قالت صحيفة The Washington Post الأميركية إن الرئيس السيسي يعمل بمنهجية منذ توليه السلطة عام 2013 على إزالة كل العقبات أمام سلطته الشخصية، حتى لو ظهرت بعض المفارقات اللافتة، أو الوقائع غير الدستورية. ويُمثّل توسيع هذا النمط ليمتد إلى وزارة الدفاع وتجاهل الصلاحيات الدستورية تصعيداً مهماً، وإن كان يمثل نمطاً ينسجم مع التاريخ المصري، حسب تعبير الصحيفة.
الحديث عن السياسة المصرية المعاصرة يجب أن يأخذ في الاعتبار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عين وزيراً جديداً للدفاع دون الحصول على موافقة المؤسسة التي جلبته إلى السلطة في 14 يونيو/حزيران 2018. في الوقت نفسه، عيَّن رئيساً جديداً للوزراء دون الحصول أيضاً على الموافقة البرلمانية اللازمة.
المجلس الذي حكم مصر منذ 70 عاماً تغير بعد 2011
قدَّم هذا المجلس العسكري، الذي أنشأه جمال عبدالناصر عام 1954، للقوات المسلحة آلية متقطعة للتأثير على الحكومة.
وقد عاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة للظهور بقوة خلال ثورة يناير ضد حسني مبارك في أوائل عام 2011، ثم تولَّى إدارة شؤون البلاد حتى انتخاب مرسي عام 2012.
شعرت القوات المسلحة المصرية بالخوف على حكمها الذاتي منذ أواخر عام 2011، عندما عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 2012 عدداً من كبار ضباط الجيش، بمن فيهم وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي الذي أشرف على المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير، واستبدلهم بأشخاص آخرين يعتقد أنهم جديرون أكثر بالثقة.
وبعد الإطاحة بمرسي، وتحديداً في فبراير/شباط 2014، أصدر رئيس المحكمة الدستورية العليا الرئيس المؤقت السابق للبلاد المستشار عدلي منصور قانون 20 لعام 2014. حددَّ القانون عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفوَّض إليه قرار الموافقة على اختيار وزراء الدفاع.
وفعَّل القانون أيضاً المادة 234 من دستور 2014، الذي وُضع بعد الإطاحة بمرسي التي تنصّ على أن تعيين وزير الدفاع حتى عام 2020 يتطلب موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وقد أصرَّ المجلس على هذا البند على الرغم من أنَّه تسبَّب في صراعاتٍ سياسية مثيرة للانقسام وأحياناً معارك شوارع بين عامي 2011 و2014.
والسيسي أوقف لعبة الكراسي الموسيقية بين العسكريين
لكن ذهب الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي الآن إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ استبدل السيسي مؤيديه القدامى بأقرب المقربين، ولم يخرج عن زمرته الصغيرة من كبار الجنرالات، حسب وصف الصحيفة.
ويبدو أن هذه لعبة كراسي موسيقية مدروسة بحرص تتناوب فيها مجموعة صغيرة من الضباط ذوي الصلات الوثيقة السيطرة على الدولة.
ولكن توقفت موسيقى اللعبة في 14 يونيو/حزيران 2018، بعد قرار السيسي تغيير وزير الدفاع، وكان اللافت قبول المؤسستين الرئيسيتين القادرتين بموجب الدستور على ضبط صلاحيات الرئيس إقصائهما بخنوع، حسب تعبير الصحيفة.
وحوَّل الدستور المصري المكتوب حديثاً إلى وثيقة ميتة
حسب تعبير الصحيفة التي تساءلت، إذا لم يستطع الجيش ولا الهيئة التشريعية المُنتخبة ممارسة حقوقهما، فما الفرصة المتاحة لدى المصريين الآخرين، سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات؟
وفي حين تمنح المادة 146 من الدستور الرئيس الحق في تعيين رئيس الوزراء، لكن يجب أن يمنح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة.
