قالت لي: «لستُ جميلة، ولا أحد يود الزواج بي»!

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/06 الساعة 16:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/06 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
حتى في فرص العمل، معظم الشركات تطلب فتيات أشكالهن متناسقة وجميلة

"أنا مش جميلة، استحالة يحبني"، أرسلت لي فتاة هذه الرسالة، رسالة قصيرة لكنها تحمل في طياتها مشكلة كبيرة تعاني منها الكثير من الفتيات وأنا منهن، مشكلة "الثقة بالنفس" التي تجعلنا نبذل مجهوداً كبيراً لنبدو أفضل في أعين من نحب.. وأن كلمة واحدة من أي شخص قادرة على أن تزرع في قلوبنا جناين ورد، وكلمة أخرى قادرة على كسر خاطرنا.

النساء يقعن دائماً أسرى لصيحات الموضة الجديدة، ينبهرن بالعارضات في الإعلانات، اللواتي يتم تصديرهن لنا على أغلفة المجلات، وبجلسات تصوير الممثلات التي تخضع في الأصل إلى الكثير من التعديلات لإخفاء كُل عيوب البشرة والجسم، لا عيوب في الوجه، لا وزن زائداً، لا أثر لأي حب شباب في الصور، ولا أي تجاعيد في اليد، صورة مثالية كاملة متكاملة تجعل النساء يعتقدن أن هذا مظهرهن في الحقيقة، وعند الاستيقاظ من النوم صباحاً، وفي الأيام المرهقة. 

مجتمعنا اختصر كُل مقاييس الجمال في المظهر الخارجي، لم يجرب أحد أن يستبدل "ملامحك جميلة" لـ "أنتِ ذكية" "أنت جدعة" "أنت عاقلة" "أنت طيبة".. "أنت ست شاطرة وبمية راجل"، وأنا ممن يرفضن أن يكونوا سلعة أو فُرجة يقرر الناس بعد النظر إليها وفحصها من تحت لفوق إذا كانت تصلح أم لا، لا أحب أن أكون دائماً تحت الميكرسكوب، أرفض أن أكون في قوالب متشابهة مع أي شخص ولهذا أرفض تماماً فكرة جواز الصالونات الذي يقوم في الأساس على فكرة الفرجة والمعاينة.. بسبب كل تلك المعايير النساء أصبحن يشبهن بعضهن البعض بشكلٍ مريب، لا تستطيع أن تفرق بينهن بسبب كم مساحيق التجميل، أو شكل الجسم المتناسق، دائرة من الضغط اللامتناهي، منافسة شرسة تجعلك تشعر بأنك في حرب أن تكون أو لا تكون.

هناك فرق كبير بين السعي إلى الجمال، والسعي إلى الكمال.. كل شخص يريد أن يكون جميلاً، لكن البعض أثناء رحلة التغيير دون وعي منه يضغط على نفسه ليصل إلى مرحلة الكمال والبيرفكشن فيستمع لكل آراء المحيطين به؛ لازم تبقي رفيعة" "لازم تبقي بغمازات" "لازم عينك تبقي ملونة"، يستمع إليهم بدلاً من أن يتقبل جماله الخاص الذي رزقه الله به، ويتحرر من قضبان مقاييس الجمال.

الأهل سبب انهيار الثقة الأول

الأم عندما تلد طفلها تدخل في دائرة من النقد الجارح، "إيه ده طالع وحش كده لمين" "إيه المناخير الوحشة دي" "ماله نازل شعره خفيف كده ليه" "ماله رفيع كده ليه إنتي مبتأكليهوش"، والكثير والكثير من الانتقادات، التي تجعل الأم بدون وعي منها تضغط على طفلها ليكون مثالياً في شكله وتصرفاته كي تتخلص من هذه الانتقادات، لكن للأسف عادة المجتمع مهما كان الشخص به مميزات في شخصيته لا ينظرون إليها كلها، بل يسلطون الضوء على كُل عيب وديڨو في شكله.. وعندما سألت معظم أصدقائي من المتابعين والمقربين اتفقوا على أن سبب عدم ثقتهم بأنفسهن راجعة إلى عدم ثقة أهاليهم بهم، لم يثنِ أحد على جمالهم، لم يشعروا أبداً أنهم محل فخر لديهم، كانوا دائماً يعانون من التعليقات السلبية التي تركت لديهم أثراً لم يستطيعوا تجاوزه إلى الآن، رغم مرور سنوات عديدة بقيت هذه الكلمات داخل أذهانهن وتنوعت التعليقات التي سمعوها في صغرهم بين "بقيتي شبه خلة السنان".. "محدش هيبص لك"، جملة قالت صديقتي إنها سمعتها من أمها بسبب تأخر سن زواجها إلى الآن بسبب ملامحها السمراء التي تنفر أي عريس يتقدم لها، "بطلي أكل بقيتي زي العجول"، جملة سمعتها صديقة أخرى من والدها فكلما يراها يجدها بالصدفة تأكل فيلقي عليها تعليقات ساخرة من وزنها الزائد. 

