يبدو أن أزمة قطاع الطيران ما زالت في بداياتها، هذا ما أكدته شركتا إيرباص وبوينغ وغيرهما، بعدما انتهى الربع المالي الأول من العام 2020 وتكشّفت معه الأرقام والخسائر غير المسبوقة.
إذ أعلنت شركة إيرباص في 29 أبريل/نيسان 2020، عن خسارتها 515 مليون دوﻻر في الربع الأول وتراجع أرباحها 15%، ومنح آلاف العمال إجازة، إلى جانب سعيها للحصول على مليارات الدولارات كقروض؛ من أجل تخطي أزمة فيروس كورونا.
ومثلها، أعلنت International Airlines Group المالكة لشركة النقل الجوي البريطانية القديمة، يوم الثلاثاء 28 أبريل/نيسان 2020، أنَّ الشركة تستعد لاقتطاع 12000 وظيفة، أي نحو 30% من العاملين بها؛ بعدما أصدرت النتائج الأولية للربع المالي الأول.
أزمة قطاع الطيران غير مسبوقة
خسائر هائلة بالفعل تضع قطاع الطيران المدني وصناعة الطيران بأكملها في مهب الريح.
وهذه هي ببساطةٍ المشكلة؛ فالتقليص الحالي لحجم أعمال الطيران ليس خطوة طارئة تأتي استجابةً لحظر السفر، بل هي بالأحرى استجابة دائمة لما قد تكون سنوات مرتقبة من الطلب المنخفض.
حتى إن شركتي Lufthansa الألمانية وRyanair الأيرلندية والخطوط الجوية الإسكندنافية (SAS) أعلنت عن خفض العمالة.
لكن الخطوط الجوية المعروفة والعالمية ليست وحدها من تلقى الضربة.
بوينغ تحتاج سنوات عديدة للتعافي
فإلى جانب ذلك، حذَّرت شركتا صناعة الطائرات Boeing وAirbus، اللتان أعلنتا عن أرباح الربع الأول يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان 2020، من تخفيضات ضخمة في الرواتب قريباً، بغض النظر عن تراكم الطلبات المتأخرة التي تمتد لسنوات والجهود الحديثة لإعادة بناء هوامش أمان مالية.
وذكرت شركة Boeing، يوم الإثنين 27 أبريل/نيسان 2020، أنها قد تعيد فتح منشأة نورث تشارلستون بولاية ساوث كارولينا؛ لتسليم طائرات بوينغ من طراز "787 دريملاينر" الأسبوع التالي.
غير أنَّ الشركة قدَّمت، يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان، رؤية طويلة الأمد؛ إذ ستُخفِّض عدد طائرات "787 دريملاينر" التي ستنتجها الشركة تدريجياً إلى 7 طائرات في الشهر بحلول عام 2022، مقارنة بـ14 طائرة حالياً.
وستُخفِّض الشركة كذلك معدل إنتاج طائراتها من طراز "777"، أما الزيادة في معدل إنتاج طائرات "737 ماكس" فسيكون أبطأ من المتوقع سابقاً؛ مما سيضيف مليار دولار على أسعار التصنيع المُتوقَّعة، وفق ما نشرته صحيفة The Wall Street Journal.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، الإثنين، إن الأمر سيستغرق سنوات حتى تعود صناعة الطائرات إلى المستويات التي حققتها قبل تفشي الفيروس.
إيرباص: نعيش أخطر أزمة عرفها القطاع
بدوره أقر الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص، غيوم فوري، لوكالات أنباء أمريكية بأن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لإقناع العملاء بالعودة إلى الطائرات.
وقال فوري: "نحن في أخطر أزمة عرفتها صناعة الطيران على الإطلاق.. لذا نحن بحاجة لاستعادة ثقة الركاب بالسفر الجوي بينما نتعلم التعايش مع هذا الوباء".
لم تتمكن إيرباص من تسليم 60 طائرة في الربع الأول بسبب مشاكل تتعلق بالفيروس، ويبدو أن الربع المالي الثاني صعب بالمثل.
وأوضح فوري أن العملاء يطالبون بتأخير التسليم، وهي "أكبر مشكلة نديرها في الوقت الحالي"، على حد تعبيره.
وكان بعض المختصين في مجال صناعة الطيران حذَّروا من أنَّ النقل الجوي قد يحتاج أكثر من عامين للتعافي من هذه أزمة قطاع الطيران والعودة إلى معدلات 2019؛ بسبب مزيج من القيود المتعلقة بالسلامة والخوف من الطيران، وتبني الشركات تقنية عقد المؤتمرات والاجتماعات عبر الفيديو.
وتؤكد نشرات الربع المالي الأول للشركات، أنه لا طريق للعودة لما كان الوضع عليه.
5 سنوات عجاف
وكانت عمليات إلغاء الطلبات وحدها حتى الآن بسيطة؛ لأنها مُكلِّفة بالنسبة إلى الخطوط الجوية. ومع ذلك، فإنَّ اللحظة الفارقة لتكاليف التصنيع لن تحدث على الأغلب إلا بعد شهور.
وتشير التوقعات التي جمعتها شركة FactSet لتوفير المعلومات، إلى أنَّ الإيرادات المتنوعة لشركتي Boeing وAirbus لن ترتفع إلى مستوى 2018 -أي قبل كارثة "737 ماكس" التي ضربت الشركة الأمريكية- حتى عام 2023.
ومع ذلك، سيشهد إجمالي المبيعات في ذلك العام انخفاضاً بنسبة 7% مقارنة بما توقعه المحللون لعام 2020، قبل أزمة فيروس الكورونا.
وهذا يعني أن مجال الطيران سيشهد 5 سنوات سيئة، وقد تضطر التقديرات إلى محاولة مواكبة الأحداث.
وبالنسبة لشركات تصنيع المحركات والشركات التي تجني المال من إصلاح الطائرات، فهي الأخرى ستشهد تراجعاً أكبر في حجم الأعمال.
شركات تطلب مساعدات حكومية
ومن جانبها، ذكرت شركة General Electric، يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان، أنها ستحتاج اقتطاع 2 مليار دولار من التكاليف بعد تسجيل انخفاض كبير بنسبة 40% في أرباح قسم الطيران.
وبينما تدخلت الحكومات لإنقاذ بعض شركات الطيران المُتعَثرة، من المرجح أن يختفي بعضها.
وقد تقدمت شركة Virgin Australia بالفعل بأوراق تثبت أنها في حالة متعسرة، بعدما فشل مؤسسها والشريك المالك ريتشارد برانسون حتى الآن في تأمين المساعدة لشركته الأخرى Virgin Atlantic، ومقرها المملكة المتحدة.
وفي الولايات المتحدة، يُطلَب من شركات الطيران الاحتفاظ بكامل قوتها العاملة حتى سبتمبر/أيلول 2020، ضمن حزمة المساعدة المقدمة من واشنطن، لكنها تقدّم بالفعل برامج إقالة طوعية للعاملين بها.
وستبدأ بالتأكيد في تسريح العاملين بمجرد أن تسنح لها الفرصة.
ولا تزال الصناعات الأخرى تأمل العودة إلى مستوى مقارب من الطبيعي في المستقبل القريب. ومع ذلك، سيظل حجم الطيران المدني أصغر وأقل ربحية لسنوات قادمة.