على مدى عقود ظلَّ الغناء في مصر أحد أقوى أسلحتها الناعمة، عربياً، فتغنى أشهر المغنيين بالشعر والنثر خاصةً بالمناسبات الوطنية الرسمية إلى أن غرقوا في "بحر الغدر". وهي إحدى أشهر أغاني المهرجانات التي باتت تحاربها مؤسسات رسمية في مصر، ما سبّب انتقادات لها من نشطاء رأوا ذلك تقييداً للحريات الفكرية.
فقد انتشر في العقد الأخير نمط أغاني المهرجانات، وبات يخاطب فئات مختلفة من المجتمع، ولم يعد مخصصاً فقط للطبقات الشعبية الفقيرة كما في السابق، إذ تتركز كلمات هذه الأغاني في الغالب على أزمات الفقر والعنف والبلطجة والتهميش الاجتماعي والصداقة.
إلا أن نمط هذه الأغاني الأسرع إيقاعاً من نظيرتها الطربية جعلها ضيفاً حاضراً بقوة في الأفراح والمناسبات المختلفة، وحاضراً أيضاً في جلسات البرلمان وملفاً في المؤسسات الحقوقية.
طلبات إحاطة في البرلمان لـ"إفساد الذوق العام"
أثار انتشار نجوم المهرجانات بكثافة في الحفلات انتقادات ومخاوف من "تدهور مستوى الأغاني المصرية"، كما وصفته القرارات الرسمية بالحظر والمنع.
كما امتدت أزمة أغاني المهرجانات إلى البرلمان، حيث أحيلت طلبات إحاطة من نوابٍ إلى لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، بشأن "ظاهرة إفساد الذوق العام والإسفاف والابتذال وتأثير ذلك على المجتمع"، بحسب تقارير محلية.
نقابة الموسيقيين تحاربها
وفي أغسطس/آب 2019، قررت نقابة المهن الموسيقية منع التعامل مع مطربي أغاني المهرجانات، وعدم منح تصاريح وإبلاغ الجهات الأمنية بمنع تنظيم وإقامة حفلات هؤلاء المطربين.
ويجرم قانون اتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية ممارسة أي عمل يتعلق بالموسيقى من دون عضوية أو تصريح، وإلا أصبح الشخص مهدداً بالحبس مدة تصل إلى 3 شهور، وغرامة تصل إلى 20 ألف جنيه (1200 دولار أمريكي)، وفقاً للمادة الخامسة من القانون المنظم.
من جانبه، قال هاني شاكر، نقيب الموسيقيين بمصر، في تصريحات صحفية، إن كلمات وألحان أغاني المهرجانات تساهم في انحطاط الذوق العام، مطالباً بضرورة تقديم فن مضاد يواجه "عشوائية" المهرجانات الشعبية.
واعتبر شاكر أن تلك الأغاني بمثابة "مرض في جسد الفن المصري والعربي"، قائلاً: "معظم الفنانين في البلاد العربية زعلانين (غاضبون) إزاء ما يحدث في مصر".
ويتصدر الموسيقار المصري الشهير حلمي بكر في واجهة المطالبين بوقف غناء المهرجانات فوراً، معتبراً إياه في تصريحات صحفية "أخطر على المجتمع من أصحاب الفكر الإرهابي".
وقال إنها "كارثة وتدمير للذوق العام"، وليس لها علاقة بالغناء الشعبي، مؤكداً أن "الأغانى الحقيقية التي تلمس القلوب وتحتوي على قيمة فنية أصبحت غير موجودة على الساحة.
"يحيا الفن المنحط"
في المقابل، أدانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (غير حكومية، مقرها القاهرة)، في تقرير بعنوان "يحيا الفن المنحط.. الدولة العجوز في مواجهة أغاني المهرجانات"، مايو/أيار 2019، أدانت الملاحقة والتحريض الرسميَّيْن اللذين يتعرض لهما نجوم أغاني المهرجانات الشعبية.
ووفق ما تراه الناقدة الفنية ماجدة موريس، في حديث للأناضول، فإن قرارات منع أو حظر هذا النوع من الغناء قد تؤدي لزيادة انتشاره في البلاد.
وقالت موريس إن ضوابط تقديم الفنون بشكل عام في المجتمع يجب أن ترتكز على عدم خدش الحياء، أو إثارة الغرائز، وعدم الإضرار بالسلام الاجتماعي، ونبذ العنصرية والتطرف، وعدم الإخلال بالأخلاق العامة.
وأضافت: "من حق أي فرد أو مجموعة أن يختاروا نوعية الفن التي يقدمونها للمجتمع (…)، ويجب أن يكون ذلك مقدراً، ويتم التعامل معه باحترام من المؤسسات الرسمية".
ويضمن الدستور المصري حزمة من الحقوق والحريات، من بينها حرية التعبير والإبداع الفني، إذ يقر حظر "رفع أو تحريك دعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، إلا عن طريق النيابة العامة".
ونشأت أغاني المهرجانات الشعبية خارج إطار منظومة الإنتاج التقليدي، ودون حماية من الأُطر القانونية التي رسختها الدولة على مدار عقود، واعتبر معارضون أن الحملة تهدف إلى "تقييد" حرية الإبداع في مصر، في مقابل المؤسسات الفنية التي تقول إنها للحفاظ على الذوق العام والتاريخ الغنائي الكبير.
لماذا نالت أغاني المهرجانات شعبية كبيرة؟
تعتمد أغاني المهرجانات على نوع موسيقى "التكنو"، التي تقوم على برامج إلكترونية مع إدخال صوت المغني. أما الكلمات العامية الدارجة، ومعظمها مواضيع شعبية مرتبطة بالمناطق الشعبية في مصر والأمثال والمواويل المشهورة.
ومن أبرز نجوم أغاني المهرجانات بمصر حمو بيكا، وأوكا وأورتيجا، ومجدى شطا، والديزل.
كما استقطبت تلك النوعية من الأغاني الممثل المصري الشهير محمد رمضان، الذي أقام مؤخراً حفلتين، إحداهما في ضاحية التجمع الخامس، شرقي القاهرة، والأخرى في الساحل الشمالي، وسط حضور عشرات آلاف الشباب.