كشف مصدر حكومي لـ"عربي بوست" أن الحكومة المصرية لجأت إلى خيار زيادة سعر الرغيف بعد أن فشلت التجارب السابقة بشأن خلط الذرة بالقمح لتقليل فاتورة الاستيراد؛ لأن التجربة نتج عنها خبز ليس له نفس طعم الخبز الذي اعتاد عليه المصريون.
وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن هناك جهات رسمية ترفض هذا الخيار بشكل نهائي، وربما سيتم اللجوء إليه في مرحلة مقبلة حتى بعد تنفيذ قرار الزيادة التي تم الاتفاق عليها.
وأضاف المصدر نفسه أن قرار خلط الذرة بالقمح للتوفير، ستكون له تأثيرات سلبية مستقبلية مرتبطة بصحة المواطنين، وزيادة معدلات الأنيميا، وتأثيرات اجتماعية بسبب صعوبة توفير القوت اليومي للعديد من الأسر.
وقبل أيام من رفع سعر رغيف الخبز في مصر، أعلن عبد الفتاح السيسي، أن "تكلفة دعم رغيف الخبز قفزت من 30 مليار جنيه إلى 130 ملياراً، وأن خلط الذرة مع القمح يحقق وفراً للدولة قيمته 600 مليون دولار سنوياً.
وقال الرئيس المصري إن خلط الذرة مع القمح لن يغير كثيراً في مواصفات الخبز، أو في طعمه وشكله، خاصة أننا نتحدث عن خلط بنسبة 20% من الذرة لتقليل كميات القمح المستخدمة في إنتاجه، والتي تبلغ نحو 18 مليون طن من القمح تقريباً.
ويوم الأربعاء 29 مايو/أيار 2024، أعلنت الحكومة المصرية عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشاً، اعتباراً من يونيو/حزيران 2024، بنسبة زيادة 300% للحد من الفجوة الكبيرة بين تكلفة إنتاجه وسعر بيعه.
وكان المتحدث باسم الحكومة المصرية، المستشار محمد الحمصاني، مهّد للزيادة في سعر الخبز في تصريحات إعلامية بقوله: "بعض السلع ستشهد رفع الدعم بشكل شبه كامل، بينما بعض السلع الأخرى مثل الخبز ستظل تحتفظ بقدر من الدعم مع ترشيده بطبيعة الحال".
وأكد أنه من المنتظر تحريك سعر رغيف الخبز خلال الفترة المقبلة بصورة بسيطة لا تؤثر على المواطن، ولكنها ستؤدي إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.
زيادة طفيفة وتدريجية
وقال حكومي قال لـ"عربي بوست" إن الحكومة حسمت موقفها بشأن رفع أسعار الخبز المدعم، وإنه أضحى من غير المنطقي بقاء سعره الحالي (5 قروش) في حين أن تكلفته تصل إلى جنيه و25 قرشاً.
وأضاف المتحدث أن الأمر يتطلب التحرك لتقليص الفجوة بما لا يؤثر على أعداد أرغفة الخبز التي يحصل عليها المواطن يومياً، وبما لا يشكل ضغطاً على ميزانية الفقراء المخصصة للغذاء، مشيراً إلى أنه كان هناك خلافات حول قيمة الزيادة المقررة.
وأكد المصدر أن بعض الأجهزة الرسمية طالبت الحكومة بأن تكون زيادة طفيفة وتدريجية بما يواكب قدرات المواطنين الذين يحصلون على الخبز المدعم، وهؤلاء يشكلون الطبقة الفقيرة أو المعدمة في مصر.
وكانت قيمة رغيف الخبز ستصل إلى 10 قروش فقط، بينما كانت وزارة التموين تضغط لزيادة سعر الرغيف إلى 25 قرشاً، وفي النهاية تم حسم الزيادة إلى 20 قرشاً طبقاً للأجهزة التي تقيس اتجاهات الرأي العام بالمجتمع لضمان عدم حدوث اعتراضات على الزيادة من جانب المواطنين.
