في عام 2014 وقبل سنوات من عملية طوفان الأقصى ووقوع العشرات من الأسرى بيد المقاومة الفلسطينية، نصب مقاتلو حماس كميناً لوحدة إسرائيلية، مما أسفر عن مقتل جنديين واختطاف جندي ثالث، فما كان من قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ "بروتوكول هانيبال"، أحد أكثر الأوامر المثيرة للجدل في تاريخ الجيوش.
قصف مدفعي وغارات جوية على قطاع مكتظ بالسكان في مدينة رفح، وهو المكان الذي تم أسر الجندي فيه، وعندما انتهى الأمر، قُتل 120 فلسطينياً، بالإضافة إلى الجندي الأسير، بحسب صحيفة The New York Times، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يتم فيها تطبيق هذا البروتوكول الذي بقي سراً 17 عاماً.
فما هي تفاصيل هذا البروتوكول وكيف يتم تطبيقه ومتى تم تطبيقه؟
بروتوكول هانيبال منع وقوع الجنود في الأسر حتى لو يعني ذلك قتلهم
بحسب صحيفة هارتس: "تمت صياغة بروتوكول هانيبال في الأصل في منتصف عام 1986 من قبل يوسي بيليد، الذي كان قد بدأ للتو فترة عمله التي استمرت 5 سنوات كرئيس للقيادة الشمالية "لجيش الدفاع الإسرائيلي".
بعد أشهر فقط من أسر حزب الله جنديين من جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان. وأوضح بيليد الإجراءات التي يجب اتباعها في الدقائق والساعات الأولى بعد الاختطاف المحتمل عندما يعتقد القادة في الميدان أن جندياً قد اختطف.
البروتوكول الذي تمت صياغته بالتعاون مع ضابط عمليات القيادة الشمالية العقيد غابي أشكنازي (الذي أصبح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي) وضابط المخابرات العقيد يعقوب أميدرور (مستشار الأمن القومي لاحقاً) ذكر أنه "في حالة الأسر، تصبح المهمة الرئيسية هي إنقاذ جنودنا" من الخاطفين، حتى لو كان ذلك على حساب إصابة أو إصابة جنودنا".
وعلى مر السنين، كان التوجيه مفتوحاً لتفسيرات مختلفة: التفسير المحدود شمل فقط إطلاق النار على إطارات المركبة، في حين أن النسخة الموسعة يمكن أن تشمل حتى طائرات هليكوبتر هجومية.
لمدة 17 عاماً، ظل أمر هانيبال، أحد أكثر الأوامر إثارة للجدل في التاريخ العسكري الإسرائيلي، سراً – على الرغم من أنه كان معروفاً على نطاق واسع ومناقشته بشدة بين عدة آلاف من الجنود النظاميين والاحتياط. ولم يقبلها الجميع. ورفض بعض قادة الكتائب تمرير التوجيهات إلى قواتهم. طلب جنود وضباط آخرون التوجيه من المعلمين والحاخامات، بل أبلغوا قادتهم أنهم سيرفضون تنفيذ مثل هذا الأمر مما يعرض حياة أصدقائهم للخطر. لكن توجيه هانيبال بقي في إصدارات مختلفة. في عام 2003، في أعقاب رسالة أرسلها طبيب إلى صحيفة هآرتس، والتي كتب فيها أنه سمع عن التوجيه أثناء خدمته الاحتياطية، سمحت الرقابة العسكرية الاسرائيلية بالخروج إلى النور.
ويبرر بعض المسؤولين العسكريين الاسرائيليين الذين وضعوا مثل هذا البروتوكول أن وقوع جندي اسرائيلي في الأسر قد يؤدي لصفقات تبادل "غير متوازنة" وهو ما حدث فعلاً أكثر من مرة كان أبرزها صفقة تحرير 1027 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال الاسرائيلي مقابل إطلاق المقاومة لسراح العريف جلعاد شاليط.
أبرز المرات التي تم فيها تطبيق بروتوكول هانيبال
1- تم استخدام بروتوكول هانيبال في 1 أغسطس/آب 2014، عندما يُعتقد أن الملازم هدار غولدين قد تم احتجازه كرهينة في رفح، جنوب قطاع غزة.