وأدت الحكومة المصرية الجديدة اليمين الدستورية في 14 يونيو/حزيران 2018. وفي هذه الحكومة تم تعيين رئيس وزراء جديد هو مصطفى مدبولي، كما تم استبدال وزير الدفاع صدقي صبحى الذي كان رئيساً للأركان خلال فترة الإطاحة بمرسي، بالجنرال محمد أحمد زكي الذي كان قائداً للحرس الجمهوري المكلف بحماية الرئيس أثناء فترة مرسي التي انتهت بعزله.
وحتى الآن لم يوافق المجلس علانيةً على تعيين زكي ليس هذا فقط، فالبرلمان لم يصادق بعد على حكومة مدبولي، وفقاً للصحيفة الأميركية، رغم ظهور تقارير إعلامية منسوبة لمصادر تتحدث عن موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تغيير وزير الدفاع.
وتتساءل الصحيفة الأميركية: لماذا لم تُصدِّق هاتان المؤسستان المفترض أنهما مؤيدتان للسيسي على التعيينات؟
أحد الأسباب الرئيسية لهذا التحدي المؤسسي كان قرار السيسي عام 2016 بنقل سيطرة جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر، وهما تيران وصنافير، إلى السيادة السعودية، حسب الصحيفة الأميركية.
وتحظُر المادة 151 من الدستور التنازل عن أراضي الدولة. وساهم شعور القومية المصرية في إشعال معارضةٍ لتلك الخطوة داخل القوات المسلحة والمحاكم والبرلمان.
وضغط على الجنرال شفيق حين فكر بمنصب الرئيس
ركَّز السيسي على منع أي تحدٍّ سياسي لرئاسته، إذ أعلن ترشحه لفترة ولاية رئاسية ثانية في أواخر عام 2017. وكان أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك والجنرال السابق الذي خسر الانتخابات الرئاسية عام 2012، قد أعلن أنَّه ينوي الترشح ضد السيسي في الانتخابات.
لكن اختفى شفيق من دولة الإمارات، حيث كان يعيش في المنفى منذ خسارته السباق الرئاسي عام 2012 أمام مرسي، مما أدى إلى مزاعم بأنَّ شفيق اختُطِفَ أو رُحِّل، إلى أن أعلن وصوله لمصر حيث قيل إنه نقل لجهة مجهولة.
ثم ظهر في برنامج تلفزيوني على قناة مصرية خاصة نافياً اختطافه، من قبل السلطات المصرية، موضحاً أنه يقطن في فندق فاخر بعد أن فوجئ أن السيارة التي أخدته من المطار توجهت إليه، وذلك اتساقاً مع رغبته، حسب قوله.
وكانت أسرة شفيق ومحاميته قالتا في وقت سابق على هذا التصريح إنهما فقدا الاتصال به منذ ترحيله من الإمارات إلى القاهرة ، بعد أيام من إعلان عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة.
لكن في أوائل شهر يناير/كانون الثاني، أعلن شفيق عبر تويتر أنَّه لم يعد يريد الترشح.
واعتقل الجنرال ذا العلاقات الأقوى من شفيق
بعد أيام، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة السابق سامي عنان أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية، لكن أُلقي القبض عليه في 23 يناير/كانون الثاني واحتُجز منذ ذلك الحين.
علاقات عنان بالمؤسسة العسكرية أحدث وأقوى من شفيق، حسب الصحيفة، إذ كان أيضاً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ولكن لم تهدر الحكومة سوى القليل من الوقت أو الجهد في سحق فكرة ترشُّح عنان، إذ أُلقي القبض على عنان لانتهاكه القوانين العسكرية، لأنَّ القوات المسلحة ادَّعت أنه لم يحصل على إذنٍ رسمي للترشُّح لمنصب الرئاسة، كما هو مطلوب بموجب مرسوم صَدر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
كما اعتقل أيضاً 30 عضواً من حملته إضافة إلى بعض أفراد أسرهم. ولم يعرف مكان احتجاز أي منهم، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وكان عنان الذي كان رئيساً للأركان قبل وبعد ثورة يناير قد صرح قبيل اعتقاله بأنه يرغب في إنقاذ مصر مما وصفه بـ"السياسات الخاطئة"، وكان يُنظر إليه على أنه المرشح المفضل لتحدي السيسي في الحملة الانتخابية، حتى أنه جذب الدعم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، حسب الصحيفة البريطانية.
