فوائد العسل الصحية والغذائية أمر معلوم للغالبية من الناس، لكن لنحل العسل الفرعوني تحديداً قصة لا تزال مستمرة منذ أكثر من 5 آلاف عام حتى الآن في جنوب مصر، فهل تنجو آخر فصيلة من براثن الإهمال؟
ومن بين أكثر من 20 ألف نوع من النحل تعيش في جميع مناطق العالم، يوجد جنس واحد مستأنس يقوم بإنتاج العسل وهو نحل العسل. ويسبق ظهور النحل على كوكب الأرض وجود الإنسان نفسه.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأسرار الخاصة بتاريخ وتطور نحل العسل لا تزال مجهولة، فإن ما أكده العلم حتى الآن هو أن تطور نحل العسل عن أسلافه أشباه الدبابير قد ظهر في أواخر العصر الطباشيري منذ حوالي 80 مليون سنة.
وارتبط نحل العسل بالعالم القديم بشكل عام، حيث وجد على حالته البرية في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، أما النحل الموجود في قارات العالم الجديد (أستراليا وأمريكا الشمالية والجنوبية) فقد أدخله المستعمرون الذين اكتشفوا تلك المناطق.
آخر فصيلة من النحل الفرعوني
وكانت بداية استئناس وتربية نحل العسل قد ظهرت في الحضارات القديمة، وتحديداً الحضارة الفرعونية في مصر القديمة، إذ وجدت نقوش ورسومات في المعابد الفرعونية تعود إلى سنة 2600 قبل الميلاد تبين طريقة تربية النحل قديماً، كما كشفت بعض البرديات عن الوضع الخاص جداً لنحل العسل في ذلك الوقت.
ونشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً حول محمية طبيعية في محافظة أسيوط جنوب مصر توجد بها آخر فصيلة من النحل الفرعوني، رصد جانباً من الاهتمام الغائب عن تلك المحمية، وجاء عنوان التقرير "محمية طبيعية مصرية مهملة تؤوي آخر نحل عسل فرعوني".
تبلغ مساحة محمية وادي الأسيوطي 323 كيلومتراً مربعاً وتُعد موطناً لعدد من النباتات والحيوانات والطيور النادرة، وهو ما يجعلها وجهةً مفضلة للعلماء ومحبي الحياة البرية.
وتُعد المحمية الواقعة على بعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة أسيوط، جنوب مصر، موطناً لتكاثر عدد من فصائل الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض، أبرزها آخر فصيلة من النحل الفرعوني الذي يتمتع عسله بالعديد من الفوائد العلاجية والغذائية.
المحمية كذلك موطن للعديد من أنواع الغزلان والصقور والطيور المهاجرة. وقد تعرضت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 للعديد من الاعتداءات والانتهاكات، لكن محمود نفادي، المدير العام للمحمية، قال للموقع الأمريكي: "لا يزال هذا الاحتياطي الطبيعي يعكس جمال الصحراء الشرقية المصرية".
وكان قدماء المصريين أول من استخدم العسل لأغراض طبية، إذ كانوا يضعون العسل على الجروح المفتوحة والحروق وغيرها من الأمراض الجسدية، قبل قرون طويلة من اكتشاف البكتيريا أو معرفة وجودها بشكل عام، لكن المصريين القدماء أدركوا خصائص العسل المضادة للبكتيريا.
كما أدرك المصريون القدماء مدى أهمية عسل النحل، ليس فقط لحضارتهم بل للحياة نفسها، وهكذا أصبح العسل عنصراً أساسياً، لكنه كان مقصوراً على طبقة الأثرياء بينما كان يتعرض أي شخص من العامة للعقاب بالجلد إذا تم ضبطه وهو يتناول العسل كغذاء أو للتداوي.
وحالياً تنتج فصيلة النحل النادرة الموجودة في محمية وادي الأسيوطي عسلاً من نوع خاص ذا فوائد طبية كثيرة جداً يدرسها طلبة الصيدلة والعلوم، وقد أكد نفادي للمونيتور أن تلك الفصيلة كانت موجودةً منذ زمن الفراعنة.
مزار سياحي وعلمي
ويقول نفادي: "نولي اهتماماً كبيراً لتلك النحلات. لقد صنعنا لها 200 خلية من الخشب أو الطين. هدفنا هو تحفيز تكاثر فصائلنا من النحل. لقد زرعنا 1000 شجرة سدر لتتغذى عليها النحلات. ونرغب في المضي قدماً في إكثار فصائلنا من النحل وجعلها متاحة للمربين".
وقال علي أحمد مرسي، الباحث البيئي في المحمية، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "تضم المحمية مناحل لفصيلة نحل فرعونية نادرة، وقد نجحت المحمية في جعل أعداد ذلك النحل تتضاعف عبر عمليات إكثار مستمرة. وتأتي بعثات علمية أجنبية من كل أرجاء العالم خصيصاً لتدرس تلك الفصيلة، التي لعسلها خصائص صحية عظيمة".
