جامعة “الثوار” في أمريكا.. ماذا تعرف عن تاريخ “كولومبيا” من فيتنام إلى فلسطين مروراً بجنوب أفريقيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/24 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/24 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
مظاهرات داعمة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بنيويورك/ رويترز

أول من اتخذت موقفاً مطالباً بمقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولطلابها مواقف منددة بحرب فيتنام. إنها جامعة كولومبيا في نيويورك، فما قصتها؟ وكيف تتصدر مشهد الاحتجاجات المطالبة بوقف الحرب على غزة؟

كانت الحرب الإسرائيلية على غزة قد أشعلت الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، وأبرزها جامعة كولومبيا، التي شهدت، يوم الخميس 18 أبريل/نيسان، اقتحام شرطة نيويورك لحرم الجامعة واعتقال أكثر من 100 من طلابها، بدعوة من رئيسة الجامعة، نعمت مينوش شفيق.

جامعة كولومبيا.. تاريخ ومشاهير

اسمها الرسمي جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك ويرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1745 (قبل 270 عاماً). كان اسمها جامعة الملك، نسبة إلى الملك جورج الثاني، ملك بريطانيا العظمى، وظهرت تلك الجامعة الأهلية الخاصة للنور قبل ثورة الاستقلال الأمريكية.

ظل اسمها جامعة الملك حتى عام 1854 (أي لمدة قرن من الزمان)، حين تغير الاسم إلى جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. وهي مشهورة بتخريج أعداد كبيرة من السياسيين وعلماء الاقتصاد الأمريكيين، كما تخرج فيها عدد كبير من الحائزين على جائزة نوبل، وهو عدد أكبر من خريجي أي جامعة أمريكية أخرى.

جامعة كولومبيا غزة إسرائيل
التخييم في جامعة كولومبيا مطالبة بوقف حرب إسرائيل على غزة/ رويترز

ومن أبرز من درسوا في جامعة كولومبيا، التي أصبحت في صدارة مشهد الاحتجاجات المنددة بإسرائيل وما ترتكبه بحق الفلسطينيين في غزة منذ أكثر من 200 يوم، هناك باراك أوباما وثيودور روزفلت وفرانكلين روزفلت (رؤساء أمريكيون سابقون)، ووارين بوفيت (ملياردير ورجل أعمال بارز)، وقائمة طويلة من السياسيين والاقتصاديين والفنانين وغيرهم.

احتجاجات الجامعات الأمريكية

تشهد الجامعات الأمريكية الشهيرة، مثل هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس وكولومبيا وغيرها، احتجاجات طلابية تندد بالحرب على غزة ودعم إدارة جو بايدن لإسرائيل، وذلك على مدى الأشهر الست الماضية منذ اندلاع الحرب.

الكونغرس، الذي يعتبر غالبية أعضائه أن الاحتجاجات الداعمة لفلسطين والمنددة بإسرائيل "معاداة للسامية"، دخل على الخط وبدأ، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، في عقد جلسات تحقيق مع رؤساء بعض تلك الجامعات، ما أدى إلى استقالة رئيستي هارفارد وبنسلفانيا.

لكن رئيسة جامعة كولومبيا، وهي من أصول مصرية، لم تستقل بعد أن تعرضت للاستجواب في الكونغرس (يوم الأربعاء 17 أبريل/؛؛ نيسان)، بل سمحت لشركة نيويورك بدخول حرم جامعة كولومبيا في اليوم التالي، وهو ما أدى إلى اعتقال 108 من الطلاب وإزالة خيام أقيمت للمطالبة بوقف الحرب على غزة وأن تتوقف الجامعة عن التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال وأن يتوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل.

وربما يتبادر إلى الذهن أن دخول الشرطة إلى حرم جامعة كولومبيا للتصدي للمتظاهرين من طلاب وطالبات جامعة كولومبيا يمثل سابقة، لكن هذا ليس الواقع، فلجامعة كولومبيا تحديداً تاريخ طويل من المظاهرات والاحتجاجات والتعرض للاقتحام من جانب أفراد شرطة نيويورك، حيث يقع مقر الجامعة.

احتجاجات حرب فيتنام

في عام 1968، أي قبل نحو 56 عاماً، شهدت ساحات ومباني جامعة كولومبيا مشهداً قد يبدو متطابقاً مع ما تشهده اليوم. بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد حرب فيتنام والعنصرية المتفشية في المجتمع الأمريكي وقتها، قرر الطلاب تصعيد احتجاجاتهم، في ظل ما اعتبروه تجاهلاً من إدارة الجامعة والإدارة الأمريكية لمطالبهم، فسيطروا على 5 من مباني الجامعة وأقاموا فيها اعتصاماً مستمراً.

