بمناسبة اجتماعه السنوي في واشنطن الأسبوع المقبل، يتعرض صندوق النقد الدولي لاتهامات خطيرة تتعلق بمخالفة سياسات الإقراض الخاصة به والتسبب في كوارث اجتماعية واقتصادية في البلدان النامية والفقيرة التي تلجأ إليه، فما قصة صندوق النقد الدولي؟ وما أهدافه؟ وهل تتحقق فعلاً؟ وما الدول المتحكمة فيه؟
ماذا يحدث؟
الاجتماع السنوي لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي سينعقد في واشنطن الأسبوع المقبل، وسط اتهامات بانتهاك الصندوق لقواعد الإقراض واتباعه سياسات غير منضبطة تتسبب في زيادة الأعباء الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية في 18 دولة أبرزها الأرجنتين، بحسب تقرير اليوم الإثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول لصحيفة الغارديان البريطانية.
مجموعة من المنظمات غير الحكومية في المملكة المتحدة والتي تطالب صندوق النقد الدولي بإسقاط ديون الدول الفقيرة شنت هجوماً عنيفاً على سياسات الصندوق بعد أن بلغت قيمة القروض التي قدمها لـ18 دولة 93 مليار دولار، أكثر من نصفها للأرجنتين، دون وجود ضمانات لقدرة تلك الدول على تحمل أعباء تلك الديون.
وقال تحالف منظمات حملة إسقاط الديون: "الصندوق لا يهتم بالمخاطر الأخلاقية والاجتماعية التي تتسبب فيها تلك القروض طالما أن مانحيها يضمنون أموالهم بغض النظر عن آثارها في البلدان المقترضة"، وقد ازدادت الانتقادات الموجهة للصندوق العام الماضي بعد قراره بإقراض الأرجنتين 56 مليار دولار، رغم أن الدولة قد تعرضت للإفلاس قبل 17 عاماً، وربما تكون الآن على شفا الإفلاس مرة أخرى.
ما علاقة مصر بالصندوق؟
الصندوق رد على الانتقادات بأن الأرجنتين دولة لها وضع خاص، لكن التحالف قال إن الأرجنتين هي النموذج الصارخ لكنها ليست الوحيد، فهناك 17 دولة أخرى يقرضها الصندوق بصورة "متهورة" لا تراعي مصلحة الدول نفسها، وهي: أفغانستان وأنغولا والكاميرون وجمهورية وسط إفريقيا والإكوادور ومصر وغانا والأردن وموريتانيا ومنغوليا وباكستان وساو تومي وسيراليون وسريلانكا وتونس وأوكرانيا، وأضاف التحالف أن الهيئات المانحة للقروض قد صنفت مصر وباكستان والإكوادور "دول ذات مخاطر عالية".
وقالت سارة جين كليفتون، مديرة حملة إسقاط الديون: "سياسات صندوق النقد الدولي تحظر إعطاء قروض لدول تعاني من موقف اقتراضي غير قابل للاستدامة، لكننا نرى الصندوق يفرط في انتهاك تلك السياسة ويقدم قروضاً لمقترضين متهورين، ما يتسبب في مخاطر أخلاقية في نظام الإقراض السيادي".
وأضافت: "إن الاستمرار في تقديم قروض لدول تعاني من جراء أعباء الديون دون تقديم حلول إعادة جدولة لتلك الديون لتخفيف أعبائها يضع مزيداً من الأعباء على كاهل مواطني تلك الدول مع وضع ضمانات صارمة لتسديد القروض ما يزيد من وطأة الموقف الاقتصادي في تلك الدول وتستمر دورة القروض المرهقة".
ما صندوق النقد الدولي؟
تم إنشاء صندوق النقد الدولي مع نهاية الحرب العالمية الثانية حين اجتمع أعضاء وفود 44 بلداً في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية في يوليوز/تموز 1944 لإنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكان الهدف هو وضع نظام مالي عالمي جديد يسهم في تجنب تكرار ما حدث عقب نهاية الحرب العالمية الأولى.
وتم الاتفاق على تأسيس البنك الدولي للإنشاء والتعمير بغرض العمل على استعادة النشاط الاقتصادي، وتأسيس صندوق النقد الدولي بهدف المساعدة في استعادة قابلية تحويل العملات والنشاط التجاري متعدد الأطراف.
صندوق النقد الدولي مؤسسة تابعة للأمم المتحدة وتشارك في عضويتها جميع دول العالم، والمصدر الرئيسي لموارد الصندوق هو اشتراكات الحصص (أو رأس المال) التي تسددها البلدان عند الانضمام إلى عضوية الصندوق أو في أعقاب المراجعات الدورية التي تزاد فيها الحصص، وتدفع الدول 25% من اشتراكات حصصها بحقوق السحب الخاصة (الذهب الورقي) و75% بالعملة الوطنية، لأغراض الإقراض حسب الحاجة.
وتحدد الحصص ليس فقط مدفوعات الاشتراك المطلوبة من البلد العضو، وإنما أيضاً عدد أصواته وحجم التمويل المتاح له من الصندوق ونصيبه من مخصصات حقوق السحب الخاصة. والهدف من الحصص عموماً هو أن تكون بمثابة مرآة لحجم البلد العضو النسبي في الاقتصاد العالمي، فكلما ازداد حجم اقتصاد العضو من حيث الناتج وازداد اتساع تجارته وتنوعها، ازدادت بالمثل حصته في الصندوق.
