عملية غزو الخنازير، هكذا أطلقت واشنطن على عمليتها التي نفذتها في العام 1961، في كوبا، حيث أرادت قلب نظام الحكم فيها، لتكون عملية تشعل أزمة بين أمريكا وكوبا، كانت الأكبر خلال الحرب الباردة، استمرت على مدار أسبوعين، ومن ثم تم حلها بشكل سلمي بعدما كانت على مشارف إشعال حرب نووية عالمية طاحنة.
بدات القصة في العام 1959، حين نجحت مجموعة من الثوار في كوبا في الاستيلاء على الحكم في البلاد، قادهم فيدل كاسترو، الذي أصبح رئيساً في نفس العام، بعدما نجح وفرقته العسكرية التي شكَّلها في الإطاحة بحكومة فولغينسيو باتيستا.
بدأت الولايات المتحدة تستشعر الخطر، فكاسترو اعتلى الحكم، وله ظهير شعبي. كانت تخشى من أن يستفحل أمره فتسير الدول اللاتينية على نهجه، خاصة أن الدول المحيطة بكوبا كانت تعيش واقعاً سياسياً واقتصادياً مهترئاً، فرسمت خطة الانقلاب.
أرسلت واشنطن قوات كوماندوز من الكوبيين اللاجئين في أمريكا، بعدما درَّبتهم وسلَّحتهم في معسكرات تابعة للمخابرات الأمريكية، وأطلقت على العملية اسم "غزو خليج الخنازير"، نسبة إلى خليح يقع جنوبي كوبا
وفي 17 من مارس/آذار من العام 1960، أعطى الرئيس الأمريكي أيزنهاور موافقته على مقترح المخابرات، باستخدام المعارضين لكاسترو في الإطاحة به.
وفي يناير/كانون الثاني 1961، تولَّى الرئيس الأمريكي جون كينيدي الحكم في أمريكا خلفاً لأيزنهاور، فأعطى أوامره بتنفيذ عملية "غزو خليج الخنازير" ميدانياً.
وفي 15 أبريل/نيسان 1961، بدأ تنفيذ العملية، بحملة قصف جوي شنّتها طائرات أمريكية يقودها متمردون كوبيون، واستهدفت القواعد الجوية الكوبية، وبعدها بيومين أتبعت الحملة الجوية بهجوم بري.
تصدَّت القوات المسلحة الكوبية لهجمات المتمردين، إذ كانوا أكثر عدداً منهم، وبعد 4 أيام فقط كانت القوات المتمردة أعلنت هزيمتها بعدما قُتل منهم 100 رجل، ووقع الباقون في الأسر.
فشِلت العملية بعدما أخفقت الولايات المتحدة في وضع خطة ميدانية ملائمة للأوضاع في كوبا، فضلاً عن امتناعها عن تقديم غطاء جوي مباشر ودعم لوجستي وسياسي للمتمردين، حتى لا يبدو أنه تدخل أمريكي، أو احتلال لكوبا.
تبعات "غزو الخنازير"
أدَّى فشل العملية إلى أزمة دولية كبيرة بين كوبا وأمريكا، لكن في المقابل ظهر كاسترو كبطل في بلاده، وبدأت علاقته بروسيا تأخذ منحى آخر من التعاون، لاسيما بعدما زار أخوه راؤول كاسترو الكرملين، واتَّفق مع السوفييت على نشر صواريخ باليستية متوسطة المدى في أراضي كوبا، وفق اتفاق دفاع مشترك.
انتشرت الصواريخ السوفييتية قبالة السواحل الأمريكية، لردع واشنطن في حال ما أعادت الكَرَّة واعتدت على هافانا، ما أثار حفيظة واشنطن، ففرضت حصاراً بحرياً على كوبا، لمنع سفن الشحن السوفييتية من نقل الأسلحة إليها.
أتبعتها بعقوبات سياسية واقتصادية قاسية، وعلَّقت عضويتها في منظمة الدول الأمريكية، قبل أن تُطبّق عليها حصاراً شاملاً في العام 1967.
استمرت أزمة خليج الخنازير 13 يوماً، رغم أنَّ ملامح فشلها كانت قد ظهرت بعد أول يومين من الحملة، وأُقيم لها متحفٌ خاص لتخليدها، يحمل اسم "متحف خيرون"، وتحولت القصة للعديد من الروايات والأفلام والأعمال السينمائية، أشهرها الفيلم الهوليوودي "13 يوماً"، إنتاج وبطولة الممثل كيفن كوسنر.