في المرة المقبلة التي تتناول فيها ساندويتش أو "منقوشة" جبن، لا داعي للشعور بالذنب؛ فهناك دراسة جديدة تؤكد أن مشتقات الألبان تقي من الأمراض، لكن السر يكمن في كمياتها اليومية.
فعلى غرار الجبن والحليب، اكتسبت منتجات الألبان سمعة سيئة؛ بسبب احتوائها على الدهون المشبعة، لكن دراسة حديثة تشير إلى أن استهلاك هذه المنتجات باعتدال من شأنه أن يقلل من الأمراض والجلطة.
أُجريت هذه الدراسة في دولٍ مستوى الدخل فيها متوسط أو ضعيف، وسكانها يستهلكون منتجات الألبان بكميات قليلة.
وتعتقد البروفيسورة التي ترأست هذه الدراسة، أن النتائج تبشِّر بالخير بالنسبة للدول الغنية، التي يتجنب سكانها استهلاك منتجات الألبان لاعتقادهم أن ذلك مفيد لصحتهم.
ووفقاً للدكتورة مهشيد دهقان، من جامعة ماكماستر في كندا، فإن تناول كميات معتدلة من منتجات الألبان، بمعدل 3 حصص في اليوم، يحمي القلب أكثر مما يضره.
الامتناع عن مشتقات الألبان يحرم الجسم من فوائدها رغم دهونها
وفي تصريح لصحيفة The Guardian البريطانية، أفادت البروفيسورة "نحن نشجع الأشخاص الذين يتناولون منتجات الألبان بكميات ضئيلة بأن يزيدوا من استهلاكهم لها، خاصة في الدول التي يكون فيها مستوى دخل الأفراد متوسطاً أو منخفضاً، وحتى في الدول التي يرتفع فيها دخل الفرد".
إن المخاوف التي عادةً ما ترتبط بمنتجات الألبان نابعة من احتوائها على الدهون المشبعة التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار المسبِّب لأمراض القلب، لكن حسب د. دهقان، فإن منتجات الألبان تحتوي على مغذيات مفيدة للصحة، من ضمنها الأحماض الأمينية والدهون غير المشبعة والفيتامين "ك1″ و"ك2" والكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم. وتؤكد الدكتورة دهقان أن الامتناع عن استهلاك هذه المنتجات بالكامل يعني حرمان الجسم من فوائدها.
لذا فالاعتدال هو سر الاستفادة منها وتجنب أضرارها
في المقابل، لا يوصي مؤلفو هذه الدراسة باستهلاك حصص كبيرة من منتجات الألبان؛ ذلك أن أخذ ما يزيد على حاجة الجسم من مغذيات يمثل مشكلة في حد ذاته شأنه شأن سوء التغذية.
تحتوي الأغذية الغنية بالدهون المشبعة على عدد مرتفع من السعرات الحرارية التي تؤدي إلى السمنة والإصابة بأمراض القلب المزمنة.
وتقول الباحثة الكندية، "نحن لا نشجع الأشخاص على تناول ما بين 6 و7 حصص من منتجات الألبان أو زيادة استهلاكها، وإنما المغزى من إجراء هذه الدراسة هو تأكيد أهمية الاعتدال".
وقد تمثل الحصة الواحدة 244 غراماً من الزبادي أو الحليب، أو قطعة جبن لا يتعدى وزنها 15 غراماً، أو ملعقة صغيرة من الزبدة.
الدراسة قسمت المستهلكين إلى 3 فئات وراقبتهم 9 سنوات
تتمثل نقطة القوة الرئيسية بهذه الدراسة، التي تتمحور حول انتشار الأمراض في الأوساط الريفية والحضرية (The Pure)، والتي نُشرت بمجلة Lancet الطبية، في عدد المشاركين فيها؛ إذ شملت 135 شخصاً من 21 دولة، من بينها كندا والسويد والبرازيل وبنغلادش وتنزانيا.
أما نقطة الضعف التي تشوبها، فتتمثل في أنها قائمة على استبيانات طعام متداولة، حيث طُلب من المشاركين تذكُّر عدد المرات التي تناولوا فيها مختلف منتجات الألبان.
لتجاوز هذه النقيصة، قسّم العلماء المشاركين إلى 3 فئات رئيسية: فئة تستهلك منتجات الألبان بكميات كبيرة، وفئة معتدلة، وأخرى ضعيفة، وتابعوا الحالة الصحية للمشاركين على مدار 9 سنوات.