بعد توغل مجموعة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، عام 2014 شرق رفح، تصدى لها مجموعة من مقاتلي القسام، التي تواجدت في نفس المكان. وتمكنوا من قتل عدد من الجنود الإسرائيليين وأسر الضابط هدار جولدن.
وبعد سنوات عرضت كتائب القسام صورة لأربعة جنودٍ إسرائيليين أسرى لديها، كان من بينهم الضابط هدار جولدن، وقال الناطق العسكري باسمها: "لن يتم الحصول على أيّة معلومات عن مصير الجنود، إلّا عبر دفع استحقاقاتٍ وأثمانٍ واضحة، قبل المفاوضات، وبعدها".
وبعد تنفيذ بروتوكول هانيبال اقتحمت الدبابات الإسرائيلية الأحياء المأهولة. وهدمت الجرافات المنازل. وفتحت بطاريات المدفعية والدبابات والطائرات النار على ما كان يُعتقد أنه منطقة الاختطاف واستهدفت جميع المركبات التي تغادر المنطقة.
وبحسب التقارير الفلسطينية، وصل عدد القتلى إلى 150 شخصاً، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي قدّر العدد بما يقرب من 40 شخصاً. وكان وراء واحدة من أسوأ الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين.
قصفت الطائرات رفح 40 مرة، وأسقطت قنابل ضخمة على أحيائها المدنية، وأطلقت المدفعية الثقيلة أكثر من 1000 قذيفة على المنطقة. كما غزت الدبابات، وأطلقت النار في كل الاتجاهات، وتحركت الجرافات الثقيلة لتسوية عشرات المنازل بالأرض على رؤوس الأشخاص الذين ما زالوا بداخلها.
وتم إطلاق النار على الفلسطينيين الذين تمكنوا من القفز في السيارات هرباً من الجحيم، كما هوجمت السيارات التي كانت تقل مدنيين جرحى كانوا يحاولون الاقتراب من مستشفى رفح. واستمر الهجوم ثلاث ساعات وأدى إلى مقتل أكثر من 150 فلسطينياً. كما أصيب مئات آخرون، بعد أن دفنتهم تحت الأنقاض.
2- دخل بروتوكول هانيبال المثير للجدل حيز التنفيذ لمدة نصف ساعة خلال شهر مارس في عام 2016، بعد أن اقتحم جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم قلنديا اللاجئين، ما أدى إلى اشتباكات مع عناصر من المقاومة الفلسطينية. وصدر الأمر بتنفيذ بروتوكول هانيبال بعد أن أُجبر جنديان من الجيش الإسرائيلي على ترك مركبتهما بعد تعرضهما لهجوم عندما دخلا المخيم، وقال الجيش الإسرائيلي حينها إنه استخدم هذا الإجراء بعد أن أدرك أن جندياً واحداً في عداد المفقودين، وقال الجيش: "بعد تحديد مكان أحد الجنديين و(وسط) إدراك أن آخر مفقود وربما مختطف، تم الإعلان عن الإجراء ميدانياً من أجل رفع الوعي بالوضع وتخصيص الموارد العسكرية اللازمة لتحديد مكان الجندي".
وظل الأمر ساري المفعول لمدة نصف ساعة تقريباً، حتى وصل الجندي الثاني إلى مستوطنة كوخاف يعقوب القريبة وأجرى اتصالات مع الجيش.
وقال الجيش الإسرائيلي: "تم إلغاء حالة الطوارئ بعد 30 دقيقة بمجرد العثور على الجندي الثاني".
3- أثناء عملية طوفان الأقصى في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 قال المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، دورون كادوش، إن سلاح الجو شن هجوماً غير عادي واستثنائياً استهدف إحدى نقاطه العسكرية وهو موقع "إيريز" شمال قطاع غزة، بعد ورود اشتباكات دامية شهدها الموقع بين مقاتلي القسام وجنود الجيش الإسرائيلي في منطقة "إيريز" العسكرية.
يمثل هذا الحدث استثناء في قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لأحد مواقعه العسكرية، التي يتحصن بها جنوده، ومن ثم تبقى فرضية سقوط جنود من الجيش من بين القتلى واردة في هذا القصف الذي تم بسلاح الجو وبطائرات F-16؛ خشية سيناريو تعرض جنوده للأسر ومن ثم زيادة غلة المقاومة من الأسرى العسكريين.