رفض لقب باشا فحاربه الملك.. العالم المصري «علي مشرفة» آينشتاين العرب

لقب الدكتور علي مصطفى مشرفة "بأينشتاين العرب" لأن أبحاثه كانت في نفس المجال ونفس الموضوعات التي كانت أبحاث ألبرت أينشتاين تدور حولها.

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/03 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/02 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
كان مصطفى أصغر طالب في فصله، ولكنه كان الأكثر تفوقاً ومعرفة/ مواقع علمية

لقب الدكتور علي مصطفى مشرفة "بأينشتاين العرب" لأن أبحاثه كانت في نفس المجال ونفس الموضوعات التي كانت أبحاث ألبرت أينشتاين تدور حولها.

ذاع صيته في العالم وأطلق عليه لقب "شهيد العلم والجامعة" من قبل طلابه بعد وفاته، وذلك لأنه أفنى حياته في خدمة العلم وإرساء قواعد البحث العلمي.

كان أحد أهم علماء الذرة في مصر، ووصف بأنه واحد من سبعة علماء على مستوى العالم يعرفون أسرار الذرة.

نشأة علي مصطفى مشرفة

ولد مشرفة في 11 يوليو/تموز عام 1898 في حي المظلوم بمدينة دمياط لأسرة مشهورة بالتقوى والاهتمام بالعلم. 

كان والده أحد أثرياء المدينة وكان متأثراً بفكر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، لذا فقد نشأ مشرفة منذ بداياته الأولى في علاقة عميقة بالقرآن، ومنذ طفولته اعتاد على ربط العلم بالدين.

كان مشرفة الابن البكر وتوفي والده وهو في الحادية عشرة من عمره بعد أن فقد ثروته في أزمة القطن الشهيرة عام 1907 وخسر أرضه وماله وحتى منزله.

وقعت مسؤولية كبيرة على عاتق مشرفة الذي وجد نفسه مسؤولاً عن أسرة معدمة مكونة من والدة وأخت وثلاثة أشقاء، فأجبرهم هذا الوضع على الرحيل للقاهرة والسكن في إحدى الشقق المتواضعة في حي عابدين.

عمل مشرفة وهو في سن صغيرة لمساعدة عائلته، وفي هذه الأثناء تزوجت أمه من شخص ليتولى رعايتها والإنفاق على أسرتها.

كان مصطفى أصغر طالب في فصله، ولكنه كان الأكثر تفوقاً ومعرفة. 

"فطالب العلم طالب حقيقة، ومن طلب الحقيقة أحب الحق.. ومن أحب الحق كان صادقاً.. ومن كان صادقاً كان شجاعاً.. ومن كان شجاعاً كان ذا مروءة.. ومن كان ذا مروءة كان كريماً.. ومن كان كريماً كان رحيماً، وأحب الخير، وناصر العدل، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر".

من كتاب "العلم والحياة"

مسيرته العلمية

التحق بمدرسة "أحمد الكتبي"، وحصل على شهادته الأساسية في عام 1910 ليحتل المرتبة الأولى على الجمهورية على الرغم من أن والده توفي قبل شهر واحد من الامتحانات. 

والتحق بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضى فيها سنة في القسم الداخلي المجاني، وبسبب تفوقه الدراسي انتقل بعدها إلى المدرسة السعيدية في القاهرة بالمجان.

حاز على القسم الأول من الشهادة الثانوية (الكفاءة) عام 1912، وعلى القسم الثاني (البكالوريا) عام 1914، وكان ترتيبه الثاني على القطر المصري كله وعمره 16 عاماً فقط.

فضل الالتحاق بكلية المعلمين بدلاً من كليات الطب أو الهندسة بسبب اهتمامه الشديد بالرياضيات، وتخرج منها عام 1917.

ونظراً لتميزه في الرياضيات، أرسلته وزارة التعليم المصرية إلى إنجلترا حيث حصل على درجة البكالوريوس (مع مرتبة الشرف) من جامعة نوتنغهام ، ثم وافقت الجامعة المصرية على منح مشرف منحة دراسية أخرى لاستكمال الدكتوراه. 

خلال إقامته في لندن تم نشر العديد من أبحاثه العلمية في مجلات علمية بارزة. التحق عام 1920 بالكلية الملكية (kings college)، وحصل منها عام 1923 على الدكتوراه في فلسفة العلوم بإشراف العالم الفيزيائي الشهير تشارلز توماس ويلسون الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 1927.

وفي عام 1924 حصل على دكتوراه العلوم من جامعة لندن، وهي أعلى درجة علمية في مجال العلوم؛ وكان أول عالم مصري يحصل على هذه الدرجة، علماً أنه لم يحصل عليها سوى 11 عالم في ذلك الوقت.

ثم في عام 1925 عندما تم افتتاح الجامعة المصرية الحكومية، أصبح أستاذاً مساعداً للرياضيات في كلية العلوم لأنه كان دون الثلاثين من العمر، وهو الحد الأدنى للعمر اللازم لإنجاز منصب أستاذ.

لكن  في عام 1926 تم تعيينه كأستاذ على الرغم من أنه لم يبلغ الثلاثين بسبب تفوقه العلمي الكبير وإشادة علماء الخارج بعبقريته.

دوره كعميد لكلية العلوم

من عام 1936 وحتى عام 1950 شغل مشرفة منصب عميد كلية العلوم، ومن أهم إنجازاته في هذا المنصب هو ربطه بين كلية علوم القاهرة وكلية علوم لندن؛ فكانت الامتحانات توضع مشتركة، ويتم التصحيح في لندن.

