صحيح أننا ننام كل يوم، لكننا قد لا نحظى بالنوم الجيد كل ليلة، إذ يعاني بعضنا من الأرق الناجم عن القلق، وقد تؤثر نشاطات اليوم على جودة نومنا أيضاً، كما يفعل استخدام الهواتف على السرير، أو ما نتناوله خلال اليوم، وهنا سنتحدث تحديداً حول تأثير الطعام على النوم وجودته.
يعتقد بعض الباحثين وخبراء النوم أن تناول أطعمة معينة مثل الأطعمة الغنية بالسكريات، والدهون المشبعة، والكربوهيدرات المعالجة قد يؤدي إلى اضطراباتٍ في النوم، بينما يعزز النوم الهادئ اتباع نظام غذائي غني بالنباتات، والألياف، والدهون غير المشبعة (المكسرات وزيت الزيتون والأسماك والأفوكادو وغيرها).
تأثير الطعام على النوم وجودته
هناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن العلاقة بين الطعام والنوم، مثل الدراسات التي تربط من يتناولون أنظمةً غذائية سيئة منخفضة البروتين أو يتناولون كميات أكبر من السكريات بمشاكل النوم، لكنّ كثيراً من هذه الدراسات لا تظهر الأسباب أو التأثيرات، بل فقط تربط بين الأمرين، دون توضيح ما إن كان النظام الغذائي السيئ هو الذي يؤدي إلى قلة النوم، أم العكس.
وهناك أيضاً بعض الدراسات والتجارب موّلتها صناعة الأغذية، ولهذا فقد تكون نتائجها منحازة. مثلاً وجدت دراسة مولتها شركة Zespri International، أكبر شركة لتسويق الكيوي في العالم، أن المشاركين الذين أكلوا ثمرتين من الكيوي يومياً قبل النوم بساعة واحدة لمدة 4 أسابيع قد شهدوا تحسناً في بداية الاستغراق في النوم، ومدته، وفاعليته، وفسّر باحثو تلك الدراسة نتائجهم بـ"وفرة" مضادات الأكسدة في ثمار الكيوي، لكن الدراسة لم تحتوِ على مجموعةٍ منضبطة من المشاركين كما أشار تقرير صحيفة New York Times الأمريكية.
بينما خلصت دراساتٌ أخرى موّلتها صناعة الكرز إلى أن تناول عصير الكرز الحامض له تأثير معقول في تقليل الأرق عن طريق زيادة حمض التريبتوفان، الذي يُعد أحد المكونات الأساسية لهرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم.
وحمض التريبتوفان هو حمضٌ أميني يوجد في الكثير من الأطعمة، مثل منتجات الألبان والديك الرومي؛ ما يفسر شعورنا بالنعاس بعد تناول وليمة كبيرة تحتوي على هذه الأطعمة، لكن هذا الحمض يحتاج إلى اجتياز الحاجز الدموي الدماغي قبل أن يكون له أي تأثير منوم، لهذا يتعيّن عليه التنافس مع الأحماض الأمينية الأخرى من بقية الأطعمة قبل أن يمتصه الجسم، لكنه يفشل في ذلك عادةً. فضلاً عن أنّ الدراسات أظهرت أن تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات وحدها، مثل الحليب والديك الرومي، يقلل قدرة التريبتوفان على اجتياز الحاجز الدموي الدماغي.
أما ماري بيير سانت أونج، الأستاذة المساعدة في طب التغذية في مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا الأمريكية، التي أمضت سنوات في دارسة العلاقة بين النظام الغذائي وبين النوم، فتشير أبحاثها إلى أنه ينبغي التركيز على تحسين النظام الغذائي عامةً، بدلاً من تفضيل بعض الأطعمة بعينها لاحتوائها على خصائص تعزز جودة النوم.
إذ استقدمت مع زملائها 26 مشاركاً بالغاً بصحةٍ جيدة في إحدى التجارب السريرية المعشّاة، وتحكموا في طعامهم لمدة 4 أيام، حيث قدمت لهم وجبات منتظمة أعدها أخصائيو التغذية، وراقبت نومهم ليلاً خلال تلك المدة، وفي اليوم الخامس سُمِحَ للمشاركين بتناول ما يشتهون.
