المتعدد، ليرى إذا كان بإمكانه تحفيز الجسم للتخلص من الخلايا المناعية المسؤولة عن المرض واستبدالها بأخرى سليمة.
ومرة أخرى، نجد التجارب الحيوانية واعدة، لكن يبقى لنا أن نراها تعمل مع البشر أيضاً.
ولمرضى السكري حسابات أخرى
يزداد عدم الوضوح في أدلة الوقاية من السكري. تشير بعض الدراسات إلى أن الصيام قد يقلل من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، في حين حذرت الأبحاث المقدمة في اجتماع الجمعية الأوروبية لعلم الغدد الصماء هذا العام من أن الصيام المتقطع قد يضر البنكرياس ويزيد من خطر الإصابة بالمرض.
في كلتا الحالتين، يجب على المرضى بالسكر ويتناولون الإنسولين أن يحصلوا على توجيه واضح.
يقول لونغو: "إذا مزجت بين الأنسولين والصيام، أو النظام الغذائي الذي يحاكي الصيام، فقد تقتل أحدهم فعلاً".
إذا كنت لا تشعر بأنك بحال جيدة، عليك أن تتحدث مع طبيبك قبل أن تشرع في نظام غذائي.