نشأت بمصر، ولعبت دوراً كبيراً بالانتفاضة.. قصة حركة الجهاد وسر استهداف إسرائيل لها بحربها الأخيرة

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/08 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/08 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة/ رويترز

"نحن نستهدف حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية فقط"، كانت إسرائيل حريصة في عدوانها الأخير ضد قطاع غزة، على التركيز على فكرة أنها تستهدف حركة الجهاد الفلسطينية، وليس حماس أو مجمل غزة، فما هي قصة هذه الحركة الفلسطينية وكيف نشأت وما طبيعة علاقتها بحماس ومصر وإيران وفتح وكيف يختلف نهجها عن حماس في المقاومة ومدى التنسيق بين الحركتين؟

تأتي هذه المعركة التي افتعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد عبر أسر القيادي بالجهاد بسام السعدي في الضفة ثم اغتيال القيادي بجناحها العسكري تيسير الجعبري لإظهار نفسه أنه الرجل القوي أمام الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات القادمة، رغم أنه لم يعد هناك أي تطور يستدعي التصعيد مع حركة الجهاد الفلسطينية، وفقاً لوسائل إعلام غربية وإسرائيلية.

وزعمت إسرائيل أنها لا تحارب شعب غزة، ولكنها تقاتل ذراع إيران في فلسطين، حسب تعبيرها.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تغتال إسرائيل فيها شخصيات بارزة في حركة الجهاد الفلسطينية، إذ سبق أن اغتال الموساد مؤسسها فتحي الشقاقي عام 1995 وقادة آخرين من الحركة، كما أنها ليست المرة الأولى التي تخوض الجهاد معركة منفردة مع إسرائيل.

إليك ما هو معروف عن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية

تعرّف "حركة الجهاد الفلسطينية" نفسها بأنّها "حركة إسلامية جماهيرية مجاهدة مستقلة، الإسلام منطلقها، والعمل الجماهيري الثوري والجهاد المسلح أسلوبها، وتحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني هدفها".

لا تعترف الحركة بأي اتفاقية أو مشاريع تسوية، وتعتبرها "باطلة"، وتحديداً اتفاق أوسلو (1993) الذي شكّل محطّة فاصلة في الخلاف بين "الجهاد" وحماس، وحركة "فتح".

 تهدف الحركة بحسب نظامها الأساسي إلى "تحرير كامل فلسطين، وإقامة حكم الإسلام على أرضها".

في حين أن حركة الجهاد الإسلامي لا تمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ بعيدة المدى مثل حماس، فإنها تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الصغيرة وقذائف المورتر والصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات وجناحاً مسلحاً نشطاً يُسمى سرايا القدس هاجم الكثير من الأهداف الإسرائيلية على مر السنين.

من الصعب الحصول على أرقام حديثة حول القوة البشرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، حيث تتراوح التقديرات من العام الماضي من حوالي 1000 إلى عدة آلاف مسلح، وفقاً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

نشأة الحركة

تعود جذور الحركة إلى أواخر السبعينيات لمؤسسها وأمينها العام الدكتور فتحي الشقاقي الذي درس الطب في جامعة الزقازيق وأسس الشكل الأولي للحركة مع مجموعة من الشباب الفلسطيني أثناء دراستهم في في مصر، حيث تأثروا بنشاط الحركة الإسلامية المصرية في ذلك الوقت.