أي أن حامل البكالوريوس من كلية العلوم في جامعة القاهرة يكافئ حامل البكالوريوس من جامعة لندن.

وضع قواعد واضحة لكل وظيفة وقواعد واضحة للترقية قائمة على البحث العلمي وألغى المحسوبية بكل صورها.

كما اعتمد على مبدأ تكافؤ الفرص كما عمل على زيادة مستوى نشاط البحوث العلمية داخل الكلية والارتقاء بمستوى التعليم

إنجازاته العلمية

وصل عدد أبحاثه التي نشرت في المجلات الدورية العالمية إلى 25 بحثاً.

وفي عام  1929، أصدر بحوثاً عن حركة الإلكترون كظاهرة موجبة وعن ميكانيكية الموجات والمفهوم المزدوج للمادة والإشعاع.

ثم نشر عام 1932 البحث الذي أكسبه سمعة عالمية كبيرة، وكان هذا البحث بعنوان: "هل يمكن اعتبار الإشعاع والمادة صورتين لحالة كونية واحدة؟" .

عام 1937 أجرى د. مشرفة بحثه المشهور عن السلم الموسيقى المصري ونشره في مجلة Nature ثم في مجلة الجمعية المصرية للعلوم.

ثم نشر بحثاً عن معادلة ماكسويل والسرعة المتغيرة للضوء، وغيرها من الأبحاث الهامة. 

إضافة إلى ذلك، أنتج حوالي 15 كتاباً علمياً عن النسبية والرياضيات والذرة وغزو الفضاء. 

ومن أهم كتبه: "نحن والعلوم" و"العلم والحياة" و"الذرة والقنبلة الذرية" و"الهندسة في عصر الفراعنة".

أحب مشرفة الشعر وكان ملماً بقواعد اللغة العربية، وعضواً بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية، حيث ترجم أبحاثاً كثيرة إلى اللغة العربية، وله مناظرة شهيرة مع طه حسين حول (أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم؟). 

إلى جانب هذه الإنجازات، نشر ما يقرب من 30 مقالاً منها: سياحة في فضاء العالمين، العلم والصوفية، اللغة العربية كأداة علمية، اصطدام حضارتين، مقام الإنسان في الكون

كان  مهتماً أيضاً بالعلاقة بين الموسيقى والرياضيات، وساعد في في إنشاء الجمعية المصرية لمحبي الموسيقى في عام 1945.

رفضه لقب الباشوية من الملك فاروق

وخلال هذه الفترة اشتهر الدكتور مشرفة على مستوى العالم بفضل أبحاثه الفيزيائية المميزة، الأمر الذي لفت انتباه الملك فاروق فمنحه لقب "باشا".

سبب عرض الملك هو زيارة مقررة للملك سعود، الذي كان سيزور الجامعة المصرية على أن يستقبله الدكتور مشرفة، وأحب فاروق أن يكون الشخص الذي يستقبل الملك سعود حاصلاً على لقب "باشا".

لكن مشرفة رفض اللقب مدعياً أنه لا يوجد لقب أهم من دكتوراه في العلوم، الأمر الذي أثار غضب الملك منه فمنع تعيينه كمدير لجامعة القاهرة.

عين إثر ذلك "إبراهيم شوقي" عميد كلية الطب بدلاً منه عام 1947، ثم تم إبعاد مشرفة عن وكالة الجامعة عام 1948 وتبع ذلك منعه للسفر إلى جامعة برينستون بأمريكا بعد أن دعي للتدريس بها من قبل آينشتاين.

علاقته بالقنابل الذرية

في عام 1945 عندما ألقيت القنبلة الذرية على نغازاكي وهيروشيما أصدر مشرفة كتاب "الذرة والقنبلة الذرية"، وكان يرى أن القنابل الذرية أداة ردع لا يجب استخدامها ولكن يلزم الحصول عليها.

ارتبط اسم الذرة في أذهان المصريين بالدكتور علي مصطفى مشرفة الذي طالب الحكومة المصرية بعمل هيئة لأبحاث الذرة، لكن لم تكن له أي علاقة بمشروع مانهاتن أو اختراع القنابل الذرية.

وفاة مشرفة وحقيقة اغتياله

في عام 1950 توفي مصطفى مشرفة في ظروف غير واضحة، وظهرت إشاعات بأنه اغتيل من قبل الموساد الإسرائيلي من خلال دس السم له فى فنجان قهوة عندما كان على متن طائرة.

كما وجه البعض أصابع الاتهام إلى الملك فاروق انتقاماً منه.

لكن شقيقه الدكتور عطية مشرفة أصدر كتاباً تحت عنوان "علي مصطفى مشرفة"  أكد فيه أن مشرفة لم يمت بالسم كما يقال، وإنما مات بشكل طبيعي على فراشه بعد صراع مع المرض.

حقيقة رثاء آينشتاين لمشرفة

نفى علماء كثيرون صحة رثاء آينشتاين لمشرفة، ومنهم الدكتور عادل عطية مشرفة، أستاذ الرياضيات بجامعة القاهرة ونجل شقيق العالم علي مصطفى مشرفة.

أرجع عادل السبب إلى أن هذه الواقعة تعود إلى عقدة النقص عند العرب "إذ يقومون بإلصاق رموزهم بالغرب بسبب الدونية".

وبغض النظر عن من رثاه وتكريماً لإنجازاته العديدة والهامة، أنشأت حكومة المملكة المتحدة منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسم "منحة نيوتن-مشرفة للدكتوراه في المملكة المتحدة" بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني.

تحميل المزيد