كما اختار عنان الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة كنائب رئيس في حملته، وهو الرجل الذي سبق أن تحدث وهو يتولى المسؤولية بالجهاز المكلف بمراجعة الحسابات الحكومية، عن فساد مستشرٍ بقيمة مليارات الدولارات، وألقي القبض على جنينة بعد ذلك.
وظلَّ عنان محتجزاً منذ ذلك الحين، وأفادت تقارير بأنه نُقل مؤخراً إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى القوات المسلحة، بينما فاز السيسي بنسبة 97٪ من الأصوات في الانتخابات في مواجهة مرشح نظر إليه أنه صوري.
حسناً كل هذه الأفعال تنم عن طريقة حكم السيسي ومدى قوته
إلقاء القبض على جنرالين سابقين، والإطاحة المفاجئة بوزير الدفاع دون موافقة علنية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتشكيل وزارة جديدة دون موافقة برلمانية، كل هذه الأفعال تُتمِّم توطيد واستحكام السيطرة الفردية للسيسي، حسب الصحيفة الأميركية.
لم يُصدِّق البرلمان بعد على الحكومة الجديدة، لكنَّه مرَّر قانوناً في 3 يوليو/تموز في جلسة مغلقة. يسمح القانون للرئيس بمنح مزايا خاصة (وغير محددة) لأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الآن وفي المستقبل.
وأصبح من غير الممكن مساءلة أعضاء المجلس العسكري قضائياً عن الأفعال التي ارتُكِبَت في الفترة بين 3 يوليو/تموز 2013 (تاريخ الانقلاب) و10 يناير/كانون الثاني 2016 (إعادة البرلمان). وعندما يسافر أعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة في الخارج قد يحصلون على حصانةٍ دبلوماسية.
.. وعن أسلوبه في تهديد الجنرالات الحاليين والسابقين
يبين تناوب المسؤولين الأمنيين الرئيسيين، وكذلك الإجراءات القانونية ضد عنان وشفيق، حدود المقاومة العسكرية لسلطة السيسي، حسب The Washington Post.
فلقد أظهرت الحكومة أنَّ لديها العديد من الطرق لتهديد الجنرالات الحاليين والسابقين.
ومن وجهة النظر هذه، فإنَّ الإطاحة بوزير الدفاع، وتشكيل الحكومة الجديدة، والتشريعات التي تحمي بعض الضباط وليس بالضرورة جميعهم، هي مؤشر على الطريقة التي حوَّل السيسي بها نظام الحكم في الدولة من حكم جنرالات إلى حكم جنرال واحد، وفقاً للصحيفة.
في أغسطس/آب 2013، أي بعد أقل من شهرين من الانقلاب الذي أطاح بمرسي، فرَّقت قوات الأمن المصرية بالقوة المتظاهرين الموجودين في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة؛ ما أسفر عن مقتل المئات.
وتقول الصحيفة إنه "من الشائع أن تقوم الأنظمة الاستبدادية بقمع خصومها، لكن من الشائع أن تقمع أصدقاءها أيضاً، وإن كان من الأسهل نسيان ذلك".
___________
اقرأ أيضاً
حقيقة تعيين السيسي مستشاراً "رفض" مصرية تيران وصنافير رئيساً للمحكمة الدستورية العليا
كان قائداً للحرس الجمهوري في عهد مرسي.. من هو الفريق محمد أحمد زكي الذي عيَّنه السيسي وزيراً للدفاع؟