اعتقال طلاب من حرم جامعة كولومبيا.. كيف تشعل الحرب على غزة جامعات أمريكا وتهدد حرية التعبير؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/19 الساعة 17:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/19 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش
مظاهرات منتقدة لإسرائيل في نيويورك / Shutterstock

دخول شرطة نيويورك إلى حرم جامعة كولومبيا، بطلب من رئيسة الجامعة بعد يوم من "استجوابها" في الكونغرس، والقبض على 108 من الطلاب بسبب موقفهم من الحرب على غزة، يمثل تطوراً له أبعاد متعددة، فما أبرزها؟

خيام واعتصام في جامعة كولومبيا

كان عدد من طلاب جامعة كولومبيا قد قاموا صباح الأربعاء 17 أبريل/نيسان بنصب خيام في حرم الجامعة للاعتصام بداخلها تنديداً بالحرب الإسرائيلية على غزة.

وفي مساء اليوم نفسه كانت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق (من أصول مصرية)، قد مثلت أمام لجنة تحقيق أقامها الجمهوريون في مجلس النواب تحت مزاعم "معاداة السامية في الحرم الجامعي". تعرضت شفيق لانتقادات حادة من النواب الجمهوريين، الذين اتهموها وإدارة الجامعة بعدم "اتخاذ إجراءات حاسمة" لوقف ما وصفوها بالأعمال "المعادية للسامية" من جانب الطلاب المطالبين بوقف الحرب على غزة.

مساء الخميس 18 أبريل/نيسان، اقتحمت شرطة نيويورك حرم جامعة كولومبيا وقامت بإخلاء مخيم أقامه طلاب احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وألقت الشرطة القبض على أكثر من 100 طالب.

هارفارد غزة
مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة / رويترز

إريك آدامز، رئيس بلدية نيويورك، قال إن الشرطة ألقت القبض على أكثر من 108 أشخاص دون عنف أو إصابات، بينما قالت جامعة كولومبيا إنها بدأت وقف الطلاب الذين شاركوا في نصب الخيام، وهو ما يعتبر احتجاجاً غير مصرّح به.

أما رئيسة الجامعة، فقد أصدرت بياناً قالت فيه إنها هي من طلبت من شرطة نيويورك القيام بما أقدمت عليه. وذكرت شفيق في بيانها أنه "من منطلق القلق الشديد على سلامة حرم جامعة كولومبيا، أذنت لإدارة شرطة نيويورك بالبدء في إزالة المخيم…".

وزعمت أن المتظاهرين انتهكوا القواعد والسياسات التي تحظر تنظيم مظاهرات دون ترخيص، كما أنهم لم يكونوا مستعدين للتعامل مع الجهات الإدارية.

الكونغرس ولجنة "معاداة السامية"

كانت لجنة مجلس النواب، التي شكلها الجمهوريون أصحاب الأغلبية، قد وجهت لشفيق اتهامات بالإخفاق فيما وصفوه بأنه "حماية الطلاب اليهود في الحرم الجامعي"، لكن رئيسة الجامعة ردت بالقول إن الجامعة تواجه "أزمة أخلاقية" مع معاداة السامية في الحرم الجامعي، مضيفة أن جامعة كولومبيا اتخذت إجراءات قوية ضد المشتبه بهم.

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس جامعة أمريكية لجلسة التحقيق أمام اللجنة. إذ تعرض رؤساء 3 جامعات أخرى، هي هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى الأمر نفسه خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولنفس الأسباب. 

إذ كانت لجنة التعليم والقوى العاملة بالكونغرس قد استدعت يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي كلاً من رئيسة جامعة بنسلفانيا إليزابيث ماغيل، ورئيسة جامعة هارفارد كلوديا غاي، ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) سالي كورنبلوث إلى جلسة "محاسبة رؤساء الجامعات ومكافحة معاداة السامية".

الكونغرس
الكونغرس الأمريكي / رويترز

وفي أعقاب تلك الجلسة، تقدمت ماغيل باستقالتها وتبعتها أيضاً كلوديا غاي. لكن شفيق، رئيسة جامعة كولومبيا، استدعت الشرطة لفض الخيام واعتقال الطلاب، في وقت تتصاعد حدة الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين في الجامعات والمدارس الأمريكية، وفي المجتمع الأمريكي الأوسع.

