لا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها في العراق، بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فيما يتصاعد التوتر بين أطراف المكون الشيعي، لدرجة أن الجلسة الافتتاحية للبرلمان في 9 يناير/كانون الثاني 2021، شهدت عراكاً بالأيدي بين النواب خلال المشاحنات التي سبَّبتها النقاشات حول تشكيل ائتلاف برلماني.
ومن المفترض أن يختار هذا الائتلاف رئيس الوزراء المقبل وأعضاء الحكومة، لكن المشكلة أن معسكرين شيعيين متعارضين يطالبان بالأغلبية البرلمانية. فهل يعود العراق لنقطة الصفر؟ وهل تغرق البلاد بموجة من الحرب الأهلية؟
هل يعود العراق لنقطة الصفر أم ينجح الصدر بتمرير حكومته؟
يقف على طرفي الأزمة في العراق اليوم معسكران؛ الأول يجمع العديد من الأحزاب الشيعية، وضمنها حزب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحزب تحالف الفتح الموالي لإيران، وهو الجبهة السياسية لجماعات الحشد الشعبي شبه العسكرية، والذي تعرض لهزيمة ثقيلة بالانتخابات النيابية قبل الطعن في النتائج في الشارع وفي القضاء.
وعلى الضفة الأخرى يقف الزعيم الوطني الشيعي مقتدى الصدر الذي فاز بـ73 مقعداً من أصل 329 في الانتخابات التشريعية، وينوي تشكيل ائتلاف مع حلفاء من الطوائف الدينية الأخرى. وتحديداً مع نواب الكتلتين السنيتين الرئيسيتين، "عزم" و"تقدُّم"، وممثلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود بارزاني.
وعلى الرغم من الفوضى التي سادت جلسة مجلس النواب العراقي في 9 يناير/كانون الثاني، انتصر مقتدى الصدر، الذي يتزعم أيضاً ميليشيا مسلحة، في الجولة الأولى من المعركة بينه وبين منافسيه الشيعة، فقد نجح بالفعل في إعادة انتخاب رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته محمد الحلبوسي لمنصبه.
ويبدو أن التيار الصدري وحلفاءه مصممون على الذهاب إلى النهاية في هذه العملية، أي أن يفرضوا مرشحهم لمنصب رئيس الوزراء وأن يشكّلوا بمفردهم "حكومة أغلبية". وسيجد اللاعبون الآخرون أنفسهم مستبعدين بحكم الأمر الواقع من العملية.
الصدر يقلب الطاولة على "المحور الإيراني" ويدفع بالكاظمي رئيساً للحكومة
ولم يكتفِ الصدر بالفوز بالانتخابات وحصول كتلته على 74 مقعداً بالبرلمان العراقي، إنما ذهب إلى إبعاد القوى الشيعية "المحور الإيراني" عن شكل المجموعة الوزارية بالاتفاق مع القوى السُّنية والكردية.
فرئيس الوزراء المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، حصل على دعم وتأييد من رئيس تحالف تقدُّم والفائز برئاسة البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، للحصول على الولاية الثانية، بجهود الممثل السياسي لمقتدى الصدر.
ويقول مصدر بمكتب الصدر لـ"عربي بوست"، إن "الكتلة الصدرية تعتبر الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي؛ لحصولها على 74 مقعداً بالانتخابات التشريعية، وهي صاحبة الحق، حسب القانون والدستور، بترشيح الشخصية التي تراها مناسبة لمنصب رئيس مجلس الوزراء".
وأضاف أن "مصطفى الكاظمي يحظى بدعم وتأييد من الصدر، وهو مرشح الكتلة الصدرية لمنصب رئيس الوزراء على اعتبارها الكتلة الأكبر عدداً بالبرلمان العراقي، وتم الاتفاق مع القوى السنية والكردية على أن يكون الكاظمي رئيساً للوزراء في المرحلة المقبلة".
ولفت المصدر إلى أن الكتلة الصدرية "الشيعية" اتفقت مع تحالف تقدُّم "السُّني" والحزب الديمقراطي "الكردي" على تقسيم الرئاسات الثلاث بالعراق بين مرشحيها، على أن يكون محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي، هذا ما حدث بالفعل في الجلسة الأولى للبرلمان ونائبه الأول من التيار الصدري والثاني من الحزب الديمقراطي.