اتخذ رئيس الجامعة وقتها، الدكتور غريسون كيرك، قراراً بالسماح لشرطة نيويورك باقتحام حرم الجامعة وفض الاعتصام والتظاهرات، وهو القرار الذي وصف الرجل لاحقاً بأنه "أكثر قرار مؤلم اضطر لاتخاذه طوال حياته"، فماذا حدث؟

كان ذلك ليلة 30 أبريل/نيسان 1968، ورصد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، مشاهد الاقتحام والاعتقالات في صفوف المحتجين، وهي مشاهد أقرب لساحة حرب وليست ساحة حرم جامعي أمريكي، حيث يحظر على أفراد الشرطة أو الأجهزة الأمنية أن يطأوا المكان من الأساس.

أكثر من ألف من أفراد شرطة نيويورك، يساعدهم أفراد شرطة في رداء مدني ويخفون هوياتهم، بدأوا في اقتحام الجامعة وفض التجمعات الطلابية في المباني الخمسة، واحداً تلو الآخر، بطريقة عنيفة وصفت بأنها "وحشية شرطية غير مسبوقة". تعرض صحفيون ومصورون لعنف الشرطة وتحطيم الكاميرات ما نتج عنه إصابات عديدة، منها مراسل لنيويورك تايمز أصيب بجرح عميق في رأسه.

إجمالاً، تعرض أكثر من 148 شخصاً للإصابة، منهم 132 طالباً و4 من أعضاء هيئة التدريس و12 من أفراد الشرطة، وتم اعتقال 720 شخصاً من المعتصمين والمحتجين، وجهت لهم تهم التعدي على ملكية خاصة وارتكاب سلوك مخالف للنظام العام.

نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا

بعد نحو عقدين من الزمان، عادت ساحات ومباني جامعة كولومبيا لتصدر المشهد في قضية أخرى هي الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ففي 5 أبريل/نيسان عام 1985، قام 7 طلاب أعضاء في "الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة" بإغلاق مدخل المبنى الإداري للجامعة "هاميلتون هول Hamilton Hall" – أحد المباني الخمسة التي شهدت أحداث احتجاجات حرب فيتنام، حيث قيدوا أنفسهم بأغلال وسلاسل في مدخل المبنى وعلى الدرج المؤدي إليه.

لم تكن تلك الخطوة المشهد الأول في الاحتجاجات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فساحات الحرم الجامعي في كولومبيا شهدت على مدى أسابيع وأشهر بل وسنوات سابقة مظاهرات شارك فيها آلاف الطلاب بالفعل. لكن هذه الخطوة (في شهر أبريل/نيسان، الذي يبدو مرتبطاً بالتصعيد الطلابي منذ حرب فيتنام وحتى الحرب على غزة) كانت على مسار التصعيد لتحقيق المطلب الأساسي وهو قطع جامعة كولومبيا أي تعاون أو استثمارات مع بريتوريا العنصرية.

استمر هذا التصعيد وازداد حجماً على مدى نحو 3 أسابيع، حتى جاء النصر للحركة والطلاب يوم 25 أبريل/نيسان 1985، حين قررت إدارة جامعة كولومبيا أخيراً الاستماع لمطالب طلابها واتخاذ قرار وقف التعامل مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا بشكل كامل، على الصعيد الأكاديمي والأصعدة الأخرى.

كان "الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة" قد تأسس في عام 1982، ونجح في إقناع "مجلس شيوخ طلاب جامعة كولومبيا" بعدالة المطالب ليقوم المجلس بالتصويت لصالح تلك المطالب والمشاركة بقوة في المظاهرات الهادفة للضغط على إدارة الجامعة، حتى تحققت الأهداف في نهاية المطاف.

مظاهرات تغير المناخ

وشهد عام 2019 حركة احتجاجية ضخمة قادها طلاب جامعة كولومبيا ضد التغير المناخي. ففي مارس/آذار من ذلك العام، شارك طلاب الجامعة في واحدة من أكبر التظاهرات المطالبة بالتعامل الجدي والفوري مع ظاهرة التغير المناخي.

عشرات الآلاف من طلاب الجامعة قرروا مقاطعة فصولهم الدراسية في ذلك اليوم، وطالبوا باقي الجامعات والمدن الأمريكية بالانضمام إليهم، لتشارك 130 مدينة بالفعل، وتشهد شوارع نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية تظاهرات ضخمة، في يوم من الإضراب المدني العام للاحتجاج على تجاهل التغير الحكومي من جانب الإدارة الأمريكية.

ولا شك أن هذا التاريخ الطويل من الاشتباك مع الملفات والقضايا الكبرى من جانب واحدة من أقدم وأكبر الجامعات الأمريكية الأهلية، من حرب فيتنام إلى الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتغير المناخ ومكافحة التحرش الجنسي وغيرها، يجعل ما تشهده أروقة ومباني الجامعة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أمراً بديهياً.

