العودة إلى الطبيعة.. كيف يغير “الاستحمام في الغابات” من روتين حياتك ويقلبها رأساً على عقب؟

عرف اليابانيون منذ سنوات أن قضاء وقت ممتع في الغابة مفيد للجسد والروح، والآن يتفق معهم الأطباء الغربيون، وأفراد العائلة المالكة البريطانية، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/12 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/03 الساعة 15:24 بتوقيت غرينتش

لو لم يكن لديك وقت للقراءة.. استمع إلينا "عربي بوست بودكاست"

عرف اليابانيون منذ سنوات أن قضاء وقت ممتع في الغابة مفيد للجسد والروح، والآن يتفق معهم الأطباء الغربيون، وأفراد العائلة المالكة البريطانية، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

حيث يتوجه الدكتور تشينغ لي، يوميًا، وبصرف النظر عن الوقت الذي تهطل فيه الأمطار بغزارة، إلى حديقة مليئة بالأشجار وتغطيها الخضرة بالقرب من كلية طب نيبون في طوكيو حيث يعمل، وهي ليست مجرد مكان لطيف لتناول الغداء.

فهو يعتقد أن الوقت الذي يقضيه تحت ظلال الأشجار يعد عاملاً أساسياً في مكافحة الأمراض، للنفس والجسد.

لذلك، يقضي لي 3 أيام في الشهر في الغابات بالقرب من طوكيو، مستخدماً حواسه الخمسة جميعاً لتصفية ذهنه والتواصل مع البيئة.

ما الفائدة من ممارسة حمام الغابة؟

يقول لي إن ممارسة ما يعرف بـ"شينرين-يوكو"، أو حمام الغابة، تُمكِّنَك من مواجهة الأمراض بما في ذلك السرطان والسكتات الدماغية وقرحة المعدة والاكتئاب والقلق والإجهاد، علاوة على أنها تُعزِّز الجهاز المناعي، وتخفض ضغط الدم وتساعد على النوم.

وقريباً يمكن أن يبدأ الأطباء في بريطانيا في وصفها.

خلال الأسبوع الماضي، اقترحت منظمة Woodland Trust الخيرية أن يكون الاستحمام بالغابات (الذي ليس له علاقة بالماء، على الرغم من اسمه) من بين مجموعة من العلاجات والأنشطة غير الطبية التي أوصت بها جراحات الأطباء العامين لتعزيز راحة المرضى.

وقال ستيوارت داينتون من Woodland Trust لصحيفة The Observer: "الاستحمام في الغابات هو فرصة للناس لاستقطاع بعض الوقت للاستمتاع، والهدوء والتواصل مع الطبيعة".

وتابع: "نعتقد أنها يمكن أن تكون جزءاً من مزيج من الأنشطة المتعلقة بالوصفات الاجتماعية". وأضاف: "الاستفادة منها هي الدليل على فوائدها".

دوقة كامبريدج كيت مديلتون تعد من معجبي هذا النشاط، فقد كانت الحديقة التي صممتها في معرض تشيلسي للزهور الشهر الماضي مستوحاة من شينرين-يوكو، وتقدم الجمعية الملكية لحماية الطيور سلسلة من مناسبات الاستحمام في الغابات في جميع أنحاء البلاد هذا الصيف.

وقد أيدت شركة Forestry England، التي تدير الغابات العامة، هذه الممارسة كوسيلة لاستعادة التوازن والهرب من ضغوط الحياة اليومية.

ممارسة حمام الغابة في اليابان

على الرغم من أن الناس كانوا يمشون في غابات البلاد منذ عدة قرون، فقد أظهرت دراسات جديدة أن هذا النشاط يمكن أن يخفض من ضغط الدم ومستويات الكورتيزول ويحسن التركيز والذاكرة.

وقد عُثر على مادة كيميائية أطلقتها الأشجار والنباتات، تسمى phytoncides، يمكنها تعزيز الجهاز المناعي.

ونظراً لأن المزيد من الأبحاث سلطت الضوء على فوائد هذه الممارسة، قامت الحكومة اليابانية بدمجها في البرنامج الصحي للبلاد.

لي، الرئيس الحالي لجمعية طب الغابات في اليابان، ومؤلف كتاب Shinrin-Yoku: The Art and Science of Forest Bathing، هو خبير عالمي وله العديد من الدراسات.

قال لي في حديثه مع صحيفة The Observer: "إنه طب وقائي، وليس علاجاً".

يعيش حوالي 80% من سكان اليابان في المناطق الحضرية، ويقضي المواطن العادي في وقتنا  الآن أكثر من 90% من وقته داخل المباني.. لكننا مصممون لنكون على اتصال بعالم الطبيعة، يقول لي: "للاستماع إلى الريح وتذوق الهواء".

يقدم كتاب لي هذه النصيحة لممارسة الاستحمام في الغابات: "تأكد من أنك تركت هاتفك وكاميرتك.. ستمشي بلا هدف وببطء، لا تحتاج إلى أي أجهزة، دع جسمك يكون دليلك. استمع إليه حيث يريد أن يأخذك. اتبع أنفك، وخذ وقتك. لا يهم إذا كنت لا تصل إلى أي مكان، فأنت لا تذهب إلى أي مكان؛ بل تستمتع بالأصوات والروائح ومعالم الطبيعة وتدع الغابة تستحوذ عليك".