وأشار المصدر إلى أن خيارات جرى طرحها خلال الفترة الأخيرة لتمرير قرار زيادة أسعار الخبز، بينها زيادة وزن الرغيف ليتجاوز 110 غرامات للرغيف الواحد بدلاً من 90 غراماً للرغيف الحالي.
كما تم طرح مقترح بجانب التوسع في بيع الرغيف بسعر حر للمواطنين العاديين مقابل جنيه واحد، بما يخلق تنافساً مع مخابز العيش السياحية، ولإقناع المواطنين بأن الزيادة المقررة جاءت بنتيجة إيجابية بالنسبة إليهم خاصة أن وزن الرغيف السياحي يصل إلى 80 غراماً ويتم بيعه بجنيه واحد، لكن تم تأجيل المقترح.
وقبل القرار بيومين قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي، إن مصر مضطرة لتحريك أسعار الخبز المدعم، "لكنه سيظل مدعوماً بصورة كبيرة".
مشيراً إلى أن فاتورة الدعم للخبز المصري "كبيرة جداً"، بحسب تعبيره، مؤكداً ضرورة وجود تحرك يتناسب مع الزيادات الكبيرة التي تحدث في السعر الحقيقي لرغيف الخبز.
وأضاف رئيس الوزراء أن مصر تنتج 100 مليار رغيف مدعم سنوياً، يتم بيعها بإجمالي 5 مليارات جنيه، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تعمل على تحفيز العاملين في القطاع الزراعي لزيادة توريد القمح المزروع محلياً، عن طريق زيادة الأسعار التي تدفعها الحكومة مقابل القمح المحلي، وذلك بهدف تقليل فاتورة الإستيراد.
تخفيف الأعباء الملقاة على الدولة
وبرر مصدر آخر قريب من الحكومة تحدث إلى "عربي بوست" الاتجاه نحو خفض قيمة دعم رغيف الخبز بأن مصر أضحت تدعمه بأكثر من 125 مليار جنيه سنوياً، بعد أن كان هذا الرقم قبل ثلاث سنوات فقط 50 مليار جنيه.
وحسب المتحدث فإن الأمر يُشكل ضغطاً على موازنة الدولة، وإن أكثر من 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية يعانون من مشكلات ارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وكان من المفترض رفع سعر رغيف الخبز حينما اتخذت الحكومة قراراً برفع سعر الدولار.
وشدد المصدر على أن الحكومة قدمت مزيداً من الدعم العيني لأصحاب المخابز، لكنها تظل غير كافية كما أنها تشكل ضغطاً على موازنة الحكومة، وهناك حاجة لمصادر دخل جديدة من خلال زيادة سعر الرغيف يمكن من خلالها الحفاظ على قدرة هذه المخابز على الاستمرارية، وبما يخفف في الوقت ذاته من الأعباء الملقاة على الدولة بما يساهم في إنجاح جهود الإصلاح الاقتصادي.
وأشار إلى أن الحكومة بحثت إمكانية الاتجاه لتقديم خيارات أخرى تعوض زيادة أسعار الخبز المدعم بينها زيادة قيمة الدعم النقدي عبر مبادرة تكافل وكرامة، وتنفيذ حزمة إجراءات اجتماعية جديدة للفقراء.
بالإضافة إلى التوسع في تسهيل وصول الخدمات العامة إلى المناطق الشعبية والفقيرة من خلال جذب تمويلات جديدة لمبادرة حياة كريمة، والعمل على تطوير البيئة المحيطة بهم وخلق فرص عمل تساعد على تحسين جودة الحياة لهم.
وتحدث مصدر اقتصادي مصري قريب من الحكومة، أن جهات عديدة قد شاركت في نقاشات حول إمكانية خفض قيمة الدعم الموجه إلى الخبز ومن ثم زيادة أسعاره، وأن قرار الزيادة من جانب الحكومة واجهته اعتراضات عديدة من جانب القوى السياسية والأحزاب وكذلك بعض الدوائر الرسمية.
