تصاعدت قضية اعتقال السعودية للعشرات من أنصار حركة حماس لتصل إلى ذروتها بعد أن آثرت الحركة الصمت لعدة أشهر، لتخرج أخيراً عن صمتها بعد أن رفضت السلطات السعودية التعاون مع حماس لحل القضية وفرضت عليها شروطاً صعبة.
في هذا التقرير نرصد الأسباب الحقيقية وراء اعتقال مواطنين فلسطينيين محسوبين على حركة حماس في السعودية رغم أنهم يمارسون أنشطتهم بعلم وأحياناً بتشجيع من السلطات السعودية.
عوامل عديدة ساهمت في القرار السعودي، ومنها التقارب السعودي-الإماراتي نحو المحور الأمريكي-الإسرائيلي.
ولكن أحد أسباب انقلاب الموقف السعودي على حماس إضافة إلى التغيير في السياسة السعودية في المنطقة، هو وجود تراكمات وضغوطات سياسية وأمنية على الرياض منذ سنوات لمنع تحركات الناشطين الفلسطينيين المحسوبين على حركة حماس أو الحد من نشاطهم المتعلق على وجه الخصوص بجمع التبرعات لدعم المقاومة الفلسطينية.
السفارة الفلسطينية بالسعودية تتجسس عليهم
تعتبر السفارة الفلسطينية إحدى الأدوات والوسائل المساعدة التي أسهمت بشكل فاعل في تحفيز الرياض على متابعة تحركات ونشاطات الحركة، وخاصة أنّ السفارة الفلسطينية في السعودية تخضع للتجاذبات الفلسطينية الداخلية بين تيارين أساسيين، يتمثل التيار الأول في التيار التابع لمحمد دحلان والتيار الآخر التابع للرئاسة الفلسطينية المتمثل في الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وكلا الطرفين كان لهما دور كبير وفاعل في متابعة نشاطات حركة حماس في السعودية.
إذ كانت السلطة الفلسطينية تسعى إلى تقويض نشاطات الحركة في المملكة ولا تريد لها الاستمرار، وكانت مستاءة من السكوت الذي تبديه الرياض عن الحركة ونشاطاتها في فترة ما قبل وصول الملك سلمان ونجله محمد إلى الحكم، وبالتحديد في فترة الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي كان وزيراً للداخلية والذي كان يدعم الحركة في كثير من الفترات.
حماس تزدهر في ظل وجود الأمير نايف.. اجمعوا تبرعات كما تشاؤون
وقالت مصادر رفيعة المستوى من ناشطين محسوبين على حركة "حماس" بالداخل السعودي لـ"عربي بوست"، إنّ فترة وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز كانت فترة ذهبية للحركة.
فقد أعطى نايف الضوء الأخضر أكثر من مرة لقيادات الحركة وعلى رأسهم خالد مشعل الذي أخبره أنّ السعودية لا تمانع أبداً بقاء ناشطي ورموز الحركة التابعين لها في العمل على جمع التبرعات للحركة، بل وحتى حرية التحرك وممارسة الأنشطة للحركة.
لكن شريطة أن تكون هذه الأنشطة بعيدة عن الأضواء، خاصة في ظل ورود تقارير وشكاوى متكررة للقيادة السعودية تعبّر فيها السلطة الفلسطينية وقياداتها عن تذمرها ومنهم محمود عباس ومحمد دحلان، وذلك من النشاط المتزايد للحركة على الأراضي السعودية.
الأمر الذي دفع بمحمود عباس ومحمد دحلان إلى تقديم تقارير ورسائل عن نشاطات الحركة وصمت الرياض عن نشاطات حماس في الداخل السعودي إلى الإدارة الأمريكية أيام الرئيس جورج بوش وأوباما ومؤخراً إدارة ترامب، وذلك للسعي إلى ممارسة ضغوط على القيادة السعودية لتقويض نشاطات حماس وناشطيها التابعين لها بالسعودية بل وحتى العمل على محاصرتها وتصفيتها بشكل نهائي.
وبعدما فشلا في إقناع الرياض.. السلطة ودحلان يحرضان الأمريكيين
إلا أنّ السلطة الفلسطينية لم تفلح في مساعيها في فترة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبشكل أخص في فترة تواجد وقوة الأمير نايف بن عبدالعزيز وجناحه التابع له الذي كان يدعم الحركة سراً وبعيداً عن الأضواء، وهذا ما كانت تدركه وتستشعره مجموعة الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان، اللتين لم تكونا راضيتين عن هذا الدعم غير المعلن لحماس الذي تسمح به الرياض.
ولذلك سعت السلطة عبر أجهزتها الأمنية وتحديداً من قبل الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية لتقديم تقارير أمنية ورفعها إلى المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، التي بدورها نقلت هذه التقارير إلى الإدارات الأمريكية.
وبالفعل طالبت واشنطن الرياض بتسليمها المواطن الأمريكي من أصول فلسطينية رجل الأعمال مشتهى بسبب ورودها تقارير عن تقديمه الدعم لحركة حماس عبر أنشطته التجارية التي كان يمارسها في الداخل السعودي.