الحرب على غزة تشعل كولومبيا

في هذا السياق، كانت جامعة كولومبيا في طليعة الحركة الطلابية المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وشهد الحرم الجامعي بها مظاهرات واحتجاجات شبه يومية، كما تعرض كثير من السياسيين الأمريكيين الكبار (مثل هيلاري كلينتون) إلى مواقف احتجاجية من جانب الطلاب في مناسبات عديدة.

تحركت إدارة الجامعة بشكل عدواني تجاه هذه الحركات الطلابية الداعمة للفلسطينيين والمنددة بإسرائيل، فعلقت أنشطة البعض منها، واتخذت قرارات بفصل بعض الطلاب، بحسب تقارير صادرة عن منظمات طلابية خلال أبريل/نيسان الجاري.

لكن هذه التحركات من جانب إدارة الجامعة، التي اتخذت أيضاً قراراً بإلغاء بطاقة دخول أحد العاملين بها – مدرس مساعد اسمه شاي دافيداي – على خلفية خطاباته المعادية للطلاب الداعمين لفلسطين ووصفهم بأنهم "إرهابيون"، لم تؤد إلا إلى مزيد من التصعيد من جانب الطلاب والجماعات الداعمة لفلسطين. ثم جاء استدعاء رئيسة الجامعة لشرطة نيويورك ليدخلوا الجامعة ويعتقلوا أكثر من 100 طالب ليصب الوقود على النيران المشتعلة بالفعل.

والإثنين 22 أبريل/نيسان قررت إدارة جامعة كولومبيا في نيويورك إلغاء حضور الفصول الدراسية والتحول إلى التعليم عن بعد حتى نهاية الفصل الدراسي الجاري، بغرض تهدئة التوترات في الحرم الجامعي، وهو القرار الذي نددت به الجماعات الطلابية وعدد من الأساتذة.

انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية

على الرغم من تزايد الغضب في الجامعات الأمريكية، وفي مقدمتها جامعة كولومبيا كما يبدو من تاريخ الجامعة الممتد، إلا أن الإدارة برئاسة جو بايدن والكونغرس يصران على "تجاهل" تلك الحقائق لأسباب انتخابية، حسبما جاء في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي يبرز الانقسام المتزايد داخل أروقة السياسة الأمريكية بشأن الدعم الأمريكي الرسمي لإسرائيل.

فقد وجدت دراسة للناخبين الأمريكيين المحتملين أن 61% يؤيدون الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وكان ذلك بعد أسابيع من الحرب على غزة، حينما كان عدد الضحايا يقرب من 19 ألف شهيد، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضلاً عن الدمار واسع النطاق الذي طال أغلب مناطق القطاع.

لكن رغم هذا الدعم الواسع، فإن 14% فقط من أعضاء مجلس النواب الأمريكي أعلنوا تأييدهم العلني لوقف إطلاق النار؛ إذ تقدم الجماعات المؤيدة لإسرائيل مساهمات كبيرة في الحملات الانتخابية، وتزور أعضاء الكونغرس بشكلٍ متكرر، وتضغط من أجل دعم أنشطة الحكومة الإسرائيلية، كما يقول النقاد الذين تحدثوا إلى الموقع الأمريكي.

ويبرر بايدن ومسؤولو إدارته وأعضاء الكونغرس هذا الموقف الذي يبدو منفصلاً عن الموقف في الشارع والجامعات – ربما للمرة الأولى منذ زرع إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948 – برفع شعارات معاداة السامية واستهداف اليهود.

لكن الطلاب المنددين بحرب إسرائيل على غزة أو المطالبين بحرية وحقوق الفلسطينيين، في جامعة كولومبيا وغيرها، يطالبون بوقف دائم لإطلاق النار في غزة ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، بالإضافة إلى وقف التعاون بين الجامعة وبين تل أبيب.

لا يوجد في هذه المطالب ما يمثل معاداة للسامية أو كراهية اليهود، وفي الوقت نفسه لا تعتبر خرقاً لقواعد حرية التعبير، بحسب قادة الأسر والجمعيات الطلابية في أعرق الجامعات الأمريكية. فرانشيسكا ريشيو أكرمان، طالبة الدكتوراه في جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كانت قد أكدت في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية على بذل جهود خاصة في المؤسسات التعليمية الأمريكية لمواجهة منع حرية التعبير فيما يتعلق بدعم الفلسطينيين أو توجيه الانتقادات لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول: "هناك جهد متعمد لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل تحت اسم خطاب الكراهية من خلال الخلط بينه وبين معاداة السامية".

تحميل المزيد