يضحك الإنسان في المتوسط حوالي 17 مرة خلال اليوم الواحد. ولا يوجد أفضل من لحظة لطيفة من الضحك لإنعاش المزاج والشعور بالخفّة. لكن عند التفكير في الأمر، نجد أن هناك أثراً أكبر من مجرد إمضاء بعض الوقت الطيب؛ إذ تتفاعل أجسادنا بشكل كبير مع "حالة الضحك" مثيرة في الجسم ما يتجاوز مجرد القهقهة على مُزحة طريفة.
ولأن الضحك من الموضوعات المثيرة لاهتمام الباحثين، أثبتت دراسات عديدة أن جسم الإنسان يمر بالفعل ببعض التغيرات الواضحة خلال الضحك؛ تبدأ من انخفاض ضغط الدم بشكل ملموس وحدوث تغيرات في كيمياء الدماغ، وتصل إلى خسارة بعض السعرات الحرارية.
خسارة السعرات الحرارية!
بالطبع لن يجعلك الضحك تحصل على عضلات جديدة في جسمك، لكنه يستهلك طاقة كافية من الجسم كفيلة بإحداث تأثير بسيط في عدد السعرات الحرارية التي يحرقها خلال اليوم.
وكشفت إحدى الدراسات من جامعة فاندربيلت وفقاً لـBBC، أن الضحك لمدة 15 دقيقة فقط في اليوم يمكن أن يحرق ما يصل إلى 40 سعرة حرارية. إذ استهلك الجسم عند نوبات الضحك أثناء مشاهدة فيلم مضحك ما يصل إلى 20% من الطاقة أكثر من الشعور بالراحة والجلوس في هدوء.
وفي حين أنه لا يضاهي التمارين الرياضية والأنظمة الغذائية الصحية، إلا أن الضحك الجيد له تأثير واسع على الجسم والعضلات، وهو يتسبب في تقلص 15 عضلة في الوجه وحده، علاوة على عضلات الجسم المختلفة مثل البطن والساقين.
استرخاء الجسم لـ45 دقيقة
وبحسب دراسة فاندربيلت، يكمُن تأثير الضحك الأكثر وضوحاً في حركة الوجنتين، المسؤولة عن تكوين الابتسامة. لكنه كذلك يدفعنا إلى استخدام عضلات الذراعين والساقين والجذع.
وتضاهي مشاعر الاسترخاء بعد نوبة من الضحك الشعور المريح بعد إنهاء تمرين رياضي جيد. إذ يتحرر أي توتر في العضلات ويتم إطلاق الإندورفين، وهي المادة الكيميائية التي يفرزها العقل لتزيد من مشاعرنا بالاطمئنان والرضا وتُقلل الشعور بالتوتر.
ويخفف الضحك من التوتر الجسدي والإجهاد، ما يساعد العضلات على الاسترخاء بعده لحوالي 45 دقيقة تقريباً.
أما عن الإرهاق الجسدي من الضحك (مثل ألم عضلات بطنك)، فإن ذلك يؤدي إلى نفس نتائج التمرينات الطبيعية العالية من تقوية العضلات وخسارة للسعرات في تلك المنطقة. ومع ذلك؛ فإنه يتسبب أيضاً في أن تصبح بعض العضلات أقل ثباتاً، ما يفسر سبب شعورنا بالدوار وعدم القدرة على الوقوف بانتصاب عند الضحك الشديد، وفقاً لبحث بمجلة NCBI العلمية.
تحفيز الدماغ
يمكن للضحك أن يرسل موجة من الكهرباء التي تجتاح القشرة الدماغية بأكملها، وليس نصفاً واحداً من المخ كما يحدث في العمليات العقلية المعتادة. وبينما يقوم جانب واحد من الدماغ بمعالجة لغة النكتة، فإن البقية مشغولة بفهم عبثية السياق. الأمر الذي قد يعزز معدلات الذكاء وسرعة البديهة.
ووجدت دراسة لمجلة FASEB العلمية، أن حتى تخيُّل المواقف المضحكة يمكنه أن يساعد على استحضار "حالات المزاج النفسي الإيجابية" ويقلل من التوتر بسبب إفراز الإندورفين في المخ.
تقوية المناعة
وأثبتت دراسة كندية عام 1979 بحسب موقع BBC، أن الضحك يزيد من إنتاج أجسادنا للأجسام المضادة والخلايا التي تقاوم الأمراض، ما يرفع من مستوى المناعة.
وفي الدراسة، ثَبَت أن الأشخاص الذين يتمتعون بحسّ فُكاهي قويّ كانوا أقل عرضة لأمراض ارتفاع ضغط الدم.
كما ربط باحثون في جامعة ماريلاند الأمريكية، بين الضحك وتحسُّن الوظائف الصحية للأوعية الدموية، وهو الأمر الذي بإمكانه تقليل فرص الإصابة بنوبات قلبية. كذلك يزيد الضحك من معدل ضربات القلب من 10% إلى 20% تقريباً، ما يعزز من صحة الدورة الدموية في الجسم.
وفي دراسة أجريت عام 2015 على الأمهات بعد الولادة ونُشرت بمجلة الطب البديل والتكميلي، اختبر الباحثون نسب الأجسام المضادة في حليب الرضاعة عند تعرض الأمهات لجلسات من الضحك، ووجدوا بالفعل زيادة طفيفة في الأجسام المضادة (الغلوبولين المناعي) في حليب الأمهات اللواتي تعرضن لنوبات ضحك يومياً لمدة أسبوعين، عن غيرهن من النساء حديثات الولادة.
تقليل هرمونات التوتر.. وتعزيز المنظور الإيجابي للحياة!
وفي دراسة عام 2017 بعنوان "الفكاهة والضحك والتعلم والصحة! استعراض موجز"، اتضح أن الضحك يقلل من مستوى إفراز هرمونات التوتر في الجسم مثل الكورتيزول والإبينفرين (الأدرينالين) والدوبامين وهرمون النمو. كما أنه يزيد من مستوى الهرمونات المعززة للصحة، مثل الإندورفين.
وهو يشتت كذلك مشاعر الغضب والشعور بالذنب والتوتر والمشاعر السلبية بطريقة أكثر فاعلية عن المُشتتات السطحية الأخرى.
وكشف بحث بمجلة APA Psych، إلى أن استجابتنا للأحداث المُجهدة من حولنا يمكن أن يتغير من خلال تغيير منظورنا للأمور من كونها تهديداً مباشراً لسلامتنا إلى كونها تحدياً مثيراً للتحفيز والعمل.
واتضح أن الفكاهة والضحك بشكل دوري يمكنهما تعديل منظورنا للأحداث، وجعله أكثر خفة وأقل تهديداً وأكثر إيجابيةً.