في فبراير/شباط عام 1926، انطلق عالم الأحياء الروسي إيليا إيفانوف إلى غينيا في غرب إفريقيا؛ حيث خطط لإجراء واحدة من أكثر التجارب إثارة وتطرفاً في العالم بدعم سياسي ومادي وحكومي؛ تهجين الإنسان والقرود!
فما هي قصة العالم الذي قام بتلقيح القرود صناعياً بحيوانات الإنسان المنوية وزرع مبيض امرأة في رحم أنثى قرد؟ وهل كان يريد بناء "جيش من القرود" بأمر من جوزيف ستالين حقاً؟ إليكم القصة:
من تهجين الحيوان إلى الإنسان، طموح عالم لم يعرف التوقف!
في بداية القرن العشرين، اشتهر إيليا إيفانوف دولياً بعمله الرائد كونه خبيراً في التلقيح الاصطناعي، وبعد أن أتقن أساليبه كان حريصاً على معرفة كيف يمكن تطبيقها.
وكان أول مشروع كبير له يهدف إلى تحسين سلالة روسية من الأحصنة، باستخدام الحيوانات المنوية من أفضل الفحول.
ثم بدأ يفكر في إمكانية التهجين باستخدام الذكاء الاصطناعي، لإنشاء أنواع جديدة من الحيوانات الأليفة. وسرعان ما أنتج حيواناً أطلق عليه zeedonk (هجين الحمار الوحشي والحمار)، والزوبرون (هجين الثور والبقر) ومجموعات مختلفة من الجرذان والفئران وخنازير غينيا والأرانب.
لكن طموح إيفانوف لم يقف عند ذلك الحد، ففي عام 1910، أخبر إيفانوف مجموعة من علماء الحيوان أنه قد يكون من الممكن إنشاء أنواع هجينة بين البشر والقرود، كما يشير موقع Science Direct.
في تلك المرحلة، كان إيفانوف يتكهن ببساطة، لكن بعد عقد من الزمن قرر وضع النظرية موضع التنفيذ. وفي عام 1924 قدم مقترحاته للحكومة لإنشاء هجين بين الإنسان والقرد عن طريق تلقيح ثلاث إناث من الشمبانزي بالحيوانات المنوية البشرية.
دعم حكومي من جهات عليا رغم رفض المؤسسات العلمية
المثير للتساؤل والاستغراب هو أنه على الرغم من رفض المؤسسة العلمية الحكومية لمقترحه، حصل إيفانوف على الضوء الأخضر والأموال اللازمة للقيام برحلة استكشافية إلى إفريقيا لجمع القردة. وتظهر الوثائق أن القرار تم دفعه من قبل أعضاء قياديين في الحكومة البلشفية نفسها.
فقد كانت رحلته إلى إفريقيا باهظة الثمن والغرض منها مشكوك فيه إلى حد كبير، لكن الحكومة البلشفية في روسيا لم تفرض أي قيود عليها، بل موّلتها أيضاً في وقت سُمح فيه لعدد قليل من الروس بمغادرة البلاد.
حتى إن بعض المصادر ذهبت إلى أنه من المحتمل أن إيفانوف قد تلقى أوامر بتربية محاربين فائقي القوة ذوي شعر كثيف من الرئيس جوزيف ستالين بشكل مباشر، لما أطلقت عليه صحيفة ذا صن في لندن اسم "جيش ستالين من القردة الطافرة".
والسبب الأساسي هو أن مشاريعه وتجاربه وسفره كانت مدعومة مادياً من جهات عليا في الحكومة.
المحاولة الأولى، زرع مبيض امرأة في أنثى شمبانزي
في فبراير 1926، انطلق إيفانوف في رحلته إلى إفريقيا. وكانت محطته الأولى باريس؛ حيث حصل على الدعم من مديري معهد باستير للعلوم الذين وعدوه باستخدام حيوانات الشمبانزي في مركزهم الرئيسي الجديد في غينيا، التي كانت جزءاً من غرب إفريقيا الفرنسية حينها.
قضى إيفانوف الصيف في باريس، حيث أمضى بعضاً من وقته في معهد باستير لدراسة طرق صيد وإخضاع الشمبانزي، كما تعاون مع الجراح الشهير سيرج فورونوف لدراسة طرق التلقيح.
وفي ذلك الصيف، تصدّر فورونوف وإيفانوف عناوين الصحف عندما قاما بزرع مبيض امرأة في قردة شمبانزي ثم تلقيحها بالحيوانات المنوية البشرية.
وبينما كانت الصحافة تنتظر النتيجة، التي لم تنجح لاحقاً، تحول الاهتمام إلى مشروع إيفانوف غير العادي في إفريقيا. فقد كانت فكرة هجين القرد البشري مروعة ومثيرة في الوقت نفسه.
حاول تلقيح النساء بحيوانات منوية من الشمبانزي
في نوفمبر، ذهب إيفانوف إلى غينيا، وقام في النهاية بتلقيح ثلاثة من إناث الشمبانزي. لكنه لم يكتف عند ذلك بل أراد القيام بالتجربة بشكل معاكس وأكثر شناعة؛ إذ كان يخطط لتلقيح النساء بحيوانات منوية من الشمبانزي.