كما دأب التيار المحسوب على دحلان في السفارة الفلسطينية السعودية منذ سنوات على رفع تقارير أمنية عن نشاطات الشخصيات الفلسطينية في السعودية المحسوبة على حركة حماس فكان عملاء من السفارة الفلسطينية يرصدون تحركات ونشاطات الفلسطينيين المحسوبين على الحركة ويرفعون ويقدمون التقارير للأجهزة الأمنية الفلسطينية من الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية والتي بدورها تقوم بإيصال هذه المعلومات عن طبيعة النشاطات إلى المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
وتؤكدّ المصادر الخاصة لـ"عربي بوست"، وجود مواطنين فلسطينيين يعملون كعملاء لصالح السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى عملهم لصالح محمد دحلان، فمنهم من يعمل على شكل موظفين داخل السفارة والقنصلية الفلسطينية في كل من الرياض وجدة، ومنهم من يعمل كموظفين عاديين في مؤسسات وشركات سعودية، حيث ينقلون معلومات عن نشاطات الحركة وناشطيها التابعين لها داخل السعودية، ويقدمون تقارير أمنية رسمية إلى السفارة الفلسطينية التي تقوم بدورها برفعها إلى الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية والتي بدورها تقوم بنقلها إلى مكتب الرئاسة الفلسطينية.
ماذا كانت طبيعة نشاط الحركة في السعودية؟
عشرات الشخصيات التابعة لحماس تعمل في السعودية منذ سنوات على دعم الحركة وجمع التبرعات لها من كبار التجار ورجال الأعمال بالسعودية، تمهيداً لإرسالها إلى الحركة في الضفة والقطاع لتقديم الدعم المالي لها، إضافة إلى اعتماد الحركة على الاشتراكات الشهرية لأعضائها المنتسبين لها والتابعين لها والذين يعملون في الداخل السعودي في مختلف المهن الطبية والهندسية، إضافة إلى عملهم في المجال الاقتصادي والقطاع التجاري، حيث تتركز نشاطاتهم في المدن الرئيسية مثل: الرياض والدمام وجدة ومكة.
وتؤكدّ المصادر بدورها أنّ السلطات السعودية كانت تتغاضى قبل وصول الأمير محمد بن سلمان للحكم عن نشاطات الحركة وتحركات رموزها وناشطيها في الداخل السعودي، بل كانت في كثير من الأحيان تعطي لهم الدور الأخضر في ممارسة هذه النشاطات.
وكان تركيز السعودية الرئيسي ألا تظهر هذه التحركات للعلن حتى لا تسبب لنفسها أي إحراج أمام المجتمع الدولي وتحديداً أمام واشنطن التي لم تتوقف عن ممارسة الضغوط على السعودية لإيقاف وتجميد نشاطات الحركة في السعودية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
إلا أنّ شهر العسل والذي يمكن تسميته بالتحالف غير المعلن بين السعودية والحركة، لم يدم طويلاً بعد وصول بن سلمان للحكم الذي أبدى تحركات عكسية لما هو متعارف عليه من الجناح الذي كان يدعم الحركة داخل الأسرة الحاكمة وتحديداً ذلك الجناح المحسوب على الأمير نايف بن عبدالعزيز.
أدى التبادل المعلوماتي بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية بفعل عملاء السفارة الفلسطينية إلى زيادة الضغوط على السعودية لمنع حركة حماس والمحسوبين عليها منذ أيام وزير الداخلية الأمير نايف ومحمد بن نايف إلا أنّ هذا التيار كان يرفض الانصياع وراء المطالب الأمريكية-الإسرائيلية، إلى أن جاء محمد بن سلمان وانصاع انصياعاً كاملاً للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وقام بإيقاف وتجميد نشاط الحركة في السعودية واعتقال ناشطيها.
مسؤولو حماس المعتقلون كانوا يعملون بعلم السلطات السعودية
كان رموز الحركة يزورون السعودية تحت مرأى ومسمع السلطات وبتنسيق مع جهاز المباحث العامة السعودية، ويلتقون بشخصيات محسوبة على الحركة داخل السعودية.
وكانت هذه الزيارات تتم بتنسيق مع جهاز المباحث العامة السعودية، الذي كان يتبع وزارة الداخلية التي كان يقودها الأمير نايف ونجله، قبل أن يتم فصل الجهاز وتصفيته ليصبح تابعاً لرئاسة أمن الدولة وذلك بأمر ملكي من الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ويعدّ محمد الخضري (81 عاماً) المعتقل بسجن ذهبان، أحد أهم الشخصيات المحسوبة على حماس في السعودية فهو يمثل مسؤول العلاقات والاتصال بين الحركة والسعودية، منذ مطلع التسعينيات، وذلك وفق تفاهمات مبرمة مع رئيس جهاز الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل الذي يعدّ من الشخصيات الداعمة للتواصل مع حركة حماس في فترة توليه المنصب، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست".
