نعرف عن العمارة الإسلامية في الدول المسلمة، أو التي يدين معظم سكانها بالإسلام، لكن قد لا نعرف الكثير عن مساجد الصين وعمارتها الإسلامية، رغم أنها تعرف منذ أكثر من 1400عام، فهناك المسجد الكبير الذي كُتبت آيات من القرآن على جدرانه، عندما بُني في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ليكون هدية من الإمبراطور الصيني للتجار المسلمين.
المسجد الكبير الذي بناه الإمبراطور الصيني هدية للمسلمين
الجامع الكبير، أو مسجد شيان الكبير أو (西安大清真寺) يقع على مساحة شاسعة تبلغ 12 كيلومتراً، وقد بُني في العام 742 ميلادياً (120 هجرياً) ليكون هدية من أسرة سلالة تانغ الصينية الحاكمة (618-907) للتجار المسلمين، وذلك في عهد خلافة الصحابي عثمان بن عفان.
بعد دخول الإسلام الصين في سنوات الهجرة الأولى، قدم التجار العرب الإسلام إلى الصين، ثم استقر العديد من المسلمين في الصين وتزوجوا من شعب الهان، لهذا قررت أسرة تانغ بناء المسجد تكريماً لمؤسسي الإسلام في الصين، وكان انطلاقة بناء العديد من المساجد الأخرى في جميع أنحاء الصين.
المسجد بُني في إقليم شنشي، حيث يعيش عدد من المسلمين حالياً، حتى إن حي المسجد يعرف بالحي الإسلامي، ويعتبر هذا الحي هو أكبر وأقدم أحياء المسلمين في الصين، وفق موقع Travel China Guide.
أمر ببناء هذا المسجد الإمبراطور Xuanrong في القرن الـ17، ثم أجريت عليه تحسينات عديدة خلال فترات حكم الأسر الصينية المتلاحقة، حتى أصبح بشكله الحالي خلال عهد أسرة تشينغ عام 1644. وخلال هذه الفترة وضعت الأسر الصينية الحاكمة المتلاحقة بصماتها المعمارية عليه، مثل الأسرة ( Song (960-1279) Yuan، (1271-1638) Ming ،(1368-1644، وتشينغ (1644-1911).
ورغم أنه يعتبر مزاراً سياحياً هاماً في الإقليم، كما انضم إلى قائمة التراث الإسلامي لليونسكو عام 1985، فإنه أيضاً لا يزال مسجداً تقام فيه الصلوات الخمس، حيث يؤمه غالباً إمام صيني مسلم.
هيكل المسجد، وخط القرآن على جدرانه
الهدية كانت فريدة، إذ بدأ المعماريون بناء هذا المسجد من الخشب العطري الثمين، وخطت عليه آيات من القرآن الكريم.
المسجد عبارة عن مزيج من العمارة الصينية التقليدية والفن الإسلامي، إذ بنيت المباني (حوالي 20 مبنى) على شكل سلسلة من الأجنحة، تحيط بها أربعة أفنية، جميعها على الطراز الصيني، لكن الجدران جميعها تم تزيينها بالفن الإسلامي.
هيكل المسجد وحده تبلغ مساحته 6 آلاف كيلومتر مربع، وحوله 4 ساحات أو أفنية، في الفناء الأول يوجد قوس خشبي، مكسو بالبلاط الزجاجي، ويبلغ ارتفاعه 9 أمتار، وعلى جانبيه 3 غرف، ويمكن إرجاعه إلى القرن السابع عشر أو سلالتي مينغ وتشينغ.
في وسط الفناء الثاني يوجد قوس حجري، كما توجد لوحات حجرية خُطت عليها آيات من القرآن من الخطاطين القدامى البارزين باللغتين الصينية والعربية، ويظهر أحياناً مزيج من الأساليب المسماة Sini، وهو النص العربي المكتوب بخط متأثر بالصينية، بالإضافة إلى نقوش صينية لطيور وزهور وأشكال أخرى.
عند مدخل الفناء الثالث توجد قاعة تحتوي على العديد من اللوحات من العصور القديمة، وتوجد المئذنة في وسط الفناء، حيث يمكن للزوار حضور الصلاة؛ إذ لا يسمح بدخول غير المسلمين إلى قاعة الصلاة الرئيسية. فيما يحتوي الفناء الرابع على قاعة صلاة كبيرة تتسع لأكثر من ألف شخص، وهي عبارة عن مبنى خشبي ضخم مثبت على 6 أعمدة بسقف باللون الفيروزي.
إغلاق الحزب الشيوعي للمسجد ثم إعادة فتحه
بعد فوز الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية، تم إغلاق المسجد وتحويله إلى مصنع للصلب، لكن في العام 1956، تم إعلان المسجد كـ"موقع تاريخي وثقافي محمي" على مستوى مقاطعة شنشي، ثم قائمة اليونسكو للتراث الإسلامي، ولاحقاً أصبح موقعاً تاريخياً وثقافياً رئيسياً محمياً على المستوى الوطني في عام 1988، ليعاد فتحه للصلاة والزوار.
لا يزال المسجد يُستخدم كمكان للعبادة من قِبل المسلمين الصينيين، وخاصة شعب الهوي. أما السياح فيمكنهم دخوله مقابل تذاكر تتراوح بين 15: 25 يواناً صينياً (2,32: 3,86 دولار أمريكي)، وفق موقع China Highlights الذي يستعرض المعالم السياحية في الصين.