وبعد عودته إلى فلسطين أخذت فكرة تأسيس تنظيم خاص تتبلور لديه وأسهم في ذلك عبد العزيز عودة. وفي منتصف الثمانينات أخذ الشقاقي يجري اتصالات مع عدد من المهتمين بالجهاد، فاتصل بسرايا الجهاد التي تشكلت في جنوب لبنان من الحركة الإسلامية المجاهدة، وكان يتزعمها حامد أبو ناصر ومحمود حسن وكمال قزاز، كما اتصل بالاتجاه الإسلامي في حركة فتح* وكان من رموزه منير شفيق ومحمد بحيص وحمدي سلطان، وبحركة الجهاد الإسلامي- بيت المقدس التي أسسها أسعد بيوض التميمي. وأسفرت هذه الاتصالات عن تشكيل تنظيم حمل اسم "حركة الجهاد الإسلامي". ولكن الخلافات بين عناصر هذا التنظيم أدت إلى الانفصال عنه، واحتفظ التنظيم الذي تزعمه الشقاقي باسم: حركة الجهاد الإسلامي* – فلسطين، وبدأ ظهور حركة الجهاد في صورة واضحة مع اندلاع الانتفاضة عام 1987* وكان الشقاقي أمينها العام والمسؤول العسكري فيها.

حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية
القائد في الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري الذي اغتالته إسرائيل/مواقع التواصل

في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1995، اغتيل الشقاقي على يد الموساد الإسرائيلي في مدينة "سليما" بمالطا، وخلفه في قيادة الحركة عبد الله شلّح المقيم في دمشق، والذي كانت قد سبقت أن فرضت عليه إسرائيل في أغسطس/آب 1983 الإقامة الجبرية وقيدت أنشطته وتحركاته.

لعب شلح دوراً سياسياً بارزاً في وضع الحركة على الخارطة السياسية العربية، وبناء علاقتها ببعض الأنظمة في المنطقة، مع الحفاظ على رفض "الجهاد" المبدئي الخوض في العمليّة السياسية، وإجراء الانتخابات. توقّف شلح عن أداء مهامه كأمين عام سنة 2018 إثر وعكة صحيّة، واختير زياد النخالة أميناً عاماً للحركة مكانه.

الجناح العسكري للجهاد

في النصف الثاني من عقد الثمانينيات تشكل الجناح العسكري والأمني للحركة تحت اسم "كتائب سيف الإسلام"، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة نت".

لعبت "الجهاد" دوراً مهماً في الانتفاضة الأولى في فلسطين عام 1987، ويشار إلى دور الذي لعبه أحد مؤسسيها، الشيخ عبد العزيز عودة، في تأجيج الانتفاضة من خلال خطاباته في مسجد عز الدين القسام، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

مع مطلع التسعينيات غيّرت الحركة بقيادة القيادي محمود عرفات الخواجا اسم الجناح العسكري إلى "القوى الإسلامية المجاهدة"، الذي عرف اختصاراً باسم "قسم".

خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، اتهمت إسرائيل شلّح بالمسؤولية المباشرة عن عدد كبير من عمليات الجهاد ضد أهداف إسرائيلية.

نفذ "قسم" عدة عمليات كبيرة، من أشهرها "بيت ليد"، و"ديزنقوف"، و"كفار داروم" و"نتساريم"، و"شرق جباليا"، و"موراج".

تغير اسم جناحها العسكري إلى "سرايا القدس"، الذي نفذ عدة عمليات استشهادية أثناء انتفاضة الأقصى.

بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الحركة على قائمة المنظمات الإرهابية.

سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد لديها ترسانة صواريخ أصغر من كتائب القسام الجناح العسكري لحماس/رويترز

9 مارس/آذار 2012: خاضت "سرايا القدس" معركة "بشائر الانتصار" رداً على اغتيال الأمين العام لألوية الناصر صلاح الدين الشيخ زهير القيسي، وخسرت خلالها 14 مقاتلاً من الوحدة الصاروخية التي أطلقت 185 صاروخاً وقذيفة على مستوطنات إسرائيل.

خاضت الحركة أيضاً معارك "السماء الزرقاء" و"كسر الصمت" و"البنيان المرصوص" ضد إسرائيل.