لكن الكونغرس يصر على "تجاهل" تلك الحقائق لأسباب انتخابية، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي يبرز الانقسام المتزايد داخل أروقة السياسة الأمريكية بشأن الدعم الأمريكي الرسمي لإسرائيل. فقد وجدت دراسة للناخبين الأمريكيين المحتملين أن 61% يؤيدون الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وكان ذلك بعد أسابيع من الحرب على غزة، حينما كان عدد الضحايا يقرب من 19 ألف شهيد، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضلاً عن الدمار واسع النطاق الذي طال أغلب مناطق القطاع.

لكن رغم هذا الدعم الواسع، فإن 14% فقط من أعضاء مجلس النواب الأمريكي أعلنوا تأييدهم العلني لوقف إطلاق النار؛ إذ تقدم الجماعات المؤيدة لإسرائيل مساهمات كبيرة في الحملات الانتخابية، وتزور أعضاء الكونغرس بشكلٍ متكرر، وتضغط من أجل دعم أنشطة الحكومة الإسرائيلية، كما يقول النقاد الذين تحدثوا إلى الموقع الأمريكي.

القبض على ابنة نائبة مؤيدة لفلسطين

في السياق ذاته، تعرضت نجلة النائبة الديمقراطية إلهان عمر إلى القبض عليها من جانب شرطة نيويورك، حيث تدرس في جامعة كولومبيا. إذ اعتقلت الشرطة ابنة إلهان عمر، يوم الخميس 18 أبريل/نيسان، خلال الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في جامعة كولومبيا، حسب ما قالت مصادر بالشرطة لشبكة Foxnews الأمريكية. كانت إسراء هيرسي، ابنة النائبة الديمقراطية التي تمثل ولاية مينيسوتا، محتجزة لدى قسم شرطة نيويورك وتم تقييدها بالكلبشات، وتواجه اتهامات بالتعدي على ممتلكات الغير، وفقاً للمصادر.

وقالت شرطة نيويورك إن إسراء كانت من بين أكثر من 100 طالب صدرت بحقهم أوامر استدعاء بتهمة التعدي على ممتلكات الغير. وأُخلي سبيل هيرسي من مقر شرطة نيويورك بعد ساعات من اعتقالها.

وفي وقت سابق من يوم الخميس، قالت هيرسي عبر حسابها على منصة إكس: "لقد تم حرماني من الدراسة في كلية بارنارد، القريبة من كولومبيا، بسبب تضامني مع الفلسطينيين الذين يواجهون الإبادة الجماعية".

"المرابطون في مخيم التضامن مع غزة لن يتم ترهيبهم. سنقف صامدين حتى تُلبى مطالبنا. وتشمل مطالبنا سحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية، وشفافية استثمارات جامعة كولومبيا، والعفو الشامل عن جميع الطلاب الذين يواجهون القمع"، بحسب بيان هيرسي.

انتقام سياسي!!

في اليوم السابق لاعتقال هيرسي، كانت والدتها إلهان عُمر قد استجوبت مسؤولي جامعة كولومبيا خلال جلسة استماع بالكونغرس، حيث دقت النائبة الديمقراطية ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ"هجوم" بمادة كيميائية سامة على مظاهرة مناهضة لإسرائيل في جامعة كولومبيا.

إلهان عمر ملجس النواب الأمريكي
عضوة مجلس النواب الأمريكي إلهان عمر/رويترز

النائب جمال بومان، ديمقراطي من ولاية نيويورك، أشار إلى أن حرمان هيرسي من الدراسة كان انتقاماً من أسئلة والدتها في الكونغرس. وكتب بومان في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "في اليوم التالي مباشرة لأسئلة النائبة إلهان عمر حول التزام قيادة جامعة كولومبيا بحرية التعبير الأكاديمي، منعت الجامعة ابنتها من الدراسة. من الواضح ما يحدث هنا، لا ينبغي لمؤسساتنا التعليمية أن تنخرط في أعمال الانتقام السياسي".

