جرَّب اللقاح بنفسه ورفض الجوائز المالية.. جوناس سولك الرجل الذي أنقذ العالم من شلل الأطفال

عرف التاريخ الإنساني واحداً من أخطر وأقدم الفيروسات المعروفة: "شلل الأطفال". الذي كان عدواً مرعباً للإنسان عبر التاريخ، إلى أن أصبح الآن لا يُذكر في معظم دول العالم، بفضل اللقاح الذي اكتشفه الطبيب والعالم الأمريكي جوناس سولك.

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/23 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/13 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
جوناس سولك مكتشف لقاح شلل الأطفال

عرف التاريخ الإنساني واحداً من أخطر وأقدم الفيروسات المعروفة: "شلل الأطفال". الذي كان عدواً مرعباً للإنسان عبر التاريخ، إلى أن أصبح الآن لا يُذكر في معظم دول العالم، بفضل اللقاح الذي اكتشفه الطبيب والعالم الأمريكي جوناس سولك.

وشلل الأطفال أو التهاب سنجابية النخاع، هو مرض فيروسي معدٍ، ينتج عن الإصابة بالفيروس السنجابي، وهو فيروس معوي بشري، تتراوح شدته من عدوى بسيطة إلى مرضٍ تصحبه صعوبة في التنفس، أو شلل رخوي في الأطراف، خصوصاً الجزء الأسفل من الجسم، وقد تصل أعراضه إلى حد الوفاة.

يمكنك قراءة قصة الطبيب البريطاني إدوارد جينر من هنا، أو قصة الفرنسي لويس باستور من هنا.

شلل الأطفال.. تاريخٌ طويل مع المعاناة 

يعود تاريخ شلل الأطفال إلى عام 1403-1365 ق.م، وذلك بحسب النحوتات المصرية القديمة المكتشفة، التي تظهر فيها صورة لكاهن يتعكز على عصا، وساقه اليمنى مصابة بشلل الأطفال، كما عُثر على بعض الموميات المصرية بأطرافٍ مشوّهة.

مكتشف لقاح شلل الأطفال
الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت كان مصاباً بشلل الأطفال

وقد أطلق علماء الآثار والتاريخ نظرياتٍ مختلفة عن أن هناك شخصيات سياسية تاريخية بارزة، أصيبوا بشلل الأطفال كالملك الفرعوني توت عنخ آمون، والإمبراطور الروماني كلوديوس، الذي كان يُعاني من تشوهات وعرج طيلة حياته.

بدأ الفيروس، كغيره من الفيروسات في النشاط بشكلٍ أكبر في الدول الأوروبية عقب الثورة الصناعية، وفي عام 1789، سجَّل الطبيب البريطاني مايكل أندروود أوَّل وصفٍ للمرض، بينما ترجع أول حالة وباء موثَّقة إلى عام 1834 في جزيرة سانت هيلينا البريطانية

انتقل الفيروس إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر ولاية فيرمونت، وتحول إلى وباء هناك عام 1894، واستمر في التفشي حتى شهدت البلاد أول وباء كبير لشلل الأطفال عام 1916 مركزه نيويورك، ووصلت عدد الإصابات إلى 27 ألف حالة، وأكثر من 6 آلاف حالة وفاة.

وفي عام 1921، أصيب الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت بشلل الأطفال وهو في سن 39 عاماً، ويُعتبر أحد أشهر الشخصيات المصابة بالمرض، وعلى أثر إصابته أسس مؤسسة وطنية تدعم مرضى شلل الأطفال عام 1938.

كان فيروس شلل الأطفال أحد أكثر الأمراض رعباً حتى منتصف القرن العشرين، حيث إنه ظل يتفشّى ووضع سكان الولايات المتحدة في حالة الحجر الصحي؛ فقد وصلت الإصابات عام 1952 إلى حوالي 58 ألف حالة، واستمر الرعب إلى حين أن أنهاه جوناس سولك عام 1952.

فمن هو جوناس سولك الذي خدم البشرية؟

وُلد جوناس سولك في 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1914 في مدينة نيويورك، وسط ثلاثة أبناء لعائلةٍ فقيرة، وكان والده يعمل في صناعة الثياب. لكنّ والديه شجّعاه على التعلُّم، كونه كان يحب الاهتمام بالعلوم منذ صغره.

بعد أن أكمل سولك مرحلة الثانوية، التحق في بادئ الأمر بكلية القانون في جامعة نيويورك. لكنّ والدته أقنعته بأنه لا يصلح لهذا المجال، فتوجَّه لدراسة العلوم وحصل على درجة البكالوريوس من نفس الجامعة، ومن ثم التحق بكلية الطب البشري، وحصل على شهادتها عام 1939.