عام 2003: أدرجت الإدارة الأمريكية شلح ضمن قائمة من تعدهم "إرهابيين" بموجب القانون الأمريكي، وصدرت في حقه لائحة تضم 53 تهمة من المحكمة الفيدرالية الأمريكية الإقليمية بالمقاطعة الوسطى لولاية فلوريدا.

عام 2003: ناهضت الحركة اتفاقية أوسلو، وشاركت في عمليات المقاومة بجناحها العسكري "سرايا القدس"، كما رفضت المشاركة في العملية السياسية وقاطعت الانتخابات التشريعية الفلسطينية.

27 سبتمبر/أيلول 2018: انتخاب زياد النخالة أميناً عاماً جديداً للحركة خلفاً لرمضان شلح (المريض)، في أول انتخابات داخلية تجريها منذ تأسيسها قبل 3 عقود.

6 يونيو/حزيران 2020: أعلنت الحركة وفاة أمينها العام رمضان شلح عن عمر ناهز 62 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.

ملاحظات على مسيرة حركة الجهاد، هل جذورها سلفية أم إخوانية؟

نشأة حركة الجهاد مرتبطة بما يعرف بالصحوة الإسلامية في مصر في السبعينات والثمانينات وهي فترة لم تكن الانقسامات والتمييز بين فصائل الإسلاميين واضحة مثل ما هي عليه الآن بين سلفيين وإخوان، كما أن العداء بين السنة والشيعة لم يكن على حدته الحالية.

ويعني ذلك أن الجهاد تنتمي للجذر المشترك للحركات الإسلامية قبل تعمق انقساماتها، ولذلك فمؤسسها فتحي الشقاقي متأثر بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وكذلك بالإسلام المحافظ الأقرب للإسلام السلفي، وكذلك التوجه الثوري للثورة الإيرانية، فهو يجمع بين النزعة الثورية للثورة الإيرانية، والطابع المحافظ الذي يتسم به السلفيون وحركية الإخوان المسلمين.

الحركة منذ نشأتها كانت تركز على المقاومة، وتحديداً المقاومة ضد إسرائيل لتحرير فلسطين. وأكدت الجمع بين ما هو ديني ووطني واعتبرت أن فلسطين يجب أن تحتل مكانة مركزية في المشروع الإسلامي، وكان ذلك في وقت كانت فيه القضية الفلسطينية تمثل أيقونة المشروع القومي والاشتراكي العربي، ولكن هذا المشروع نفسه أصابته ضربات كبيرة، بدءاً من هزيمة 1967 ثم الحرب الأهلية اللبنانية وانتهاء الحكم ذي التوجه العروبي الاشتراكي في مصر، بتولي الرئيس أنور السادات الحكم ثم توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل.

في حين تراجع دور الإسلاميين في القضية الفلسطينية بعد الدور الكبير الذي لعبه الإخوان في القتال ضد العصابات الصهيونية في حرب النكبة عام 1948، ولكن الصراعات مع التيارات القومية والاشتراكية وتراجع دور الاسلاميين بصفة عامة أدى إلى ضعف أو غياب حضور الحركات الإسلامية في القضية الفلسطينية، ولكن ظهور الجهاد كان جزءاً من إعادة بلورة لأهمية فلسطين في أجندة الحركات الإسلامية.

حركة تركز على المقاومة ولا تشغل نفسها كثيراً بالسياسة

حركة الجهاد على عكس حركتي حماس وفتح تنظر لنفسها بالأساس بأنها حركة مقاومة، ولا تعطي أولوية للأنشطة الاجتماعية والدينية والسياسية مقارنة بفتح وحماس، وانعكس ذلك على بنية الحركة الأصغر حجماً من فتح وحماس وحساباتها التي تبدو أقل تعقيداً وأكثر تحرراً في مواجهة إسرائيل.

وزن الحركة الجماهيري أقل كثيراً من حماس ومن فتح ولكن الحركة رغم أنها ليس لها ظهير اجتماعي كبير، ولكنها تحظى باحترام عام في كل الأوساط الفلسطينية، بما في ذلك أوساط فتح والقوى اليسارية والوطنية الفلسطينية، إضافة لعلاقتها مع حماس.