"هتلبسي نضارة قعر كوباية بسبب نظرك ده"، وهذا التعليق تعرضت له أنا بالتحديد بسبب كثرة جلوسي أمام شاشة الهاتف ليل نهار، "شعرك بقي شبه الخيش ميتسلكش" وهذا التعليق يعاني منه أصحاب الشعر الكيرلي، "هتعنسي بسبب دماغك دي".. "متضحكيش بصوت عالي كده، سنانك مش حلوة، ولا ضحكتك بتبقى شبه الخرتيت" "شوفي حل لسمارك ده كريم تفتيح ولا حاجة علشان تتجوزي"، كلام جارح يكفي ليجعل ثقتنا بأنفسنا تنهار تماماً، في حين أنه يجب أن يدعم كل أب وأم ثقة أبنائهم بأنفسهم كي لا يكونوا صيداً سهلاً لأي متنمّر لا يعرف أثر الكلمة التي تخرج من فمه.. فبعض الكلمات طلقات كما يقولون.

"العريس يا نجيبة"

بسبب تلك المقاييس أصبحت أحلام كل فتاة تتمحور حول "عريس"، أي شخص سيطرق بابها ستوافق عليه على الفور فقط لثبت لكل من حولها أن شخصاً ما في هذا العالم قد رأها أخيراً جميلة.. وكأنها بذلك تنفي التهمة عن نفسها.. أول ما تنهي دراستها الجامعية ينظر إليها الناس منتظرين منها الخطوة التالية "الجواز والخلفة"، وهناك بعض الفتيات للأسف بسبب قلة ثقتهن بأنفسهن يوافقن على أي عريس ظناً منهن أن فرصتهن في الحصول على غيره ستقل بسبب رفضهن المستمر وجمالهن العادي من وجهة نظر الناس.. كل فتاة أصبحت تخاف كثيراً من أن تكون شخصاً عادياً، تخاف من أن تظهر لمن تحب علي طبيعتها وفطرتها فتراها تحاول أن تغير من نفسها ومن ملامحها ومن طريقة كلامها حتى تصل إلى الشكل المطلوب منها، كي يرضى عنها ويتزوجها.. فتصبح في شكل بعيد تماماً عن حقيقتها، وتفقد نفسها وتجدها أصبحت عبارة عن مسخ إذا فقدت من كان السبب في كُل محاولات تغيرها لن تستطيع أن تعود أبداً إلى ما كانت عليه.

حتى في فرص العمل، معظم الشركات تطلب فتيات أشكالهن متناسقة وجميلة وكأن الجمال هو الميراث الوحيد الذي تمتلكه الأنثى، لا يهتم أحد بمدى خبراتها في المجال، ولا بالمجهود الذي بذلته والكورسات والدراسات التي سهرت الليالي من أجل اجتيازها، كل هذا يلقى في سلة القمامة وفرصة حصولها على العمل في بعض الأماكن تتوقف على مدى جمالها ولباقتها.. فهناك بنات أعرفهن خسرن فرص عمل في أماكن كبيرة بسبب بشرتهم السمراء، أو وزنهم الزائد قليلاً، أو بسبب الحجاب واللبس الملتزم وتلك الخسارة كانت سبباً في أذى نفسي وفقدانهم لثقتهم بأنفسهن ورضاهن بالأمر الواقع لن يصبحن أبداً كما يحلمن بسبب تلك التابوهات.

"هتنمر عليك بس إحنا أصحاب"

الأصحاب رزق، لكن أحياناً يكونون نقمة في حياتنا، هناك نوع من الأصحاب يتعمد إيذاء أصحابه بتعليقاته السلبية علي جسده وملامحه وإخفاء ذلك السوء تحت بند "إحنا بنهزر"، لكن لا أحد يعلم أن تلك التعليقات لا تنسى.. فأنا لا أستطيع نسيان تلك الصديقة التي أخبرتني مراراً وتكراراً أن أضع تقويماً لأسناني لأن ابتسامتي تفزعها عندما تنظر لي، ومنظر اللثة المصبوغة بالسواد يجعلها تشعر بالتقزز، فالتعرض للانتقادات من الأشخاص المقربين الذين من المفترض أن يكونوا الداعم الأول لنا يجعل الأنسان غير الواثق من نفسه يشعر بالضعف، ويسيطر عليه الإحساس بالنقص والرفض من قبل أحبائه.