وأضاف المتحدث أنه على الحكومة أن تتحمل تبعات القرار وحالة الغضب الشعبي جراء اتخاذه؛ لأن رغيف الخبز هو ستر المواطن الأخير، ولا يمكن الاستغناء عنه في ظل ارتفاع أسعار باقي السلع الاستراتيجية وبينها الأرز والمكرونة والبروتينات بوجه عام.
قرار حكومي خالص
وأضاف أن النقاشات الأخيرة التي تضمنت التأكيد على أن مخابز العيش المدعم لا يلجأ إليها سوى أبناء الطبقة الفقيرة، وبالتالي فإن القرار لا يعد ضمن اشتراطات صندوق النقد الذي يطالب بشكل دائم الحكومة بتقديم الرعاية الاجتماعية للفقراء حتى لا تتأثر خططها.
وأشار المتحدث إلى أنه قد يكون هناك دعم من جانب الصندوق تجاه رفع دعم الوقود أو الكهرباء أو بعض السلع الأخرى لكن بالنسبة للخبز يبقى قراراً حكومياً خالصاً.
وكشف عن أن الحكومة سعت لتمرير هذه الخطوة في هذا التوقيت بعد أن تمكنت طيلة السنوات الماضية من التمهيد للرأي العام بعد أن أقدمت على اتخاذ قرارات مماثلة تتعلق بخفض الدعم عن خدمات أخرى مثل المياه والكهرباء والغاز ووسائل النقل دون مواجهة اعتراض؛ وهو ما يجعل الخبز يأتي ضمن قرارات أخرى ولا ينفصل عن رؤية شاملة للحكومة، وهو أمر في غاية الخطورة؛ لأن الفقراء لن يتحملوا كل هذه الإجراءات.
ويوفر برنامج الدعم في مصر سلعاً مثل الخبز والأرز والسكر بأسعار مخفضة لنحو 60 مليون مواطن من أصل السكان الذين يزيد عددهم عن 105 ملايين نسمة، وتشير إحصاءات وزارة التموين المصرية إلى إنتاج 250 مليوناً إلى 270 مليون رغيف يومياً، من خلال 30 ألف مخبز بلدي، منتشرة على مستوى المحافظات المصرية.
الحكومة تحمّل المواطنين فشل سياساتها الاقتصادية
وبحسب رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، فإن طاقة الدولة لن تتحمل الطفرات الكبيرة التي تحدث، فمنذ سنة كان المفترض توريد القمح بـ1100 جنيه للإردب، واليوم أصبح الرقم 2000 جنيه، وهذا ما يرتبط بالقمح الذي تحصل عليه الدولة من السوق المحلية فقط.
وأشار إلى أن فاتورة الدعم للعام المقبل ستصل إلى 636 مليار جنيه، بزيادة 20% عن العام المالى المنتهي فى 30 يونيو/حزيران 2024 حيث مثلت تلك الفاتورة 530 مليار جنيه، وهذا يؤكد أن الدعم يزيد.
ولفت سياسي مصري معارض إلى أن الحكومة تسعى لتحميل المواطنين نتيجة فشل سياساتها الاقتصادية، وأن زيادة فاتورة الدعم ترجع لأن قيمة الجنيه تراجعت بشكل كبير، في حين أنها قامت بتقليص قيمة الدعم العيني الذي تقدمه للمواطنين بشكل كبير.
بالإضافة إلى تنقية بطاقات التموين وحذفت أكثر من 10 ملايين مواطن، وتستفيد من ملايين الدولارات التي يجلبها الفارون من دول الصراعات وترفض تقديم الدعم المقابل للمواطنين الذين يتأثرون سلباً بسبب الضغط على الخدمات العامة.
