تعتبر الساعة المائية البوعنانية الموجودة في المدرسة البوعنانية بمدينة فاس المغربية، وتسمى كذلك "المكانة البوعنانية"، واحدة من بين أكثر الاختراعات العربية والإسلامية غموضاً، وذلك لأنه لم يتمكن أي من الباحثين والخبراء العالميين من فك لغز نظام تشغيلها، والطريقة الفريدة في صنعها.
إذ أصبحت هذه الساعة المائية اليوم، واحدة من بين أبرز معالم الجذب في العاصمة العالمية للمغرب، إذ يقوم مئات السياح الذين يزورون المغرب من العالم، في التوجه إلى المدرسة البوعنانية، فقط من أجل زيارة هذا المبنى التاريخي، وكذا التقاط صورة للساعة المائية، التي تم إيقافها قبل سنوات عدة، إلا أن الهيكل الخاص بها ما زال محتفظاً بشكله ولم يتغير مطلقاً، حتى بعد مرور أزيد من 700 سنة على تشييدها.
المدرسة البوعنانية.. أشهر المدارس الإسلامية في فاس
تم تأسيس المدرسة البوعنانية في مدينة فاس، في الفترة ما بين 1350 و1355، على يد السلطان المريني أبو عنان فارس بن علي، الذي حكم المغرب ابتداء من سنة 1348، حتى سنة 1358، بعد أن تم قتله من طرف أحد وزرائه.
وعرفت هذه المدرسة على مر السنين، بأنها واحدة من بين أشهر المؤسسات التعليمية في المملكة المغربية، كما أنها كانت وما زالت تقام فيها صلاة الجمعة، إذ إنها صممت على الطريقة الهندسية الإسلامية، بالنقوش والزخارف، والزليج، على الطريقة الفاسية التقليدية.
لكن أكثر الأشياء التي تميز هذه المدرسة التاريخية، هي الساعة المائية، المتواجدة في واجهتها عند الباب المتواجد في الجهة الشمالية، والتي صممت بطريقة خاصة جداً، لم يتمكن أحد إلى الآن من حل لغزها، وكيف كانت تعمل، من أجل الكشف عن عدد الساعات التي مرت خلال اليوم.
نظام عمل الساعة المائية البوعنانية
كانت تعمل الساعة المائية البوعنانية بطريقة يمكن أن يراها البعض بسيطة، إلا أن طريقة تصميمها تعتبر لغزاً محيراً، بسبب اعتمادها على نظام تقني دقيق جداً، إذ لم يتم تصميم واحدة مثلها أبداً، إلى غاية الآن.
وحسب ما نشرته جريدة "هسبريس" المغربية، نقلاً عن القائمين على المدرسة البوعنانية، فإنه قد تم تعليق الساعة المائية في واجهة المدرسة البوعنانية، وهي مكونة من 13 من العوارض الخشبية، كل واحدة منه وضع فوقها إناء كبير من النحاس الأصفر.
ويوجد فوق كل إناء نحاسي نوافذ معلق بها كرات حديدية، ومع مرور ساعة واحدة، تفتح النوافذ بشكل متتالٍ، وتسقط الكرة الحديدية في الإناء النحاسي، لتصدر صوتاً قوية، للإشارة إلى مرور ساعة من الزمن أخرى.
إذ يمكن للمارة، الذين لم يكونوا بالقرب من المدرسة البوعنانية، عند سقوط الكرة الحديدية، من معرفة الساعة، من خلال عدد النوافذ المفتوحة.
وحسب مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس، السيد فؤاد السرغيني، قال إنه يتم العمل بشكل دائم على معرفة طريقة عمل هذه "المكانة البوعنانية"، من أجل إعادة تشغيلها من جديد، وذلك عن طريق القيام بدراسات جديدة، غير تلك التي تمت سابقاً، من طرف عدد كبير من الخبراء حول العالم.
لغز الساعة المائية البوعنانية لم يتم حله
وحسب ما نشرته جريدة "le matin" المغربية الناطقة بالفرنسية، فقد أشار الكاتب الفرنسي "روجيه لوتورنو" في كتابه الذي حمل عنوان "فاس قبل الحماية"، إلى أن آلية بناء هذه الساعة الصعبة جداً.
فيما أشار المؤرخون، حسب نفس المصدر، إلى أن تكلفة تصميم هذه الساعة المائية كانت باهظة جداً، إلا أن السلطان المريني لم يكترث للمصاريف التي ستكلفه، مقابل جماليتها، ونظامها الفريد من نوعه.
إذ إنه كان يتم الاعتماد عليها من أجل تحديد ساعات اليوم عبر قسمين، من شروق الشمس إلى غروبها، والعكس صحيح، وذلك لأنه لم يكن حينها أي نظام يحدد الساعات، حسب الدقائق والثواني كما هو الحال اليوم.
وفي تصريح سابق لفؤاد السرغيني، فقد قال إن هذه الساعة كان يمكن تشغيلها من خلال عربة تعمل عن طريق سكة حديدية خلف النوافذ الصغيرة، إذ تتحرك بعد تدفق الماء من صهريج في طرف عوامة خشبية، التي تعمل على فتح النوافذ وسقوط الكرة الحديدية في إناء النحاس.
وعند انتهاء اليوم، يقوم الشخص المسؤول عن ضبط الساعة، بوضع الكرات في مكانها وغلق النوافذ، من أجل حدوث نفسية العملية في اليوم الموالي.
ومع معرفة كل هذه التفاصيل، التي تبين طريقة عمل الساعة المائية البوعنانية، إلا أنها مع ذلك بقيت لغزاً محيراً، من أجل إعادة ضبطها وتشغيلها مرة أخرى، بعد مئات السنين، مما جعلها مثل السهل الممتنع، إذ يظن الجميع أن آلية عملها سهلة، لكن الفشل يكون نصيباً لكل من حاول.
وقد كان فريق ألماني سنة 2004، تحت إشراف الدكتور فؤاد سزكين، مدير معهد الدراسات في تاريخ العلوم الإسلامية في فرانكفورت، قد حل في المغرب من أجل فهم وحل شفرة هذه الساعة المائية التاريخية.
إلا أن هذا اللغز لم يتم حله، بسبب غياب بعض الأجزاء المهمة، التي تم إتلافها غالباً، بعد انتهاء عهد المرينيين في المغرب، حسب السيد الكبير عابد الودغيري، من جمعية الحفاظ على التراث والأصالة في المغرب.