مع العلم أنه لن توافق أي امرأة محلية في إفريقيا على ذلك، فقد خطط للقيام بذلك بحجة الفحص الطبي، لكن الحاكم الفرنسي منع ذلك.
وبعد خيبة أمله عندما لم تحمل أي من إناث الشمبانزي الثلاث التي قام بتلقيحها بحيوانات الإنسان المنوية، توجه إيفانوف ومعه 20 شمبانزي إلى جمهورية أبخازيا السوفيتية شبه الاستوائية وفي رأسه خطط أخرى لتحقيق هدفه.
5 نساء سوفييتات تطوعن للحمل من حيوانات القرود المنوية
بعد فشله في إفريقيا، كانت الفرصة الأخيرة لإيفانوف لإنشاء هجينه هي في العثور على نساء سوفييتات يرغبن في حمل أطفال مهجنين بين البشر والقرود من أجل العلم.
أول مشكلة واجهت إيفانوف، كانت موت قرود الشمبانزي بسبب صعوبة الرحلة وتغير البيئة، ولم يصل منها سوى أربع إلى أبخازيا. وبينما كان المركز الإفريقي يسعى للحصول على المزيد من القرود، كان إيفانوف يبحث عن متطوعين من النساء للقيام بتجربته.
المثير للاستغراب أن خمس نساء على الأقل تطوعن للقيام بالتجربة. لكن بحلول الوقت الذي كان إيفانوف مستعداً للقيام بالتجربة، لم يتبق سوى ذكر بالغ وحيد على قيد الحياة من الشمبانزي. لكن القدر وجه لمشروع إيفانوف ضربة قاتلة، فقد أصيب القرد بنزيف في المخ أدى لموته.
عندما وصلت حيوانات الشمبانزي في عام 1930، كانت تجارب إيفانوف قد ذاع صيتها ولاقت استهجاناً واسع النطاق من العلماء، ونُفي إلى كازاخستان، وعندما أطلق سراحه في العام التالي توفي بعد فترة وجيزة.
لكن السؤال الملح هو: لماذا دعمت الحكومة الروسية تجارب إيفانوف؟
على عكس ما قد يعتقد، فإن جهود إيفانوف خلال عشرينيات القرن الماضي لإنشاء هجين من قرد وإنسان لم تكن سراً منذ البداية، وعندما انتشرت تفاصيل عن تجاربه ورحلاته، أثارت صخباً وجدلاً واسعاً حتى أصبح إيفانوف معروفاً باسم "فرانكنشتاين الأحمر" لاستهجان التجارب التي كان يقوم بها.
وعلى الرغم من سنوات البحث، إلا أن جزءاً حيوياً من القصة لا يزال غير مفهوم تماماً، ماذا كان السوفييت يخططون من وراء دعم هذا المشروع؟
للإجابة على هذا السؤال، يقدم ألكسندر إيتكند، المتخصص في التاريخ الروسي بجامعة كامبريدج في بحث له ودراسة تاريخية نشرت في موقع المكتبة الوطنية للطب عام 2008، بعض التفاسير المحتملة لدعم الحكومة الروسية لمثل هذا المشروع المتطرف:
التفسير الأول هو أنه عندما قدم إيفانوف اقتراحه إلى أكاديمية العلوم، رسمه على أنه التجربة التي من شأنها إثبات أن الرجال قد تطوروا من القردة، وهذا يعني أن داروين كان محقاً بشأن مدى ارتباط البشر الوثيق بالقرود.
وقد حاول إيفانوف إقناع الحكومة بأن إثبات صحة نظرية داروين سيوجه ضربة للدين، وهو ما كان البلاشفة الروس يكافحون من أجله. لن يؤدي نجاح التجارب إلى تعزيز سمعة العلم السوفييتي فحسب، بل سيوفر دعاية مفيدة مناهضة للدين.
أما التفسير الآخر فهو أن بعض القادة البلشفيين المسنين أرسلوا إيفانوف إلى إفريقيا للقيام بتجارب على القرود من أجل علاجات تجديد الشباب، رغم أن ذلك مستبعد ولا توجد أدلة قوية تدعمه.
أما التفسير الثالث المحتمل، فهو أن بحث إيفانوف كان جزءاً من خطة طموح لتغيير المجتمع؛ إذ إن البلاشفة الذين دعموا إيفانوف كانوا من المثقفين الذين من الوارد أنهم رأوا العلم وسيلة لتحقيق حلمهم في المدينة الفاضلة الاشتراكية.
إحدى الطرق للقيام بذلك كانت من خلال "تحسين النسل الإيجابي"، باستخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع انتشار السمات المرغوبة؛ مثل الرغبة في العيش والعمل بشكل جماعي، وفي الوقت نفسه التخلص من السمات "البدائية" مثل التنافسية والجشع والرغبة في التملك.