وشدد على أن الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي تجد صعوبة في الاقتراب من ملف دعم الخبز، وأن قرار الحكومة بزيادة أسعار الخبز يعني أنها اقتربت من الإقالة أو الإبعاد، لأن حجم الغضب على اتخاذ مثل هذا القرار سيكون صعباً وأن هواجس انتفاضة الخبز في العام 1977 ما زالت عالقة في الأذهان.
مشيراً إلى أن المواطنين لا يقتنعون بأن ما تقوم به الحكومة هو إصلاح اقتصادي ولديهم قناعة بأنهم أمام عملية تخريبية للاقتصاد، وبدلاً من معالجة الأخطاء السابقة فإن الإجراءات تسير باتجاه تحميل المواطنين مزيداً من تداعيات تلك الأخطاء.
ويشير المصدر إلى أن رئيس الوزراء صرح بأنه لم يتم تحريك سعر الخبز البلدي المُدعم على مدار أكثر من 30 سنة، لكنه تجاهل حقيقة أن الحكومة قامت بإنقاص وزنه من 150 غراماً إلى 130 غراماً ووصل الآن إلى 90 غراماً فقط.
ولفت إلى أن دعم رغيف الخبز في موازنة العام المالي الحالي
2023/2024 نحو 91.5 مليار جنيه فقط، بحسب البيان المالي للموازنة العامة للدولة 2023/2024، وليس 1230 مليار كما صرح الرئيس المصري ولا 120 مليار جنيه كما قال المسؤولون.
ووقعت أحداث "انتفاضة الخبز" في 18 يناير/كانون الثاني من العام 1977 بعهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث خرجت قطاعات عريضة من الشعب المصري في ذلك الوقت للشوارع والميادين احتجاجاً على رفع أسعار الخبز والسلع الأساسية.
واستمرت المظاهرات التي بدأت من منطقة حلوان زادت وتيرتها لينزل الجيش المصري حينها إلى الشوارع لقمعها، وأعلنت السلطات حالة الطوارئ وحظر التجول في ذلك الحين.
وتقول الحكومة المصرية إن أسعار الخبز المدعم لم تشهد أي زيادة خلال 36 عاماً، وتشير البيانات المتاحة إلى أن أسعار الخبز المدعم ظلت عند نصف قرش حتى منتصف عام 1980، إلى أن تقرر زيادة سعره إلى قرش واحد خلال هذا العام..
وخلال العام 1984 قررت الحكومة رفع سعر الخبز المدعم إلى قرشين واستقر سعره عند هذا المستوى حتى عام 1988 حينما تقرر زيادة سعره إلى 5 قروش.
وفي عام 1952 بدأت الحكومة تطبيق سياسات جديدة حيث تبنت سياسة دعم شاملة وموسعة تشمل تقريباً كل قطاعات الحياة في مصر، وسعت لتقديم دعم مباشر مثل دعم السلع الغذائية، أو ما يعرف في مصر بـ"التموين".
وقدمت الحكومة الدعم غير المباشر للهيئات الحكومية لسد العجز بها، مثل السكك الحديدية وهيئات النقل العام والشركات الحكومية، مثل الكهرباء والماء وغيرها، هذا بالإضافة إلى الدعم الضمني الذي شمل دعم التعليم والصحة والمحروقات والإسكان وغيرها.
فيما بدأ العمل باستخدام البطاقات التموينية لتوفير بعض السلع الرئيسية غير المتوفرة بعد حرب 1967 نتيجة نقص بعض السلع من جراء الحرب، وكانت تلك البطاقات تقوم بتوفير الدقيق والسكر والصابون والكيروسين والأرز وزيت الطعام وبعض المنتجات القماشية.
واستمر الحال كما هو عليه في السبعينات وتمت إضافة بعض السلع التموينية مثل البقوليات وبعض المجمدات مثل الدجاج واللحوم، مع الإبقاء على دعم المواصلات والكهرباء والمحروقات.