وأضاف: "أُنشئت المحمية بالأساس لحماية فصائل النباتات والحيوانات، وإنقاذ الموارد الطبيعية الحية، والحفاظ على إجراء العمليات البيئية الصحية في النظام البيئي، والإبقاء على التنوع البيولوجي الجيني. ذلك الاحتياطي الطبيعي هو موطن التكاثر الوحيد لفصائل مهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية في الصحراء المصرية". وقال إن دراسات لجينات نباتات من المحمية تُستخدم في الهندسة الوراثية الزراعية.
وتشمل عمليات إكثار الحياة البرية في المحمية فصائل من الغزلان المصرية، والماعز الجبلي، وصقور الشاهين، والضباع، والذئاب الحمراء، بالإضافة إلى طيور مهاجرة من آسيا وأوروبا، كما قال نفادي للموقع نفسه. كانت المحمية قد أُنشئت عام 1989 بتوصية من دراسة مشتركة بين جامعة أريزونا وجامعة أسيوط.
كما تتضمن فصائل النباتات في المحمية العديد من النباتات والأعشاب الطبية التي تُستخدم في علاج حصوات الكلى، ونزلات البرد، والسعال، والربو، كما يقول نفادي. ويُضيف: "يعالج نبات الصقلاب، المعروف باسم العشار، الجروح وحب الشباب والتهابات الجلد. كما أنه يستخدم في علاج شلل الأطراف ولسعات العقارب والعديد من الحالات الأخرى. تستخدم جذور هذا النبات في علاج داء الفيلاريات".
الإهمال يحيط بالمحمية
لكن على الرغم من مدى أهمية محمية وادي الأسيوطي كمزار سياحي وعلمي، يحذر نفادي من أن المحمية تُعاني من الإهمال، ويقول للموقع الأمريكي: "رغم كونها واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي العالمي، فإنها لا تحظى بالاهتمام السياحي المطلوب".
كما أن السكان المحليين يعتدون باستمرار على أراضي المحمية. ويُضيف: "حتى بعد استصدار تقارير بالتعديات فإنهم يظلون يزرعون تلك الأراضي. تسببت تلك الحوادث في هجرة العديد من الفصائل النادرة من الحيوانات نحو الصحراء".
وأثنى على جهود محافظة أسيوط لإزالة التعديات من المحمية بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية ووزارة الداخلية. كما أشار إلى أن الحيوانات الوحيدة التي تدخل المحمية هي بنات آوى، وهي غير مفترسة للبشر. وأضاف: "أعداد الضباع في المحمية قليلة، وهي لا تنتقل وصولاً إلى الوادي".
ولأن أسيوط تتمتع بمناخ جاف، فإن العديد من النباتات تحتاج للري، والبئر الموجودة في المحمية معطلة حالياً. يقول نفادي: "لقد قدمت طلباً لحفر بئر جديدة إلى وزارة البيئة وقد أجرينا دراسة بهذا الصدد، واليوم يجري ري المحمية عبر شاحنات تحمل خزانات مياه".
ويتزامن الحديث عن محمية وادي الأسيوطي وآخر فصيلة من نحل العسل الفرعوني مع سلسلة من الاكتشافات الأثرية الجديدة شهدتها مصر منذ مطلع العام الجاري وتسببت في حالة من الإبهار لعلماء الآثار حول العالم وقد تؤدي إلى إعادة كتابة تاريخ قدماء المصريين.
ويأمل المصريون في أن تؤدي تلك الاكتشافات إلى عودة السياحة إلى بلدهم الذي يعاني من الضغوط الاقتصادية. ففي شهر يناير/كانون الثاني تم اكتشاف معبد جنائزي يعود إلى ملكة مصرية قديمة لم تكُن معروفة من قبل، وفي فبراير/شباط، عثر علماء الآثار على 16 غرفة دفن بشرية في موقع معبد قديم بضواحي محافظة الإسكندرية الشمالية، بالإضافة إلى اثنتين من المومياوات بألسنة ذهبية.
وفي فبراير/شباط أيضاً، اكتشف علماء الآثار في محافظة سوهاج الجنوبية ما يُعتقد أنَّه أقدم مصنع للجعة في العالم، إذ يعود عمره إلى 5 آلاف عام، ويفترض الباحثون أنَّ الجعة كانت تُستخدم في طقوس الدفن لملوك مصر القدامى.
وفي مارس/آذار الماضي، اكتشف الأثريون أنقاض مستوطنة مسيحية قديمة في الواحات البحرية الواقعة بالصحراء الغربية في مصر، ويلقي هذا الاكتشاف ضوءاً جديداً على الحياة الرهبانية في القرن الـ5 الميلادي. وفي أبريل/نيسان بمدينة الأقصر الجنوبية، أعلن علماء الآثار اكتشاف "مدينة مفقودة" مدفونة تحت الرمال عمرها 3000 عام وكانت تُسمّى "صعود آتون"، ويوصف هذا الاكتشاف بأنَّه أكبر وأهم اكتشاف أثري بعد العثور على مقبرة الملك الصغير، توت عنخ آمون.