3 حصص كانت كافية لتخفيض أمراض القلب
وتبين أن الأشخاص الذين استهلكوا 3 حصص من الحليب أو الجبن أو الزبادي كانت فرص إصابتهم بأمراض القلب والشرايين متدنية ومعدل الوفاة لديهم منخفض، مقارنة بالأشخاص الذين كانوا يتناولون كميات أقل من منتجات الألبان.
لكن الزبدة لم تكن في خانة الـ"مفيد للصحة"
ولكن، يبدو أن الزبدة ليست ضمن خانة المنتجات المفيدة للصحة، على الرغم من أن نتائج الدراسة بالنسبة للأشخاص الذين يتناولون كميات قليلة جداً من الزبدة أظهرت أنه لم يكن لها تأثير كبير على صحتهم.
وفي جل البلدان التي أُجريت فيها هذه الدراسة، كانت مشتقات الألبان قليلة الدسم غير متوافرة على نطاق واسع.
وفي حين تؤكد دراسات أخرى أن منتجات الألبان يمكن أن تكون مفيدة للصحة. تُظهر واحدة من بين هذه الدراسات التي أُجريت في السويد، أن تناول حصتين أو أكثر من الحليب يزيد من معدل الوفاة بنسبة 32%؛ علماً أن استهلاك مشتقات الألبان في السويد أعلى من بقية الدول، فضلاً عن أنها ثالث دولة مستهلكة لمنتجات الألبان في العالم.
إعراض الناس عن مشتقات الحليب خوفاً من الدهون غير صحي
ويتفق علماء آخرون على ارتفاع عدد الأدلة التي تؤكد أن استهلاك منتجات الألبان باعتدال له عدة فوائد على الصحة. وقالت الدكتورة سارة بيري، وهي أستاذة محاضرة بمادة علوم التغذية في جامعة الملك بلندن: إن "المخاوف بشأن منتجات الألبان ناتجة عن التقاليد الاختزالية وانتهاج مقاربة عنصر غذائي واحد وعلامة بيولوجية واحدة لإيجاد الصلة بين الطعام والصحة".
وأضافت سارة أنه من المهم أن تتوافر لدينا إرشادات عن الطعام الذي نأكله وليس العناصر الغذائية التي نستهلكها. ويؤكد البروفيسور إيان غيفنز، من معهد الطعام والتغذية والصحة بكلية ريدينغ، الحاجة إلى اعتماد دليل عن الطعام الذي نتناوله.
ولا يوجد دليل يربط بين هذه المنتجات وأمراض القلب
وقال البروفيسور غيفنز إن نتائج الدراسات تدعم أدلة أخرى، تؤكد بدورها أنه لا توجد علاقة بسيطة بين استهلاك المنتجات الغنية بالدهون المشبعة وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، حيث إن ناقلات الدهون في كل طعام تلعب دوراً رئيسياً.
وتُظهر نتائج هذه الدراسة أن الدهون المشبعة من الحليب كامل الدسم أو الزبادي أو الجبن المعتّق لها تأثير محدود، ويكاد يكون منعدماً، فيما يتعلق بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
والدراسة تضع حداً لسوء الفهم السائد ضمن الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط
وأوضحت البروفيسورة نيتا فروشي، من مجلس البحوث الطبية بوحدة الأمراض الوبائية في جامعة كامبريدج، أن الدراسة وضعت حدّاً لـ"سوء الفهم السائد" بشأن اعتبار تناول منتجات الألبان مضراً بصحة القلب.
وأضافت الدكتورة فروشي أن "هذه الدراسة لم تُجب بصفة قاطعة عن السؤال المتعلق بضرورة استهلاك منتجات الألبان قليلة الدسم أو كاملة الدسم".
وصرّحت الدكتورة أليسون تدستون، رئيسة قسم التغذية بهيئة الصحة العامة في إنكلترا، بأن هذه الدراسة تقترح أن استهلاك منتجات الألبان من شأنه أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين في البلدان التي يكون فيها دخل الفرد منخفضاً ومتوسطاً، ولكن ذلك لا ينطبق على الدول التي يكون فيها دخل الفرد مرتفعاً مثل المملكة المتحدة.
وأضافت الدكتورة تيدستون أن منتجات الألبان عنصر أساسي في الحِمية الغذائية الصحية والمتوازنة، بيد أن الإفراط في استهلاكها يمكن أن يزيد من مستويات الدهون المشبعة والملح في الدم.
وينصح دليل Eatwell في المملكة المتحدة بتناول المنتجات قليلة الدسم للحد من خطر الإصابة بأمراض القلب.
فهل آن وقت تلك الشطيرة مع كوب الشاي؟