ووجد باحثو الدراسة أن زيادة تناول الدهون المشبعة وتقليل الأطعمة الغنية بالألياف، كالخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة، أدى إلى تقليص مدة نوم الموجة البطيئة، وهي مرحلة النوم العميق الذي يُجدد النشاط. وعموماً توصلت الدراسات السريرية إلى أن الكربوهيدرات لها تأثيرٌ بالغ الأهمية في النوم؛ إذ يميل الناس إلى الاستغراق في النوم بسرعةٍ أكبر عند تناولهم أطعمةً غنية بالكربوهيدرات، مقارنة بتناول البروتينات والدهون. ويمكن أن تُعزى هذه النتيجة إلى دور الكربوهيدرات في مساعدة التريبتوفان على العبور إلى الدماغ بسهولة.
لكن جودة الكربوهيدرات مهمةٌ كذلك، بل إنها قد تكون سلاحاً ذا حدين في الواقع؛ إذ وجدت ماري في بحثها أن الأشخاص الذين يتناولون سكريات وكربوهيدرات بسيطة أكثر -مثل الخبز والمعجنات والمخبوزات والمعكرونة- يستيقظون من نومهم في الليل بشكلٍ أكثر تكراراً. أي أن الكربوهيدرات قد تساعدك على الخلود إلى النوم أسرع، ولكن من الأفضل تناول الأنواع "المعقدة" منها لأنها تحتوي على الألياف، حتى تساعدك في الحصول على نوم أكثر عمقاً لتجديد نشاطك.
إذ تعمل الكربوهيدرات المعقدة على ضبط مستويات السكر في الدم؛ لهذا فإن كون مستويات سكر الدم أكثر استقراراً خلال الليل يُمكن أن يفسر العلاقة بين الكربوهيدارت المعقدة وبين جودة النوم.
الأنظمة الغذائية وعلاقتها بجودة النوم
العلاقة بين النظام الغذائي السيئ وقلة النوم هي علاقةٌ تبادلية، إذ وجد العلماء أن قلة ساعات النوم تزيد من تعرض المرء لتغيرات فسيولوجية تدفع بأصحابها إلى اللجوء للأطعمة غير الصحية، كما كشفت التجارب السريرية أن المشاركين -البالغين الأصحاء- الذين لم يُسمح لهم بالنوم أكثر من 4 أو 5 ساعات في الليلة تناولوا أطعمة أعلى في السعرات الحرارية وبكميات أكبر على مدار اليوم، وشعروا بجوعٍ أكبر، وزادت شهيتهم للحلويات.
وقد أدى الحرمان من النوم إلى زيادة إفراز هرمون الجريلين (هرمون الجوع) بين المشاركين الرجال، في حين أدى لدى النساء إلى انخفاض مستويات هرمون الببتيد الشبيه بالغلوكاغون، الذي يُعطي إشارة الشبع، ما يعني أن قلة النوم تزيد الشهية عند الرجال، وتُؤخر إشارة التوقف عن الأكل عند النساء.
كما تحدث تغييراتٌ في الدماغ أيضاً، حيث وجدت ماري أن تقييد ساعات النوم لأربع أو خمس ساعات فقط، لدى الرجال والنساء على السواء، قد زاد نشاط مراكز المكافأة في الدماغ عند تناول البيتزا والكعك والحلوى مقارنةً بتناول الأطعمة الصحية مثل الجزر والزبادي والشوفان والفاكهة، في حين اختفت استجابة تفضيل الأطعمة السريعة بعد خمس ليالٍ من النوم الطبيعي.
فيما قدمت الصحيفة الأمريكية النظام الغذائي المتوسطي باعتباره من الأنظمة الغذائية المثالية لتحسين جودة النوم، لأنه يركز على تناول الخضراوات، والفاكهة، والمكسرات، والبذور، والبقوليات، والحبوب الكاملة، والأطعمة البحرية، والدواجن، والزبادي، والأعشاب، والتوابل، وزيت الزيتون.
إذ وجدت الدراسات الرصدية الكبيرة أن من يتبعون هذا النوع من الأنظمة الغذائية يكونون أقل عرضة للإصابة بالأرق أو النوم القصير، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد هذا الارتباط.