خلال فترة الاقتتال الفلسطيني بين فتح وحماس بعد فوز الأخيرة بالانتخابات التشريعية عام 2006 لعبت الجهاد أحياناً دور الوسيط بين الطرفين بجانب مصر، وفي بعض الأحيان كانت تستهدف الجهاد إسرائيل بالصواريخ والقذائف لكي ترد الأخيرة عليها، فتضطر حركتا حماس وفتح إلى وقف القتال والتوجه لمحاربة إسرائيل.

أيضاً الجهاد كان لديها علاقات تنسيقية قوية في ميادين القتال مع كتائب شهداء الأقصى التي كانت تمثل الجناح العسكري لفتح (قبل أن ينتهي وجود هذه الكتائب فعلياً بسبب سيطرة حماس على غزة وتفكيك السلطة وإسرائيل لها في معظم مناطق الضفة).

وفي بعض الأحيان كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يشكو من أن شهداء الأقصى والجهاد أقل التزاماً من كتاب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس بأي اتفاقات كان يبرمها مع إسرائيل للتهدئة، خاصة عندما كان رئيساً للوزراء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

العلاقة مع حماس

شهدت العلاقة بين حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين خلال العقود الماضية فتراتٍ من المد والجزر، بناءً على تباين الرؤى واختلاف الاجتهادات في عدد من الملفات الداخلية والخارجية، فقد شهدت العلاقة بين الحركتين حالة من الجمود والتراجع بعد أحداث الانقسام الفلسطيني "الحسم العسكري لغزة" عام 2006م، بعدما سيطرت حركة حماس على القطاع، بعدما رفضت "فتح" التعامل مع حكومة حماس التي تشكلت بناء على نتائج الانتخابات التشريعية، حينها اتخذت حركة الجهاد الإسلامي موقفاً حيادياً، رافضةً دعم وتأييد موقف حركة حماس في غزة، وأكدت على الوقوف على مسافة واحدة بين طرفي النزاع، برغم ما تتعرض له قيادة حركة الجهاد وكوادرها- شأنها شأن حماس- من ملاحقة وتضييق وإذلال من قبل أجهزة "فتح" الأمنية في الضفة المحتلة.

رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار / رويترز

ولكن وصل التنسيق بين الحركتين خلال السنوات القليلة الماضية إلى مستوًى كبير وغير مسبوق من التعاون والتفاهم في كثير من القضايا، خاصةً في ظل التنسيق العسكري بين الجانبين، وتصاعد قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل كبير.

وقد بلغت ذروة هذا التنسيق والتعاون بين "حماس والجهاد" بعد انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار قبل عدم أعوام، والتي شجّعت فصائل المقاومة على تدشين جبهة سياسية موحدة مع قوى اليسار الفلسطيني لمواجهة صفقة القرن وسياسات السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس التي تراهن فقط على العملية السياسية.

وفي الوقت الحالي يظهر أن هناك علاقة وثيقة وتنسيقاً بين حماس والجهاد رغم أنهما تنظيمان مختلفان ولكن في النهاية المسافة الأيديولوجية ليست كبيرة.

العلاقة مع إيران

نشأة الجهاد جاءت نتيجة تأثر فتحي الشقاقي مؤسس الحركة بفكرة المقاومة على أساس إسلامي ونموذج الثورة الإيرانية في تثوير الإسلام، وهذا الأمر جعل خصوم الجهاد وايران على السواء يلجأون للمبالغة في العلاقة بين الحركة وطهران، بما في ذلك ادعاءات أنها مجرد ذراع لإيران أو مزاعم بوجود تأثيرات شيعية عليها.