جوناس سولك وشلل الأطفال
جوناس سولك مكتشف لقاح شلل الأطفال

في عام 1942، حصل سولك على منحة زمالة لدراسة الفيروسات في جامعة ميتشيغان، وانشغل في دراسة وتطوير لقاح ضد الإنفلونزا، وفي عام 1947، أصبح رئيس مختبر أبحاث الفيروسات في جامعة بيتسبرغ، وهناك ركز أبحاثه لتطوير لقاح يقضي على فيروس شلل الأطفال.

جوناس سولك يُنهي الرعب أخيراً

في عام 1951، توصَّل سولك إلى وجود ثلاثة أنواع متميزة من فيروسات شلل الأطفال، واستطاع تطوير لقاحه من "فيروس مقتول" للمرض، حيث إنه استخدم في ذلك طريقة إنماء هذه الفيروسات في مختبره، ومن ثم تدميرها، بحيث تفقد فعاليتها وقدرتها على الإصابة بالمرض.

بدأ سولك في تجاربه الأولية للقاح في عام 1952، ويعتقد بعض المؤرخين أنه جربها على بعض الأطفال، فيما يعتقد آخرون أنه أجرى تجاربه التي نجحت بتلقيح آلاف القرود. فيما يخبرنا بعض المؤرخين أنّه خاطر بحياته من أجل نجاح اللقاح على البشر، فقد اختبر لقاحه الجديد على عددٍ من الأطفال وعلى نفسه وزوجته وأبنائه، حتى أعلن نجاح هذه الاختبارات عام 1953.

نشر سولك عدداً من المقالات العلمية والنظرية المتعلقة بشلل الأطفال، ومزايا لقاحه الجديد وطريقة عمله، وجذبت مقالاته المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال التي أنشأها الرئيس الأمريكي روزفلت، والتي قدمت له دعماً مالياً كبيراً لاستكمال أبحاثه، وساعدته في إطلاق جهوده لتطوير اللقاح.

توسعت الاختبارات الوطنية في أمريكا بشكلٍ ضخم، فتمّ إعطاء اللقاح إلى حوالي 1.8 مليون طفل خلال مرحلة الاختبار، بدعمٍ من  المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال، وتمت الموافقة على استخدامه العام في جميع أنحاء البلاد في عام 1955.

وبالفعل، أنهى سولك حالة الرعب التي استمرت لعقودٍ من الزمن في أمريكا، بل وفي العالم كله بعد اكتشافه للقاح السحري، ففي عام 1952 سُجِّلت حوالي 58 ألف حالة مصابة بشلل أطفال على مستوى أمريكا، لينخفض العدد إلى ألف حالة فقط عام 1962، وتم تسجيل آخر حالات مصابة بشلل الأطفال في أمريكا عام 1978، لحالات رفضت تلقي اللقاح.

جوناس سالك
جوناس سالك عام 1988

كما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية، إلى انخفاض حالات الإصابة بشلل الأطفال بمعدل 99% منذ عام 1988، من نحو 350 ألف حالة سُجّلت في ذلك العام، إلى 33 حالة فقط أبلغ عنها في عام 2018، ويأتي هذا الانخفاض نتيجة ما يُبذل من جهود على الصعيد العالمي من أجل استئصال المرض.

سولك يرفض تسجيل براءة اختراع

لا يعتبر سولك بطلاً قومياً في بلاده من فراغ، فعلاوةً على اكتشافه للقاح الذي أنقذ البشرية من شلل الأطفال، فقد رفض كذلك تسجيل براءة اختراعه للقاح، ولم يقبل بحصوله على جوائز مالية مقابل عمله الذي اعتبر أنه لا يجوز أن يُجزى عليه، واكتفى بالتكريمات الشرفية، وقال جملته الشهيرة عندما سُئِل: من يملك براءة اختراع لقاح شلل الأطفال؟ فأجاب: لا أحد؛ هل يمكنك استخراج براءة اختراع للشمس؟!

في عام 1963، أسس سولك معهد سولك للدراسات البيولوجية، وهو معهد بحثي مستقل غير ربحي مقره مدينة لاهويا بولاية كاليفورنيا الأميركية، ويعد المعهد الآن واحدة من أرقى المؤسسات البحثية في مجال علوم الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد توفِّي عام 1995 بسبب قصور القلب في منزله في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ولم يكن لديه اكتشافات أخرى، وإنما عمل مع مجموعة من العلماء في مركزه على أبحاث عن أمراض مختلفة مثل التصلُّب المتعدد M.S والسرطان، وفيروس العوز المناعي البشري HIV، ومرض الإيدز.

علامات:
تحميل المزيد