وأوضحت دراسة أخرى أجراها باحثون في كلية كينجز لندن كيف أن النوم الكافي يمكن أن يزيد قوة إرادتك في تجنب الأطعمة غير الصحية. ووجدت أن من يعانون قلة النوم بشكلٍ معتاد ولجأوا إلى برامج خاصة لمساعدتهم في زيادة ساعات النوم قد زادت ساعات نومهم بنحو ساعةٍ إضافية تقريباً كل ليلة، كما شهدوا تحسناً في اختياراتهم الغذائية. ويُعد التغيير الأشد إثارة للدهشة هو أنهم قللوا تناول السكريات المضافة بمقدار 10 غرامات يومياً، أي ما يعادل 2.5 ملعقة صغيرة.
ما يعني أن الطعام والنوم مترابطان، وأن تحسين جودة أحدهما سيؤدي إلى تحسين الآخر، ما يخلق دورة إيجابية بينهما.
هل النوم بمعدةٍ خاوية صحي؟
ثبت أن الشعور بالجوع يحافظ على إبقاء الدماغ نشطاً من الناحية الذهنية. وقد يزداد الأمر صعوبةً عند محاولة الحصول على قسط كامل من الراحة ليلاً إذا شعرت بالجوع أثناء الليل، لذلك قد يكون الخلود إلى النوم بمعدةٍ سعيدة وقلب سعيد هو الحل بالنسبة لك.
وطبقاً لمراجعة صدرت عام 2013 قد يتعارض الحصول على قسط كامل من النوم في الواقع مع جزء دماغك المسؤول عن تنظيم شهيتك، ويزيد من رغبتك في تناول الأطعمة التي تحتوي على السعرات الحرارية المرتفعة.
كما وجدت هذه المراجعة أيضاً أنه كلما قلّ مقدار النوم الذي يحصل عليه الفرد سوف تزداد على الأرجح رغبته في تناول الأطعمة التي تُعزز من زيادة الوزن.
وتُشير مراجعة صدرت عام 2015 إلى أن تناول الطعام قبل الذهاب إلى النوم يُعد بالنسبة لبعض الأفراد، مثل أولئك المصابين بمرض السكري من الدرجة الأولى، أو مرض اختزال الجليكوجين، من دواعي البقاء على قيد الحياة.
وماذا عن النوم بعد تناول الطعام؟
العديد من الدراسات ربطت بين زيادة الوزن والأكل قبل النوم، بالرغم من عدم وجود أسباب فسيولوجيّة لذلك، ويمكن أن يكون ذلك نتيجة ما يأتي:
1- يؤدّي لعادات غذائيّة غير صحيّة
تظهر العديد من الدراسات أنّ الأشخاص الذين يتناولون الطعام قبل النوم يمكن أن يزداد وزنهم؛ لأنّ الوجبة التي يتناولونها قبل النوم تكون وجبة إضافيّة، ما يزوّد الجسم بسعرات حراريّة إضافيّة.
كما أنّه عادةً ما يشعر الناس بالجوع وقت المساء، ما يُسهم في تناول كمية كبيرة من الطعام في وقت متأخر، وبالتالي استهلاك سعرات حرارية تفوق حاجة الجسم.
2- يزيد سوء الارتداد المريئي
يحدث الارتداد المعدِي المريئي نتيجة عودة أحماض المعدة إلى الحلق، ما يُسبّب حرقة المعدة، أو تورّم الحلق، أو صعوبة البلع، أو زيادة تفاقم حالة الربو في الليل.
كما يمكن أن يؤدّي تناول الطعام قبل النوم لزيادة هذه الأعراض، حيث يسهل رجوع الأحماض للحلق عند الاستلقاء للنوم عندما تكون المعدة ممتلئة بالطعام، لذلك يُنصح المُصابون بالارتجاع بتجنّب تناول الطعام قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل، كما يُنصح بتجنّب المأكولات والمشروبات الحارّة أو المحتوية على الكافيين.
3- حرقة المعدة
مع أن الاستلقاء للنوم بعد الأكل مباشرة قد يبدو أمراً مغرياً، إلا أننا نؤكد لك أن الأمر لا يخلو من بعض المخاطر، خاصة ظهور مشكلة حرقة المعدة.
فبينما يحاول جسمك أن يأخذ قسطاً من الراحة، فإن جهازك الهضمي لا يملك هذا النوع من الرفاهية وعليه الاستمرار في العمل.
ومع نشاط المعدة وإفراز الأحماض فيها للمساعدة على الهضم، فإن وضعية الاستلقاء قد تتسبب بصعود هذه الأحماض من المعدة إلى المريء، وحتى الحلق في بعض الحالات.
