"وادي المخازن" معركة حدثت في القرن السادس عشر الميلادي، وقعت على أراضٍ مغربية، لكن تلك الأراضي احتفظت بدماء وجثث جنودٍ برتغاليين وأوروبيين، جاءوا في حملةٍ عسكرية ليحتلوا الساحل المغربي بالكامل، ذلك الساحل الذي كان مطمع المستعمرين على مر العصور، بسبب موقعه الجغرافي المميز.
قاد الطموح الملكَ البرتغالي، فراحت مملكته أدراج الرياح، حين سقط في ساحة المعركة مقتولاً، إلى جانب معظم جنوده.
الصراع على الحكم في المغرب
ضمَّت الدولة العثمانية أغلب الأقطار العربية والإسلامية تحت حكمها في بدايات القرن السادس عشر، بعدما انهزم المماليك بالشام ومصر في معاركهم مع السلطان العثماني سليم الأول، ولكن سواحل بقية شمال إفريقيا لم تدخل ضمن نطاق السيطرة العثمانية سريعاً.
وهكذا بدأ بعض ملوك المغرب وتونس والجزائر في التعامل مع هذه الدولة الإسلامية التي صارت أضخم، والاها بعضهم، وعاداها بعضهم، وكان من ضمن المعادين لها السلطان السعدي محمد المتوكِّل على الله. ورث المتوكل عن أبيه سلطنة الدولة السعدية، وأكمل ما بدأه أبوه من التقرُّب إلى الأوروبيين؛ لحمايته من الدولة العثمانية.
نشب صراع بين المتوكِّل وعمَّيه عبدالملك وأحمد، إذ رأى عبدالملك أنه أولى بالحكم من ابن أخيه. هرب الأخوان إلى الجزائر، ومن هناك حصلا على دعمٍ عثماني قوامه 5 آلاف جندي، فعادا على رأس ذلك الجيش إلى المغرب، ليحاربا المتوكِّل.
انتصر عبدالملك وأخوه على ابن أخيهما المتوكل على الله، لكنه فرَّ من المعركة إلى مراكش، وبدأ تحالفه مع العدو لمحاربة عمَّيه. فأرسل إلى ملك البرتغال سيباستيان يستنصره على عمَّيه.
لكن سيباستيان كان لديه هدفٌ آخر غير الحِفاظ على ملكه، فقد تسلَّم إمبراطورية كبيرة لديها مستعمراتها في الأمريكتين، ورغب سيباستيان في احتلال الساحل المغربي بالكامل، ليكون له تأثير كبير في البحر المتوسط. وهكذا طلب سيباستيان من المتوكل على الله أن يعطيه كل مدن الساحل المغربي في مقابل تحالفهما، وأن تكون للمتوكل المدن الداخلية فقط.
وافق المتوكِل، وعندها بدأ سيباستيان حشد جيوشه ليعبر بها إلى المغرب. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن أعداد جيش البرتغال قد وصلت إلى 150 ألف مقاتل، وقد تخلَّى لهم المتوكل على الله عن مدينة أصيلا على ساحل المغرب لينزلوا فيها، وهكذا كانت قاعدة الجيش البرتغالي مدينة أصيلا. وقد وصلوا إليها في 12 يوليو/تموز عام 1578.
وقُدِّرت قوات المتوكِّل بنحو 500 فارس فقط، ولكن يبدو أيضاً أن أعداد جيش سيباستيان مُبالَغ فيها بعض الشيء. وأياً كان الأمر، فقد كان جيش سيباستيان جيشاً قوياً ضخماً.
معركة وادي المخازن
عسكر جيش البرتغال في مدينة أصيلا، وسار السلطان عبدالملك وأخوه أحمد على رأس الجيش بدعمٍ عثماني من والي الجزائر. عسكر عبدالملك بجيشه في منطقةٍ مناسبة، وأرسل رسالةً إلى سيباستيان يقول فيها إنه قد قطع ست عشرة مرحلة ليصل إليه (المرحلة هي مسافة تزيد على 40 كم)، ولكنه (أي سيباستيان) لم يقطع إليه مرحلةً واحدة حتى. وهنا استثار سيباستيان فقرر التحرك إليه.
كان عبدالملك محنَّكاً، فقد قصد من هذه الرسالة أن يقطع سيباستيان عن مناطق الإمداد والتموين لجيشه في الساحل. وهكذا وقع سيباستيان في الفخ، وتحرك لملاقاة جيش عبدالملك.
حين وصل جيش البرتغال إلى منطقة "القصر الكبير" قرب وادي المخازن، كان السلطان عبدالملك قد تدهورت حالته الصحية، بل إنَّ خدمه كانوا يحملونه على حمالة، لأنه لم يعد يقوى على ركوب الفرس.
ولتكتمل حنكة عبد الملك قبل موته، فقد أمر جنوده بهدم قنطرة نهر وادي المخازن، وهكذا لن يجد البرتغاليون طريقاً للرجعة إلى مدينة أصيلا.
وفي صبيحة يوم المعركة، توفي السلطان عبدالملك متأثراً بمرضه، ولكنَّ حاجبه كتم خبر موته، وأخبر أخاه أحمد فقط، وبدأ أحمد بقيادة الجند أثناء المعركة. هاجم الجيش المُسلم مؤخرة الجيش البرتغالي، ثم طوَّق جانبيه بكتيبتي فرسان، وأخيراً قرر البرتغاليون الهرب ففوجئوا بأن قنطرة النهر قد هدمها المسلمون، وهكذا بدأ الجنود يرمون أنفسهم في النهر؛ هرباً من القتل.
توفي أولاً السلطان عبدالملك صباح يوم المعركة، وأثناء المعركة توفي سيباستيان وكذلك المتوكل على الله، عندما حاول الهرب فغرق في النهر. وهكذا سُمِّيت المعركة "معركة وادي المخازن" أو "معركة الملوك الثلاثة"، فقد شهدت المعركة وفاة ومقتل ثلاثة ملوك.
تفتَّتت البرتغال بعد وفاة سيباستيان، فقد كان خاله الملك فيليب، ملك إسبانيا، جاهزاً للانقضاض على تلك المملكة المترامية، وقد طلب منه سيباستيان العون في محاولته احتلال المغرب، لكنه لم يقدم عوناً كبيراً له. فقد كان القدر يخبِّئ له مملكةً أخرى ليحكمها.
أمّا المتوكل على الله فقد اشتهر لاحقاً باسم "الملك لا مسلوخ"، إذ يقال أنّه بعد موته، سلخ جلده وحشيت تبناً ليكون عبرةً لمن يعتبر. وتولَّى عمُّه أحمد الملك بدلاً عن عبدالملك الذي توفى يوم المعركة.