حسب الاتفاق سيخرج الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني بمرشح موحد لمنصب رئيس الجمهورية، على أن يكلف الكاظمي بتشكيل الحكومة العراقية.
وبيَّن المصدر بمكتب الصدر أنه "حسب الاتفاق، فإنه على الأحزاب الكردية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل نجل الراحل جلال طالباني، أن تتفق على مرشح كردي مشترك لمنصب رئيس الجمهورية، وأن الرئيس الحالي برهم صالح هو الأوفر حظاً لتولي المنصب".
من جهته، أكد المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني تمسُّكه بترشيح الرئيس الحالي برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية والحصول على ولاية ثانية.
وقالت عضو المكتب السياسي، سوزان منصور، لـ"عربي بوست"، إن "المكتب السياسي للاتحاد الوطني عقد اجتماعاً برئاسة بافل طالباني وصوَّت على إعادة ترشيح برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية".
وتضيف منصور أنَّ "صالح سيقدم أوراق اعتماده كمرشح لمنصب رئيس الجمهورية إلى رئاسة مجلس النواب بعد الإعلان عن فتح باب الترشح على هذا المنصب بعد الاتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويكون برهم صالح هو المرشح الكردي الوحيد لهذا المنصب".
وكانت رئاسة مجلس النواب العراقي قد أعلنت عن فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وفق الدستور العراقي، فيما حددت 8 فبراير/شباط موعداً أقصى لتسلُّم طلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
هل يقود الانسداد السياسي لحرب أهلية؟
يبدو أن موازين القوى حالياً تمثل مواجهة متكافئة إلى حد كبير، فكل معسكر لديه قدرة أذى ولا أحد مستعداً لقبول الهزيمة، كما يشرح عادل باخوان، مدير المركز الفرنسي لأبحاث العراق (Cfri) ومؤلف كتاب "العراق.. قرن من الإفلاس، من عام 1921 إلى يومنا هذا".
ويلخص باخوان الوضع خلال حديثه لوكالة فرانس 24، بأن "العراق اليوم يجد نفسه أمام طريق مسدود، بينما البيت الشيعي منقسم أيديولوجياً. في هذا السياق، إذا قرر مقتدى الصدر وحلفاؤه السُّنة والأكراد المضي في نهجهم حتى النهاية بينما تجتمع التوترات السياسية الموضوعية للدفع بالبلاد نحو الحرب الأهلية، فإنَّ حل الخلافات سيتم بالأسلحة والطائرات المسيرة".
ويذكّر الباحث بأن العراق يضم نحو ثمانين ميليشيا "تملك الأسلحة الثقيلة"، تعترف بها سلطات البلاد، التي خصصت لها ميزانية تبلغ 2.6 مليار دولار. وعدد من هذه الميليشيات مدعوم من قوى خارجية، أبرزها إيران.
ويسير باخوان إلى أن "هناك سيناريوهين آخرين: الأول يتمثل في بقاء البلاد في حالة انسداد سياسي دون تشكيل حكومة، لأنه على الرغم من خلافاتهم فإن الإيرانيين والأمريكيين، الذين يتمتعون بتأثير كبير في العراق، لا يرغبون في ترك البلاد تدخل حرباً أهلية، سيخسر فيها الجميع، إذ إن لهم مصالح اقتصادية كبيرة فيها".
ويتابع: "الاحتمال الآخر يتمثل بالرغبة في الخروج من الحرب والانسداد السياسي وتجنب الحرب الأهلية. ويتطلب هذا وعياً من قِبل اللاعبين السياسيين والنخب العراقية بأن الصيغة التي بُني عليها العراق منذ عام 2003 لم تعد مناسبة، فهي لا تستجيب لمتطلبات المجتمع المقسّم. يجب بالتالي البحث عن صيغة جديدة قبل تشكيل الحكومة الجديدة".
رؤية لا تبدو على جدول أي من القوى المتنازعة على السلطة، على الرغم من مرحلة ما بعد الانتخابات التي تميزت بأحداث عنف بلغت ذروتها في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، مع محاولة اغتيال بالطائرات المسيرة المفخخة استهدفت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والتي لم يتبنَّها أحد.