وفي هذا الاطار، يقول باحث في الحركات الاسلامية كان زميلاً لفتحي الشقاقي في الجامعة لـ"عربي بوست" إن الشقاقي رغم أنه تأثر بالنموذج الثوري الإسلامي الإيراني، ولكنه كان حريصاً على التأكيد على الطابع السني للحركة وعدم انتقال أي تأثيرات مذهبية من خلال علاقتها بإيران، والتأكيد على أن العلاقة مع طهران هي تحالف إسلامي ضد إسرائيل، ليس أكثر من ذلك، ولا يشمل اتخاذ موقف من أي طرف عربي أو دولي آخر.

نظراً إلى أن إمكانيات الجهاد أقل من حماس فإنه بطبيعة الحال يعتقد أنها أكثر اعتماداً في التمويل والدعم العسكري على إيران من حماس، ولكن عكس  الادعاءات الإسرائيلية وبعض  التقارير الإعلامية العربية المعادية لإيران، فإن الجهاد لم تؤيد طهران على الإطلاق في القضايا المثيرة للجدل أو التي أثارت الغضب في العالم العربي سواء في سوريا أو لبنان أو اليمن.

وفي عام 2012، غادرت قيادة حركة الجهاد الإسلامي بهدوء سوريا بعد ممارسات النظام ضد الشعب السوري في دمشق، وتوزعت على عدد من المناطق في العالم.

وقدمت الجهاد خدمات إغاثية للمشردين والنازحين الفلسطينيين والسوريين، وقُتل  عناصر من نشطاء الإغاثة والإسعاف التابعين للحركة، خلال الصراع الدائر بسوريا، حسبما قال الناطق الرسمي باسم حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب لموقع الجزيرة نت في عام 2013.

وأدت مواقف الحركة من الصراع في سوريا واليمن إلى إغضاب طهران ودفعها إلى تقليص تمويلها للحركة منذ عام 2015، وهو الأمر الذي أدخل الحركة في أزمة ماليّة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor الأمريكي.

والملاحظ أن منتقدي علاقة الجهاد بإيران، لا يركزون كثيراً على أن بعض فصائل الحركات الفلسطينية اليسارية الموالية للأسد كانت قد أرسلت مقاتلين لدعمه في الحرب السورية.

الدرس الذي تعلمته الجهاد وحماس من دور منظمة التحرير بلبنان والأردن

وبصفة عامة فإن الجهاد وحماس (التي تعود جذورها لجماعة الإخوان المسلمين) تشددان على عدم التدخل في أي قضايا خارجية غير قضية فلسطين، إلا فيما ندر، فعلى سبيل المثال، هما تحاولان الحفاظ على علاقة جيدة مع مصر في عهد الرئيس السيسي، رغم الإطاحة بالرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي ومذبحة ميدان رابعة العدوية عام 2013، وقبل ذلك كانت الحركتان تحتفظان بعلاقة وثيقة مع نظام حسني مبارك، حيث كان يستقبلهما رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان في نفس الوقت الذي يعتقل جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حالياً) التابع للشرطة المصرية قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.

إذ تحاول حماس والجهاد التعلم من أخطاء الحركات الفلسطينية في السبعينيات، سواء فتح أو بقية الحركات الفلسطينية التي انخرطت في الصراعات الداخلية العربية، وأصبحت أحياناً أداة في يد أطراف هذه الصراعات مثلما حدث في الأردن، وبشكل أكبر في لبنان، حيث تحالفت مع القوى اليسارية التي يقودها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي ضد القوى اليمينية التي يغلب عليها المسيحيون، ومن ثم تحول الصراع إلى معركة بين المسيحيين والفلسطينيين في لبنان، وعندما دخل النظام السوري لبنان انضم له وليد جنبلاط بعد وفاة والده تاركاً الفلسطينيين وحدهم يقاتلون النظام السوري الذي انحاز في بداية الحرب لمسيحيي لبنان، كما أنه في المعارك مع الاحتلال الإسرائيلي وقف الدروز تقريباً على الحياد، رغم أن بعض المعارك بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي دارت في مناطقهم.