الكثير من الخبراء قالوا إن إنستغرام أصبح يعد البوابة الأساسية وسبباً لا يمكن تجاهله لعدم ثقة البنات بأنفسهن وعدم الرضا عن حالهن، وفي جروبات الدعم النفسي تجربة شخصية تحدثت عنها فتاة قالت إنها بسبب متابعتها لحسابات المشاهير والبلوجرز ونمط حياتهم كرهت حياتها وأصبحت غير راضية عن أي شيء فيها، كانت تشعر بأنها قليلة بجانبهم، تريد أن تجرّب هذه الحياة والإثارة والمغامرة، كل يوم مكان جديد، كل يوم لبس جديد، شكل حلو، فلوس كتير، جسم متناسق وملامح لا عيب فيها، وأنا أؤيدها في الرأي فنحن بشر، لدينا طموح.. بالطبع عندما نرى أشخاصاً في مثل عمرنا يعيشون هذا النمط من الحياة سنشعر بالسخط، لا الغيرة.. بل السخط وغبطة على حالنا، فنحن نعلم كل الأماكن التي يجب أن نكون فيها، ونمط الحياة الذي نريده لكن ما باليد حيلة! السوشيال ميديا بالنسبة لي أصبح بوابة للكذب والتجمل، كل شخص يظهر جانبه الذي يريده فقط، ويخفي كُل ما يريد إخفاءه بمساعدة فلاتر سناب شات وبرامج التعديل ينسى الإنسان أنه لن يستطيع التخلص من صورته الحقيقية، ستطارده دائماً في المرآة إذا لم يتعلم طريقة لتقبلها.

إزاي نعالج كل ده؟

الخطوة الأولي يجب تحديد سبب المشكلة، إذا كان شخصاً فعليك التخلص منه، لا تقبل محبة أحد يتخللها الأذي النفسي، فمن يحبك لن يؤذيك.. إذا كانت قلة ثقتك بنفسك بسبب إحساسك بالاضطهاد والنقص فعليك التوقف فهو لن يفيدك في ذلك الوقت، بل سيسهم في هدمك.. الخطوة التانية يجب أن تصدق من داخلك أن لك جمالاً داخلياً وخارجياً متفرداً وخاصاً بك وحدك لا يوجد مثله في أي شخص آخر. ربما يكون أسلوباً طفولياً قليلاً لكنني أقف أمام المرآة كثيراً وأتغزل بي وبجمالي وأتحدث لنفسي بإيجابية كل يوم كي أدعم ثقتي بنفسي.. فارتفاعها هو مسؤوليتي الأولى والأخيرة، لا يمكنك أن تغير نظرة الآخرين عنك، لكن يمكنك أن تغير نظرتك عن نفسك، وحدك من يعلم عيوبك ومميزاتك فلا تقارن نفسك بغيرك، إذا كنت تريد إبهار أحدهم أبهره بقلبك، بحنيتك، بعقلك، بقدرتك على مساعدتهم ومساندتهم، بعدم إيذائهم.. أبهرهم بجمالك الداخلي، لا بملامحك التي ستزول بفعل عوامل الزمن والعمر بكُل تأكيد.. فشكل الإنسان يشيب، إنما روحه وقلبه فلا يشيبان أبداً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
غادة محمود
مدونة مصرية
كاتبة محتوى، حاصلة على ليسانس في الآداب والتاريخ بجامعة الإسكندرية، أحب الكتابة، أكتب لمن تخونهم العبارات، أكتب عن كل ما يحبه قلبي وتلتقطه عيناي، أشاهد الأفلام والمسلسلات وأعيش في عالمي الخاص "عالمٌ مواز" بين الكُتب والموسيقى، مهتمة بالقراءة، التفاصيل جزء من روحي وأفكاري، أحب كُل ما هو بسيط، بدأت في كتابة المحتوى والتدوينات منذ عامين، وكانت البداية في جريدة اليوم الجديد، ثم موقع عربي بوست، ممتنة لكُل التجارب التي جعلت من الشخص الذي أنا عليه الآن؛ كائناً خلق ليعافر، ويحاول، ويصمم.
تحميل المزيد