ما مطالب طلاب جامعة كولومبيا؟

الطلاب المناهضون لإسرائيل في جامعة كولومبيا كانوا قد أقاموا مخيماً في الحديقة الرئيسية في حرم الجامعة؛ احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبين بوقف دائم لإطلاق النار في غزة ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، بالإضافة إلى سحب استثمارات الجامعة من الشركات التي تتربح من الاجتياح الإسرائيلي.

لا تبدو هذه المطالب شاذة أو غريبة، وفي الوقت نفسه لا تعتبر خرقاً لقواعد حرية التعبير، بحسب قادة الأسر والجمعيات الطلابية في أعرق الجامعات الأمريكية. فرانشيسكا ريشيو أكرمان، طالبة الدكتوراه في جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كانت قد أكدت في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية على بذل جهود خاصة في المؤسسات التعليمية الأمريكية لمواجهة منع حرية التعبير فيما يتعلق بدعم الفلسطينيين أو توجيه الانتقادات لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول: "هناك جهد متعمد لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل تحت اسم خطاب الكراهية من خلال الخلط بينه وبين معاداة السامية".

كما استعرضت سوزانا تشين، طالبة الدراسات العليا في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في معهد ماساتشوستس، للأناضول، عدداً من الأعمال التي قامت بها مع زملائها في الحرم الجامعي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وذكرت تشين أنها عضو في مجلس إدارة مجموعة "ائتلاف فلسطين" في المعهد، التي تشكلت في نوفمبر/تشرين الثاني بمشاركة أكثر من 12 منظمة طلابية. وقالت إنها عملت إلى جانب زملائها على إقامة العديد من الأنشطة التي من شأنها شد الانتباه داخل الحرم الجامعي لما تعيشه غزة تحت وطأة الهجمات الإسرائيلية.

وأوضحت أن إدارة معهد ماساتشوستس أدلت بتصريحات مؤيدة بالكامل لإسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن الإدارة اضطرت، بحسب تشين، إلى تغيير بوصلتها بعد الإجراءات المستمرة لـ"ائتلاف فلسطين" ورضخت لمطالب غالبية الطلاب.

انتقاد إسرائيل خط أحمر!

لكن مراقبين ونشطاء حقوقيين يرون أن سعي نواب الكونغرس إلى فرض عقوبات على الشعارات المشروعة التي يرفعها طلاب الجامعات الأمريكية مثل "فلسطين حرة" و"أوقفوا الحرب على غزة"، وغيرها من الشعارات الهادفة إلى انتقاد الاحتلال والحلم بالتحرر منه، يظهر أن أعضاء الكونغرس أقل اهتماماً بشأن الحقوق منها حرية التعبير أو حتى سلامة الطلاب في الحرم الجامعي، لكنهم يركزون أكثر على السياسات الحزبية.

أليكس موراي، مديرة منظمة حقوق الحرم الجامعي في مؤسسة التعبير وحقوق الأفراد ومقرها فلادلفيا، يرى فيما يحدث الآن تشابهات لا يمكن إنكارها مع حقبة المكارثية وحرب فيتنام (نسبة إلى السياسي الأمريكي جوزيف آر. مكارثي الذي شن حملة اضطهاد ومحاكمات بحق من يعبرون عن انتقاد حرب فيتنام، وكانت التهمة الموجهة لهم الانتماء إلى الفكر الشيوعي السوفييتي).

هناك خطر أن ينسى الكونغرس "قانون البلاد"، حسب ما قالت أليكس لموقع الجزيرة، وأن يقوم بتحقيقات ومحاكمات دون اتباع "الإجراءات القانونية السليمة"، مضيفة أن "مجرد التهديد بفرض عقوبات سيؤثر على حرية التعبير".

حرية التعبير في جامعات أمريكا

كانت حرب إسرائيل على غزة قد أثارت جدلاً بشأن حرية التعبير داخل الجامعات الأمريكية، في ظل ما تشهده الجامعات والمدارس من انقسام غير مسبوق بين الداعمين لفلسطين ومؤيدي الاحتلال.

ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وأهلها ودخوله الشهر السابع، اتسعت رقعة المظاهرات المنددة بالعدوان والداعمة للفلسطينيين بصورة غير مسبوقة في أروقة الجامعات والمدارس الأمريكية.

لكن الطلاب الداعمين لفلسطين يقولون إن "حرية التعبير" لم تعد مضمونة في الجامعات الأمريكية، مشيرين إلى أن الحركات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين في عدد من أرقى الجامعات الأمريكية أزعجت الأوساط الراغبة في ترسيخ الوضع الداعم لإسرائيل.

أكرمان، طالبة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس، تقول: "إن كان من ينتقد إسرائيل أسود اللون يتعرض لإساءات عنصرية، وإن كان يهودياً يتعرض لمضايقات تندرج ضمن معاداة السامية، وإن كان مسلماً يتعرض لمضايقات ضمن اعتداءات الإسلاموفوبيا".

إسرائيل دون الدعم الغربي
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو / الأناضول

وذكرت ريشيو أكرمان أن "هذه المضايقات تمت بشكل منهجي ومتعمد تحت اسم (مكافحة معاداة السامية)، وأن كل من ينتقد إسرائيل تتم ملاحقته".

وعن حجم المضايقات، قالت أكرمان للأناضول: "أنا أمريكية ولدت وترعرعت هنا، وعندما أنتقد بلدي، أتعرض لضغوط ومضايقات أقل مما أتعرض له عندما أنتقد إسرائيل، أعتقد أنه من الصادم حقاً أن أعيش في الولايات المتحدة وأختبر ذلك لأن إسرائيل دولة أجنبية، وليست بلدي". ورأت أن هناك استثناءً لقاعدة "حرية التعبير" فيما يتعلق بإسرائيل، واعتبرت جلسة "معاداة السامية" في الكونغرس "ازدواجية للمعايير".

تصاعد الاحتجاجات ضد إسرائيل

لكن في الوقت نفسه، لا يبدو أن الانتقادات لإسرائيل ولإدارة بايدن الداعمة لها في الحرب على غزة تشهد تراجعاً، بل إن العكس هو الصحيح. فقد صعد الرافضون لاستمرار الحرب، يوم الإثنين 15 أبريل/نيسان من أنشطتهم الاحتجاجية، وهو ما تسبب في إغلاق الطرق مؤقتاً وخلق كابوساً مرورياً على جسر البوابة الذهبية وعلى الطريق السريع (880) في أوكلاند.

وحذرت دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا من أن الأساليب التي استخدمها المتظاهرون المناهضين لإسرائيل "لن يتم التسامح معها"، بحسب تقرير لشبكة Foxnews اليمينية الداعمة لإسرائيل. كشفت السلطات عن اعتقال 38 شخصاً في أعقاب الحادث الذي رفع فيه المتظاهرون لافتة كتب عليها "أوقفوا العالم من أجل غزة"، وربطوا أنفسهم ببراميل سعة 55 غالوناً مليئة بالخرسانة.

وأوضح مسؤولون أن المتظاهرين يواجهون العديد من الاتهامات، من بينها التجمهر غير القانوني ومقاومة وإعاقة الشرطة. وقالت دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا في بيان: "محاولة إغلاق طريق سريع أو سده بالولاية خلال احتجاج، هو أمر غير قانوني وخطير ويمنع السائقين من الوصول إلى وجهاتهم بأمان".

حركة "إيه فيفتين أكشن – A15 Action" المرتبطة بالمظاهرة وفعاليات مماثلة في الولايات المتحدة، من جانبها، قالت في بيان على منصة إكس: "نفذ المتظاهرون احتجاجات في أكثر من 50 مدينة حول العالم، واستهدفوا الاقتصاد العالمي لتواطئه في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني".

وقام بعض المتظاهرين بإغلاق الطريق المتجه شمالاً في أمباركاديرو خلال الاحتجاج، حيث اضطر الضباط إلى التعامل مع براميل سعة 55 غالوناً مليئة بالأسمنت وسلاسل شديدة التحمل تربط المتظاهرين بتلك البراميل. وأوضحت دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا أن ذلك "تطلب آلات ثقب الصخور لإزالة هذه الأشياء قبل القبض على المتظاهرين".

تحميل المزيد