كما يعدّ الدكتور جهاد سويلم الذي كان ناشطاً في الندوة العالمية للشباب الإسلامي-لجنة شباب فلسطين، وهي هيئة مستقلة داخل الندوة لجمع الأموال للقضية الفلسطينية ولها علاقات معروفة مع حركة حماس بالداخل والخارج قبل أن يستقر بتركيا بعد تركه للأراضي السعودية إثر التضييق على نشاطات الحركة فيها.
الاعتقالات شملت شخصيات أخرى تقّدم دعماً لوجستياً ومهماً لحماس عبر التواصل مع رجال أعمال واقتصاديين سعوديين لمدّ الحركة في القطاع وغزة بالتبرعات اللازمة ومنهم بلال يحيى العقاد وأيمن محمد غزال وعشرات الشخصيات الأخرى وكل هذه الشخصيات تعمل من خلف الكواليس في الداخل السعودي على مرأى ومسمع السلطات، إلا أنّه وبعد صعود الملك سلمان ونجله للحكم انقلب كل شيء رأساً على عقب.
احتجاز بدون توجيه تهم
احتجاز الرياض للمعتقلين الفلسطينيين المحسوبين على حركة "حماس" ليس له مبرراته، خاصة وأنّه لم توجه لهم السلطات السعودية أي تهم واضحة.
وهنا يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، المقرب من حركة "حماس"، لـ"عربي بوست"، إنّ هؤلاء الفلسطينيين المعتقلين لدى السلطات السعودية لم توجه لهم أي تهمة ولم ينتهكوا القانون السعودي بتاتاً فهم مواطنون فلسطينيون وجزء منهم يحمل الجنسية الأردنية، فكل تهمتهم أنّهم مع القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية ويعملون على دعم صمود أهالي القدس أمام حالة التهويد والترحيل والاستهداف لهم.
بالإضافة إلى أنّ هناك مساعدات يقدمها هؤلاء المحسوبون على الحركة في السعودية لأهالي قطاع غزة للتغلب على الحصار، مشيراً إلى أنّه حتى هذه اللحظة لا توجد تهم حقيقية ورسمية لهم ولم توجه أي من التهم ولم يُرسلوا للمحاكمة.
ويهيب المدهون بالسلطات السعودية بضرورة أن يتم إنهاء هذا الملف وإطلاق سراحهم جميعاً لأنّ هناك مجموعة فاقت الستين شخصاً تمّ اعتقالهم بطرق مختلفة وأودع مجموعة منهم في سجون الرياض وقسم آخر بجدة.
رفض سعودي لإعادة العلاقات مع حماس أو فتح حوار معها إلا بتنفيذ هذا الشرط
وهناك إصرار سعودي على عدم فتح أي نافذة حوار مع حركة حماس في الداخل السعودي والخارج ورفضها مقابلة أي مسؤول في الحركة حتى هذه اللحظة.
وهذا ما يؤكده مصدر رفيع المستوى في الحركة رفض الكشف عن اسمه، والذي أكدّ بدوره أنّ قيادات حماس تواصلت أكثر من مرة مع القيادة السعودية عبر نوافذ مختلفة منها الديوان الملكي وجهاز أمن الدولة السعودي، إلا أنّهما رفضا، وربطت إعادة العلاقة مع الحركة بقطع علاقاتها مع إيران.
ويؤكدّ المحلل السياسي إبراهيم المدهون أيضاً، بأنّ حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى حاولت وتحاول التواصل مع السلطات السعودية من أجل طي ملف المعتقلين الفلسطينيين بعيداً عن الإعلام، مشيراً إلى أنّ هناك محاولات ما زالت تتم من أجل التواصل والتوسط لإقفال هذا الملف.
لكنّ المشكلة تتمثل في محاولة السلطات السعودية التماهي مع الإدارة الأمريكية في الضغط على الشعب الفلسطيني وخصوصاً مؤيدي المقاومة الفلسطينية أو من يرفض أي حلول تسوية لصالح إسرائيل، مشدداً على أنّه لا يوجد أي مبرر لاعتقال هذا العدد وبهذه الطرق المختلفة واستمرار اعتقالهم، مشيراً إلى أنّ السعودية تجاوزت لدورها المعروف في دعم الشعب الفلسطيني واحتضان قضيته والسماح له بممارسة جميع أشكال المقاومة أو جميع أشكال التأييد للقضية الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني.
ويشير المدهون إلى أنّ ممثل حماس في السعودية د. محمد الخضري لم يعد له نشاط فعلي في الداخل السعودي فهو شخصية كبيرة في السن ومريضة ولا يمارس أي دور، لكنّ المدهون يعبّر عن أمله وثقته الكبيرة في السعودية لتجاوز هذه الإشكالية، فهذا ديدنها في دعم الشعب الفلسطيني إن كان على المستوى الرسمي أو الشعبي وحتى حركة حماس تمّ احتضانها وكانت السعودية من أكثر الداعمين لحماس وهو المنتظر منها.