وهذا الأمر قد يسبب لك إحساساً بمرارة في الفم، مصحوبة بكثرة التجشؤ، وقد يجعل النوم ليلاً مثلاً أمراً صعباً!
4- مشاكل واضطرابات النوم
إن محاولة النوم بعد الأكل قد لا تمنح جسمك الراحة التي يحتاجها، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ قد تتسبب بنفخة وغازات واضطرابات في المعدة، الأمر الذي سيجعلك تتقلب كثيراً أثناء محاولتك النوم.
وهذا الأمر يكون واضحاً وظاهراً أكثر عند تناول وجبات غنية بالدهون والزيوت تحديداً قبل النوم.
4- الجلطة
أظهرت بعض الدراسات أن النوم بعد الأكل مباشرة قد يزيد من فرص إصابتك بالجلطات، وأن الانتظار لبعض الوقت بعد الانتهاء من الوجبة قبل الذهاب للنوم قد يقلل من فرص إصابتك بالجلطات.
5- كسب الوزن الزائد
السبب هنا ببساطة هو أنك لا تحصل على فرصتك لحرق ولو جزءاً بسيطاً من السعرات الحرارية بعد تناول الطعام، وهو أمر ينطبق على الوجبات النهارية والليلية.
ولكن يجدر بنا التنويه هنا إلى أن هذه النقطة تحديداً هي إحدى النقاط المختلف عليها بشأن أضرار النوم بعد الأكل.
إذ يشير بعض الباحثين إلى أن تناول الطعام قبل النوم ليلاً هو ما قد يزيد الوزن، وأن هذا لا ينطبق على الوجبات النهارية.
إذاً.. كم عليك الانتظار بين الوجبة وموعد النوم؟
بعد تناول الوجبة يفضل الانتظار لما يقارب 2-4 ساعة قبل النوم، فهذا يمنح الجسم وقتاً كافياً لهضم الطعام وحرق جزء منه.
لكن هناك أطعمة يمكن تناولها قبل النوم
هنالك عدّة أنواع من الأطعمة التي يمكن تناولها قبل النوم بهدف تحسين جودة النوم، ومن هذه الأطعمة:
- اللوز: حيث يحتوي على هرمون الميلاتونين الذي ينظّم النوم، بالإضافة إلى المغنيسيوم الذي له دور في تعزيز النوم، كما يمكن تناوُل الجوز للحصول على نوم أفضل.
- الديك الرومي: يحتوي على نسبة عالية من البروتين، ما يزيد الشعور بالتعب، كما يحتوي على التريبتوفان الذي يزيد إنتاج الجسم من هرمون الميلاتونين، ما يُسهم في تعزيز النوم.
- شاي البابونج: يمتاز ببعض الخصائص التي تحسّن من نوعية النوم، ومن هذه الخصائص احتواؤه على مضادّ الأكسدة إيجتين، الذي يرتبط بمُستقبِلاتٍ معينة في الدماغ قد تقلّل الأرق، وتزيد الشعور بالنعاس.
- شاي زهرة الساعة: يمكن أن يحسّن النوم بسبب احتوائه على مركبات أبيجينين، بالإضافة لمساهمته في زيادة إنتاج حمض غاما- أمينوبيوتيريك الذي يُثبّط المواد الكيميائيّة في الدماغ المُسبّبة للتوتر.
- الكيوي: تشير الدراسات إلى أنّ هذا النوع من الفاكهة يمكنه تحسين النوم، وقد يعود ذلك لمحتواه من السيروتونين، الذي يساعد على تنظيم دورة النوم.
- أطعمة أخرى: مثل الأرز الأبيض، والموز، والحليب، والشوفان، والجبن القريش.
وأطعمة يُنصح بتجنّبها قبل النوم..
يمكن تناول وجبة خفيفة قبل النوم، لكن هنالك عدّة أنواع من المأكولات التي يُنصح بتجنّبها، وفيما يأتي أنواع هذه الأطعمة:
- الأطعمة الدُّهنيّة؛ حيث يمكن أن تأخذ الأطعمة الدهنيّة وقتاً أطول حتى يتم هضمها.
- الأطعمة الحمضيّة؛ حيث تزيد هذه الأطعمة من سوء الارتداد المعدي المريئي.
- الشوكولاتة؛ فهي تحتوي على كميات كبيرة من السكر، بالإضافة للكافيين الذي يمكن أن يؤدي لاضطراب النوم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.