دراسة جديدة تظهر أن اتباعنا حمية غذائية نباتية أمر حيوي، ليس فقط لصحتنا، بل لصحة الكوكب، لكن لماذا لا تتحرك الحكومات بصورة أسرع للتطبيق؟
الهدف الرئيسي لاتفاق باريس
خلصت الدراسة التي نشرت في Science Magazine، في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إلى أنه حتى لو أوقفت البشرية بأثر فوري استخدام الوقود الأحفوري، فسيظل تحقيق الهدف الرئيسي من وراء الاتفاقية الدولية للمناخ المعروفة باتفاق باريس شبه مستحيل، والسبب هو الانبعاثات الكربونية الناتجة عن تصنيع اللحوم.
ويهدف اتفاق باريس إلى تقليص الاحتباس الحراري الذي يعاني منه الكوكب من خلال تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات السامة الأخرى، لأنها تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب بصورة متسارعة، متسبباً في التغير المناخي الذي نعاني منه على مدى السنوات الأخيرة، نتيجة لثقب الأوزون.
وقد وضعت الدول الموقعة على الاتفاق هدفاً بتقليص الارتفاع في درجة الحرارة سنوياً إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، على أن يسبق ذلك الهدف الوصول إلى 2 درجة مئوية، ورغم أن تفشي وباء كورونا منذ مطلع العام الجاري وما نتج عنه من إغلاقات للنشاط الاقتصادي حول العالم على فترات قد أسهم إلى حد ما في تخفيف مصادر التلوث والانبعاثات الكربونية، إلا أن الخطر لا يزال قائماً، وكشفت الدراسة الجديدة عن مصدر آخر لذلك الخطر.
ما علاقة أكل اللحوم بالمناخ؟
الدراسة الجديدة توصلت إلى استنتاج مفاده أن استهلاك اللحوم وما يرتبط به من صناعات يؤدي إلى انبعاثات كربونية، تجعل من المستحيل تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، حتى لو قررت جميع الدول التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري فوراً.
ونشر موقع Vox الأمريكي تقريراً حول الدراسة الجديدة بعنوان "كيف يساعد التحول من أكل اللحوم إلى الحمية النباتية في تخفيف حدة أزمة المناخ"، تناول كيف أن تباطؤ الحكومات حول العالم في اتخاذ الإجراءات المطلوبة يسهم في مفاقمة كوارث البيئة.
الدراسة تربط بين حرائق غابات الأمازون، الصيف الماضي وفي السنوات الأخيرة، وبين أطباق اللحوم التي يتناولها البشر حول العالم، فتزايد الطلب على تناول اللحوم قد دفع كثيراً من أصحاب المزارع لاستخدام الحرق غير القانوني لترويض الغابات المطيرة في المراعي، وهي استراتيجية تنذر بكارثة بالنسبة لتغير المناخ والتنوع البيولوجي.
وما حرائق الغابات من الأمازون لأستراليا وكاليفورنيا إلا آخر إشارات الاستغاثة الناتجة عن نظام غذائي عالمي لا يمكن أن يستمر كما هو عليه الآن، فالانبعاثات الناتجة عن كل حلقة من حلقات سلسلة إمدادات الطعام، من إزالة الغابات إلى زراعة المحاصيل أو تربية الماشية، كما يحدث في البرازيل، تضخ كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيترونات، وصولاً إلى حقول الأرز ومخلفات الأبقار التي ينبعث منها غاز الميثان، وهو أحد الغازات التي ترفع من حرارة الأرض.
ما مدى خطورة النظام الغذائي الحالي؟
وما قام به الباحثون في الدراسة الجديدة هو أنهم، وللمرة الأولى، قاموا بعزل الانبعاثات الناتجة عن النظام الغذائي، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن تلك الانبعاثات وحدها تجعل تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ مستحيلة تماماً.
وتوقع الباحثون أنه حتى لو تم اليوم إيقاف جميع الانبعاثات الغازية بعيداً عن تلك التي تنبعث من النظام الغذائي الحالي، فإن انبعاثات النظام الغذائي وحدها سوف تتسبب في أن تتخطى الارتفاعات في درجة الحرارة عتبة 1.5 درجة مئوية في منتصف القرن الحالي، وهذا التقييم مبني على اتجاهات النظام الغذائي على مدى النصف قرن الماضي.
وبحسب تقرير لموقع The Conversation الأمريكي، النظام الغذائي حالياً مسؤول عن 30% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة بصورة متسارعة مع ارتفاع مستوى معيشة مزيد من الناس حول العالم، وزيادة استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان.
وقال مايكل كلارك، الباحث في جامعة أوكسفورد وأحد المشاركين في الدراسة لموقع Vox إن التوجهات الحالية خطيرة، ولا بد من اتخاذ إجراءات فورية لتعديل طريقة إنتاج وتناول الطعام، وهو أمر أساسي لتحقيق أهداف اتفاق باريس: "أفضل وقت لفرض تلك التغييرات كان قبل 20 عاماً على الأقل، لكن أفضل وقت متاح للحديث عن تغيير طريقة تناولنا للطعام هو فوراً".
ماذا تقترح تلك الدراسة؟
الدراسة رصدت خمس طرق للتدخل السريع، من أجل تقليل الانبعاثات الغازية من النظام الغذائي، أكثرها فاعلية هي تبني حمية غذائية نباتية على مستوى العالم، لكن السؤال هو كيف يمكن تطبيق أمر شخصي مثل نوعية الطعام الذي يتناوله الأفراد؟
الاعتماد على تغيير السلوك البشري فيما يتعلق بالعادات الغذائية على مستوى عالمي، وخصوصاً في الدول الغنية مثل الولايات المتحدة التي يرتفع فيها معدل استهلاك اللحوم مقارنة بالمعدل العالمي بصورة كبيرة، يعتبر أمراً محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً في ظل الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لإنقاذ المناخ.
وبالتالي فإن الدراسة تقترح أن يتبع صانعو السياسات في الدول الغنية أساليب أكثر إبداعاً لإقناع المواطنين بتناول لحوم ومنتجات ألبان أقل، فحتى الآن لا تزال الحكومات غير جادة في التعامل مع انبعاثات النظام الغذائي، واعتبارها سبباً من أسباب التغير المناخي والكوارث البيئية.
وتظهر الدراسة تدليلاً على خطورة الوضع، أن انبعاثات النظام الغذائي وحدها سوف تستهلك ما تبقى من موازنة الكربون المتبقية للكرة الأرضية، والمقصود أنه حتى يظل التغير المناخي دون 2 درجة مئوية كارتفاع في درجة الحرارة، لم يتبق للكوكب سوى ما يعادل انبعاثات قدرها 1500 جيجاطن من ثاني أكسيد الكربون حتى نهاية القرن الحالي، وبحسب معدلات الانبعاث الناتجة عن النظام الغذائي حالياً، سوف تنتج انبعاثات الطعام نحو 1356 جيجاطن، ما يعني أن القطاعات الأخرى لا يمكنها أن تتسبب في أي انبعاثات أخرى.
لذلك وضعت الدراسة حلولاً تشمل ضرورة فرض إجراءات تضمن تقليل الانبعاثات من القطاع الغذائي وقطاع الطاقة بشكل أساسي، ما يطرح تساؤلات بشأن مدى الجدية التي قد تتعامل بها الحكومات مع نتائج تلك الرداسة، وخصوصاً مسألة تغيير النظام الغذائي لتقليل الاعتماد على اللحوم واستبدالها بحميات نباتية أكثر، وإن كان خبراء التغذية والصحة العامة ينصحون بذلك بالفعل.