طريقة الاستحمام في الغابات

قد يظن البعض منا أنه يمارس هذا النشاط منذ سنوات، لكن الاستحمام في الغابات لا يتم فقط عن طريق المشي سريعاً في الغابات، برفقة الحيوانات الأليفة، وبالتالي يكون الناس قلقين على أطفالهم أو ممتلكاتهم.

لكن الاستحمام في الغابات يتم عن طريق قضاء الوقت في التأمل تحت ظلال الأشجار لأغراض الصحة والرفاهية بحسب ما يقوله غاري إيفانز، مؤسِّس معهد Forest Bathing في المملكة المتحدة العام الماضي.

قد تستغرق الجلسة المعتادة 3 ساعات، وتبدأ بتفسير تاريخ وعلوم شينرين-يوكو.

بعد ذلك يتعلق الأمر بالتمارين الحسية.

وتابع إيفانز مفسّراً: "نحاول جذب انتباه الناس في الوقت الحالي، لإعطاء أجسادهم وعقولهم فرصة للتباطؤ. نتحرك ببطء شديد، نلمس الأشجار وننظر إلى الألوان والأنماط ونتنفس بعمق، وينتهى بنا المطاف مستلقين تحت الأشجار وننظر من خلال الفروع".

وقال إن ظلال اللونين الأخضر والأزرق وألوان الغابة والسماء كانت الأكثر راحة.. يساعد النظر إلى أنماط الطبيعة في كبح الأفكار التي تدور في الرأس.

ماذا يقول الأطباء عن ممارسة هذا النشاط؟

قام مسؤولون من الحكومة الوطنية والمحلية بإجراء استقصاءات، وتحدث إيفانز مع 40 طبيباً في مستشفى Frimley Park في مقاطعة سري الشهر الماضي حول فوائد هذه الممارسة.

أعرب الأطباء عن اهتمامهم بالوصفة الاجتماعية للاستحمام في الغابات، ويقوم معهد Forest Bathing بتدريب الأفراد ليصبحوا مرشدين شينرين-يوكو.

قال إيفان: "هناك اعتراف متزايد من قبل الأطباء بأهمية الاستحمام في الغابات، لكننا متأخرون عن اليابان بـ40 سنة، نحن بحاجة إلى الأطباء والعلماء هنا لبدء بعض الدراسات حول التأثير الفيزيولوجي والنفسي".

وجدت إحدى الدراسات البريطانية، التي أجرتها جامعة كينجز كوليدج لندن ونشرت في يناير /كانون الثاني 2018، أن التعرض للأشجار والسماء والطيور في المدن قد حسن من الصحة النفسية، وكانت الفوائد لا تزال واضحة بعد مرور عدة ساعات.

وقال داينتون: "حتى 20 دقيقة فقط يمكن أن تساعد، رغم أن 10 ساعات في الشهر أفضل".

وأضاف:"إذا كنت تعيش في مدينة، فقد لا تتمكن من الوصول إلى الغابة بسهولة، ولكن خلع حذائك في الحديقة والشعور بالعشب سيساعدك على التخلص من التوتر".

ما هي الوصفة الاجتماعية للاستحمام في الغابات؟

هي اعترافٌ بأن الصحة يمكن أن تتأثر بمجموعة واسعة من العوامل، بما في ذلك العمالة والسكن والديون والعزلة الاجتماعية والثقافة.

ويستشير ما يقدر بواحد من كل خمسة مرضى الطبيب العام بخصوص ما يعد مشكلة اجتماعية في المقام الأول.

ولكن لا تساعد هذه التدخلات والعلاجات الطبية التقليدية في مثل هذه الحالات، لذلك يهتم الأطباء وغيرهم من المتخصصين بشكل متزايد باقتراح أو وصف الأنشطة والخدمات غير السريرية لتحسين الحالة الصحية.

أيُّ نوع من الأنشطة تضمنها الوصفة الاجتماعية؟

ومن أمثلة برامج الوصفات الاجتماعية: نصائح الأكل الصحي والتطوع والرياضة ومجموعات التمرين والبستنة (التي تمارسها دوقة كامبريدج وفقاً لما ذكرناه) والأنشطة الفنية والتعلم الجماعي.

ما أثر هذه الأنشطة حتى الآن؟

وجدت دراسة أجرتها جامعة ويستمنستر أن الوصفات الاجتماعية كانت مرتبطة بانخفاض بنسبة 28 ٪ في المواعيد مع الأطباء، وقد ساعد ذلك أيضاً على خفض عدد حالات الحضور والتقييم وإحالات المرضى الخارجيين.

ومع ذلك، أشارت الدراسة إلى أن هناك حاجةً إلى مزيد من البحث لتقييم تأثير الوصفات الاجتماعية بالكامل.

تحميل المزيد