كما أن تزايد الدور الفلسطيني في لبنان خلال الحرب الأهلية أدى إلى استياء في أوساط السنة اولشيعة في بعض الأحيان، وهما الطائفتان اللتان تقليدياً الأكثر تأييداً للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية في لبنان.

وبصفة عامة فإن تورط المنظمات الفلسطينية في الصراعات الداخلية اللبنانية جعلهم جزءاً من الانقسامات الطبقية والاجتماعية والطائفية اللبنانية بشكل لم يكن مفيداً على الإطلاق للقضية الفلسطينية، بغض النظر عن أن كثيراً من المطالب الخاصة بالمسلمين التي دعمتها الفصائل الفلسطينية في ذلك الوقت كانت صحيحة ومنطقية.

الموقف من المقاومة ضد إسرائيل 

هناك بعض الاختلافات بين حماس والجهاد في منهج المقاومة ضد إسرائيل.

حماس حركة كبيرة تعتبر نفسها حركة مقاومة، وفي الوقت ذاته حركة جماهيرية ودينية وسياسية وأصبحت حزباً حاكماً في غزة، وبالتالي عندما تتخذ قراراً يتعلق بالمقاومة لا تراعي فقط البعد النضالي بل تراعي مصالح سكان قطاع غزة الذي تتحمل مسؤوليته. هذا يجعل حركة الجهاد أكثر تحرراً أحياناً في التعامل مع إسرائيل.

ولكن من الملاحظ أنه خلال السنوات الماضية تعزز التنسيق بين الحركتين وأنه بات هناك أحياناً تقسيم أدوار أكثر منه خلافات بين الحركتين، سواء فيما يتعلق بالمواجهة مع إسرائيل أو العلاقة مع إيران، كما يعتقد أنه هناك مقدار أكبر من التنسيق الميداني بين الحركتين مقارنة بالفترة التي سبقت حكم حماس لغزة.

ورغم علاقة الجهاد بفتح كانت ميدانياً قوية لا سيما بكتائب شهداء الأقصى، ولكن يجب ملاحظة أن الجهاد في مواقفها فيما يتعلق بعملية السلام والتفاوض مع إسرائيل تقع على يمين حماس، فهي رافضة لها بشدة؛ مما يجعلها على خلاف كبير مع السلطة الفلسطينية في هذا الملف.

جناحها العسكري له وجود قوي بالضفة يقلق إسرائيل

يلاحظ أن إحدى نقاط قوة الجهاد هي وجود جناح عسكري لها يعتبر قوياً نسبياً في الضفة الغربية، وهو أمر لا يتوفر تقريباً لحماس في الوقت الحالي، والسبب يعود إلى حرص السلطة الفلسطينية نفسها في مرحلة ما على القضاء على أي وجود عسكري لحماس في الضفة خوفاً من منافساتها لفتح، وأيضاً إلى أن هناك وجوداً تاريخياً للجهاد في جنين، معقل المقاومة في الضفة، بينما لم يكن وجود القسام كبيراً، في جنين خاصة عندما وقعت معركة مخيم جنين الشهيرة عام 2002 بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وبين مقاتلي سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد وشهداء الأقصى الجناح العسكري لفتح.

 كما أن الجناح العسكري لحماس في الضفة تعرض لموجة اغتيالات عنيفة من إسرائيل في فترة مبكرة، بعد أن كان به عدد من القيادات البارزة. 

وجزء من أسباب استهداف إسرائيل للجهاد في المعركة الأخيرة، هو الدور النشط للحركة في الضفة الذي يقلق سلطات الاحتلال، إضافة إلى أنها أصغر حجماً من حماس، الأمر الذي يقلل من تداعيات المواجهة معها على الداخل الإسرائيلي.

تحميل المزيد