هل حصل وكنت في اجتماع عمل هام، وطرح أحدهم فكرة تعتقد أنها سخيفة، أو قد يكون لها عواقب سيئة على الشركة، لكنك فضلت الصمت وعدم إبداء رأيك عندما وجدت أن تلك الفكرة قد لاقت ترحيب بقية زملائك؟ إذا كانت إجابتك: نعم، فقد كنت في هذا الموقف ضحية لما يسمى "التفكير الجماعي".
تعالوا نعرفكم أكثر على أسباب وعواقب هذه الظاهرة:
ما هو التفكير الجماعي؟
عندما يسعى الأفراد إلى تنحية معتقداتهم الشخصية جانباً، وتبني آراء المجموعة بالرغم من أنهم يعلمون أن تلك الآراء من الممكن أن تؤدي إلى نتائج قد تكون كارثية، يسمى أسلوب تفكيرهم "التفكير الجماعي".
التفكير الجماعي، ظاهرة نفسية تم رصدها للمرة الأولى من قِبَل عالم النفس الاجتماعي إيرفينغ ل. جانيس عام 1971، وفقاً لما ورد في موقع Psychology Today.
وعندما يقع الأفراد تحت سحر التفكير الجماعي فإنهم يفضلون عدم التعبير عن شكوكهم ومخاوفهم وآرائهم، وعدم مخالفة الرأي السائد في المجموعة حتى لو كان رأياً بعيداً عن الحكمة والمنطق، وتعتبر تلك ظاهرة إشكالية تمنع الأفراد من التعبير عن أنفسهم بحرية بسبب الضغوط التي تمارسها عليهم الجماعة.
أمثلة عن التفكير الجماعي
جوهر التفكير الجماعي هو أن المجموعات تخلق ضغطاً نفسياً على الأفراد للمصادقة على آراء القادة وأصحاب السلطة في المجموعة.
ومن الأمثلة الشهيرة على التفكير الجماعي قرار الولايات المتحدة بالمشاركة في غزو كوبا عام 1961، فالبرغم من المعطيات التي تشير إلى عدم جدوى تلك المشاركة فإن الأفراد المناصرين لعدم التدخل في هذه المعركة فضلوا البقاء صامتين ودعموا قرار الأغلبية المؤيد للغزو.
ومن الأمثلة الأكثر بساطة، تعتبر المشاركة في التنمر على الآخرين نوعاً من أنواع التفكير الجماعي، فإذا كنت ضمن مجموعة أصدقاء جميعهم متنمرون، قد تصبح متنمراً مثلهم على الرغم من أنك لا تحبذ ذلك، ولكنك تقوم به فقط لإثبات ولائك وانتمائك للمجموعة.
علامات التفكير الجماعي
قد لا يكون من السهل دائماً تمييز ظاهرة التفكير الجماعي، لكن هناك بعض العلامات الدالة عليه والتي صنفها موقع Very Well Mind كما يلي:
وهم الإجماع: الإجماع على فكرة ما يوحي إلى الاعتقاد بأن الجميع متفقون ويفكرون بنفس الطريقة، وغالباً ما يكون الحديث علانية عن فكرة معارضةٍ أمراً صعباً بعض الشيء عندما يبدو الجميع متفقين.
تجاهل المشاكل الأخلاقية وعدم النظر في العواقب إحدى أبرز علامات التفكير الجماعي الذي يطرح معتقدات لا مجال للجدال فيها أو طرح أي نوع من أنواع العقبات التي تحولُ دون تنفيذها.
تبرير القرار الجماعي يمنع الأفراد من إعادة النظر في معتقداتهم ويجعلهم يتجاهلون العلامات التحذيرية.
تقود القوالب النمطية التي تنتهجها المجموعات عادة إلى تجاهل أو حتى شيطنة الأفراد المعارضين، مما يخفف من حدة المعارضة عادة ويدفع الجميع إلى انتهاج التفكير الجماعي.
يفترض الأفراد أن الجماعة أكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح، لذلك يتجاهلون شكوكهم ومخاوفهم من هذا القرار.
يتوهم الأفراد أن آراءهم ليست ذات أهمية وأنهم لا يستطيعون إحداث التغيير بأنفسهم.
غالباً ما يُنظر إلى أولئك الذين يشككون في آراء المجموعة على أنهم خائنون وتمارس عليهم أشكال مختلفة من الضغوطات ليصادقوا على الرأي السائد.
أسباب التفكير الجماعي
يمكن لعدد من العوامل أن تؤثر على هذه الظاهرة النفسية، بعض الأسباب:
هوية المجموعة: عندما يكون أفراد المجموعة متشابهين للغاية ويمتلكون هوية جماعية واضحة وقوية، يميل أفراد المجموعة إلى انتهاج التفكير الجماعي بسبب اعتقادهم أن جماعتهم لا بد أن تكون على حق حتى لو راودتهم الشكوك حول ذلك، كذلك فإن أفراد المجموعة غالباً ما يشعرون بالرفض أو الازدراء حيال أولئك الذين لا ينتمون إليهم مما يعزز ظاهرة التفكير الجماعي ضمن أفراد المجموعة.
الشعور بالانتماء: يوجد توجه غريزي لدى البشر للشعور بالانتماء إلى المجموعة، لذلك قد يميلون إلى موافقة الجماعة حتى لو كانت على خطأ لتعزيز شعورهم بالانتماء وكي ينالوا القبول من مجموعتهم.
تأثير القائد: من المرجح أيضاً أن يحدث التفكير الجماعي عندما يتولى قائد قوي وجذاب قيادة المجموعة، في هذه الحالة لن يخاطر أحد الأفراد بمخالفته وسيستسلم الجميع للتفكير الجماعي.
انخفاض المعرفة: عندما يفتقر الأشخاص إلى المعرفة بشيء ما أو يشعرون أن أعضاء آخرين في المجموعة يمتلكون معرفة أو خبرة أكبر، فمن المرجح أن ينخرطوا في التفكير الجماعي.
الإجهاد: يميل الأفراد إلى عدم إبداء المعارضة في المواقف التي يتم فيها وضع المجموعة تحت ضغط شديد.
كيفية تجنب التفكير الجماعي
قد يكون التفكير الجماعي مدمراً في بيئات العمل، إذ يساهم في قتل الإبداع وتعريض المؤسسة لخسائر كان من الممكن تجنبها وعدم الاستعداد الكامل لمواجهة النتائج السلبية التي لا يتم توقعها في حالة "التفكير الجماعي"؛ إذ يعتقد جميع الأفراد أن المجموعة على صواب.
لذلك يعتبر التركيز على المعلومات والخيارات الأخرى المتاحة عنصراً أساسياً لتجنب التفكير الجماعي، وفقاً لما ورد في موقع The Conversation.
بعد تحديد أهدافها، يجب على المجموعة أن تطلب من أفرادها أخذ الوقت الكافي في جمع المعلومات وتشكيل معرفة شاملة حول القرار الذي سيتم اتخاذه، بعد ذلك يجب تشجيع الأفراد على طرح أفكارهم بغض النظر إذا كانت متوافقة مع الجو العام أم لا.
ويمكن للقادة والمديرين أن يلعبوا دوراً حاسماً في تجنب التفكير الجماعي، فهم من يوجه عملية صنع القرار، لذلك عليهم تجنب إظهار تفضيلاتهم الخاصة وعدم الدفاع عن توجه معين إلى حين انتهاء النقاش بين أفراد المجموعة.