ما الغرض من الصندوق؟
بحسب الموقع الرسمي للصندوق، الهدف من قروض الصندوق هو إعطاء البلدان الأعضاء فرصة لالتقاط الأنفاس حتى تنتهي من تنفيذ سياسات تصحيحية منظمة تستعيد بها الظروف الملائمة لاقتصاد مستقر ونمو مستدام. وتختلف هذه السياسات باختلاف الظروف في كل بلد.
فالبلد الذي يواجه هبوطاً مفاجئاً في أسعار صادراته الأساسية قد يحتاج إلى مساعدة مالية حتى ينتهي من تنفيذ إجراءات لتقوية اقتصاده وتوسيع قاعدة صادراته. والبلد الذي يعاني من خروج التدفقات الرأسمالية بشكل حاد قد يحتاج إلى معالجة المشكلات التي أدت إلى فقدان ثقة المستثمرين، فربما تكون أسعار الفائدة شديدة الانخفاض أو عجز الموازنة ورصيد الدين يتناميان بسرعة كبيرة أو النظام المصرفي غير كفء أو ضعيف التنظيم.
ما آلية اتخاذ القرار؟
الهيكل التنظيمي للصندوق يشمل مجلس المحافظين، ويضم ممثلين لكل البلدان الأعضاء، وهو صاحب السلطة العليا في إدارة الصندوق ويجتمع في العادة مرة واحدة سنوياً خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويقوم كل بلد عضو بتعيين محافظ (عادة ما يكون هو وزير المالية أو محافظ البنك المركزي في ذلك البلد) ومحافظ مناوب.
ورغم أن مجلس المحافظين يبت في قضايا السياسات الكبرى، فإنه فوض المجلس التنفيذي في اتخاذ القرارات المتعلقة بأعمال الصندوق اليومية. ويجري النظر في قضايا السياسات الأساسية المتعلقة بالنظام النقدي الدولي مرتين سنوياً في إطار لجنة من المحافظين يطلق عليها اسم اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، (وهي التي كانت تعرف باسم اللجنة المؤقتة حتى سبتمبر/أيلول 1999). أما لجنة التنمية، وهي لجنة مشتركة بين مجلس محافظي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فهي تقدم المشورة إلى المحافظين وترفع إليهم تقاريرها حول سياسات التنمية والمسائل الأخرى التي تهم البلدان النامية.
ويتألف المجلس التنفيذي من 24 مديراً، ويرأسه المدير العام للصندوق، ويجتمع المجلس التنفيذي عادة ثلاث مرات في الأسبوع في جلسات يستغرق كل منها يوماً كاملاً، ويمكن عقد اجتماعات إضافية إذا لزم الأمر، وذلك في مقر الصندوق في واشنطن العاصمة. وتخصص مقاعد مستقلة في المجلس التنفيذي للبلدان المساهمة الخمسة الكبرى وهي: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة إلى جانب الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية. أما المديرون الستة عشر الآخرون فتتولى انتخابهم مجموعات من البلدان تعرف باسم الدوائر الانتخابية لفترات مدتها عامين.
ما الدول التي لها حق الفيتو؟
الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم، تسهم بالنصيب الأكبر في صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك حق تعطيل قرارات صندوق النقد الدولي أو حق الفيتو.
ما أبرز الانتقادات الموجهة للصندوق؟
عالم الاقتصاد الكندي ميشيل تشوسودوفيسكي يقول إن "برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد في بعض الأحيان فقيراً كما كانَ من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراء".
الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي وأحد أهم مساعدي الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون توصل في أحد أبحاثه إلى أن "القروض التي يقدمها الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية ودول العالم الثالث.
لكن أبرز الانتقادات الموجهة للصندوق تتركز على سطوة الولايات المتحدة الأمريكية وتحكمها وقدرتها على إعطاء القرض من عدمه لأي دولة، حيث إنها الدولة الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو من بين الدول الأعضاء.
كما أن صندوق النقد الدولي يتعرض للانتقاد لأنه يتبنى سياسات رأسمالية بحتة تشجع قواعد السوق الحر ويرفض أية قيود من الدول المقترضة على النقد الأجنبي، وضد الرقابة على الصرف، وضد أي تدخل من الحكومات في السياسات النقدية، ويشجع أيضاً بشكل مباشر القطاع الخاص واقتصاد السوق الحر، ويقدم نفس التوصيات والنصائح لكل الدول، ما لا يعطي أية مساحات للدول التي قد يكون وضعها الاقتصادي والاجتماعي مختلفاً إلى حد كبير مع نظيرتها من الدول المقترضة الأخرى.
ورغم أنّ صندوق النقد الدولي التابع للأمم المتحدة، دوره دعم الاقتصاد العالمي، والمعاملات التجارية بين البلاد المختلفة، فإنّه عادة ما يتم اتهامه بكونه أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، "ونهب وتدمير اقتصاد الدول النامية"، وفقاً لـ "جون بيركنز"، مؤلف كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" الذي ترجم إلى 30 لغة بما فيها اللغة العربية التي صدر فيها تحت عنوان: "الاغتيال الاقتصادي للأمم".
ماذا قال الدكتور مهاتير محمد عن نجاح ماليزيا اقتصادياً؟
ربما يكون ما قاله الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا عن أبرز أسباب النهضة الاقتصادية التي شهدتها البلاد تحت قيادته معبراً بشكل مباشر عن حقيقة الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي، حيث إنه رد على سؤال كيف نهضت ماليزيا اقتصادياً بقوله: "خالفت توصيات صندوق النقد الدولي، وفعلت عكس ما طلبه من إجراءات".