تقع مدينة وليلي المغربية، أو كما يسميها البعض بمدينة "فولوبيليس"، في سفح جبلي بالقرب من مدينة مولاي إدريس زرهون، مكان دفن إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية، تبعد زرهون عن مدينة مكناس قرابة 20 كلم، على الطريق المؤدية لمدينة شفشاون الجوهرة الزرقاء المغربية.
تعتبر مدينة وليلي من بين أقدم المواقع الأثرية في المغرب؛ إذ يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت أقدم حضارة موريتانية، نسبة إلى المملكة الموريتانية الطنجية التي حكمت المغرب في تلك الفترة.
ثم حكمت المدينة الامبراطورية الرومانية ابتداءً من سنة 40 للميلاد إلى أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، وأصبحت فيما بعد مدينة يسكنها الأمازيغ إلى حين دخول إدريس الأول سنة 789.
بنتها المملكة الموريتانية وطوّرها الرومان
حسب موقع "britannica" البريطاني تعتبر مدينة وليلي من أفضل الآثار الرومانية المغربية، والتي تأسست قبل الميلادي. نمت المدينة وتطورت ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادي، وامتدت إلى أزيد من 40 هكتاراً، فيما وصل عدد سكانها إلى حوالي 20 ألف نسمة.
بُنيت في المدينة مساكن كبيرة وحمامات عامة، كما تميزت بوجود أقواس النصر والفسيفساء الذي يملأ المكان، والتي لا تزال آثارها ماثلة إلى اليوم، اشتهرت المدينة بإنتاج الزيتون الذي اعتبر ثروتها الطبيعية.
كان أقصى توسع لها ما بين سنة 168 و169 للميلاد؛ لتحاط بسور كبير يضم أبراجاً شبه دائرية، بالإضافة إلى 7 أبواب، من أشهرها باب الكوى الثلاث، في عهد الإمبراطورية الرومانية بُنِيَت في المدينة صروح شامخة، مثل: مبنى البازيليك، ومقرّ الحاكم، وقوس النصر، وازدانت بالفسيفساء والنقوش، ولم تكن المدينة خالية من حدوث التوترات السياسية على المدى الطويل.
ففي عام 40م، بدأ سكانها بالثورة على الإمبراطورية الرومانية؛ الأمر الذي أدّى إلى إصدار قرار بإعفائهم من الضرائب لمدة 10 سنوات لتهدئة الأوضاع؛ إلّا أنّ شعب الأمازيغ عاد للثورة، ونتيجة الضغط على الإمبراطورية الرومانية من قِبَلهم انسحب الرومان من المدينة في عام 285م.
مدينة وليلي بعد دخول الإسلام
بقيت المدينة مأهولة بسكانها الأمازيغ حتى دخول الإسلام أواخر القرن الثامن ميلادي على يد إدريس الأول، مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب، والذي تزوّج بنت أحد حكام المدينة "كنزة الأوروبية" لم يدم حكمه طويلاً بعد تعرّضه للقتل مسموماً.
فقدت المدينة مركزها الإداري في المنطقة بعدما أسس إدريس الثاني مدينة فاس، التي تبعد عن وليلي قرابة 88 كلم.
تعرّضت المدينة للعديد من أعمال التخريب والسرقة على مدار قرون؛ إذ اعتُمد على بعض آثارها لبناء مدينة مكناس غير البعيدة عنها، لكن خلال القرن الـ19 ضرب زلزال المنطقة ودمر أغلب المباني فيها.
ولم تتمكن الحفريات من كشف كل ما تزخر به من بنايات، فلا تزال مساحة 16 هكتاراً تنتظر استخراج خزائنها ونفائسها لإلقاء الضوء على تاريخ المغرب القديم.
صُنفت وليلي سنة 1997 تراثاً عالمياً إنسانياً؛ حيث أصبحت ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، وهي اليوم من أهم المواقع الأثرية المغربية التي يزورها آلاف السياح سنوياً، سواء من داخل المغرب أو خارجها.
مدينة متطورة وخدمات عمومية
لم يتم اكتشاف موقع مدينة وليلي، المدينة التاريخية القديمة، إلا في بداية القرن العشرين، خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، حينئذ عكف علماء الآثار الفرنسيون على التنقيب في الموقع وترميم بقايا الأطلال، لتطفو على السطح من جديد آثار مدينة رومانية كانت في يوم ما نابضة بالحياة والترف.
بعد الدخول إلى الموقع الأثري يقود الطريق إلى المدينة، هذا الطريق محاط بالفسيفساء من كلا الجانبين، بعضها يعود إلى مبانٍ رومانية ضخمة، فيما تعود أخرى إلى مرافق عامة مثل المحاكم، ومنصة لإلقاء الخطب الرسمية، كما تزين الطريق العديد من التماثيل الرومانية القديمة.
كما توجد بالمدينة العديد من الحمامات التي أمر الإمبراطور الروماني جالينوس بتوسيعها، والتي بدورها تبين شكل الحياة اليومية لسكان مدينة وليلي القدماء كان الناس يستلقون على البلاط الحجري الساخن، ويغتسلون داخل مسابح مستطيلة، يزودها نظام قنوات معقد، يجلب المياه من النبع في التلال خلف المدينة؛ ليزود الحمامات والمنازل بالماء، في حين تتدفق مياه الصرف الصحي في النهر القريب.
حسب منظمة اليونيسكو كان سكان المدينة يعيشون حياة مرفهة بشكل أفضل بكثير مما يعيشه كثير من الدول التي لا تزال تفتقر إلى نظام صرف صحي جيد.