عيد الأضحى الثاني بعد الثورة السودانية.. هل تغير شيء هذه المرة؟

عدد القراءات
6,717
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/02 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/04 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش

في بلد مثل السودان، حيث تدخل السياسة في كل شيء – من السوق وأسعار السلع الى المواصلات مروراً بالعلاقات الاجتماعية والأسرية – من الصعوبة بمكان أن تأتي مناسبة مثل عيد الأضحى بدون أن تتداخل مشاكل السياسة والاقتصاد والوضع الراهن مع التحضيرات للعيد الأكثر أهمية للأسر السودانية، والتي هي في أغلبها قادمة من مجتمعات ريفية. وتأتي جائحة كورونا لتزيد الوضع تعقيداً في بلد يعتبر، رغم سحره غير المعروف للكثيرين وثرواته الطبيعية والبشرية الهائلة، معروفاً بالحروب الأهلية والصعوبات الاقتصادية. ومع حلول عيد الأضحى المبارك يعاني السودانيون صعوبات مثل غلاء الأسعار وعدم توفّر السلع الأساسية من خبز ووقود، بجانب إغلاق كورونا ومنع السفر.

لعيد الأضحى في السودان طعم خاص، حيث تعود غالبية الأسر من المدن إلى أهلها في الأرياف، كما يعمل كثير من المغتربين خارج السودان على توقيت إجازاتهم لتكون في فترة عيد الأضحى ليعيشوا إحساس الرفقة وجلسات السمر والأنس مع الأهل وأصدقاء الطفولة التي يفتقدونها في غربتهم. ومن الروايات الطريفة التي تُحكى عن الهجرة العكسية للريف في عيد الأضحى قول أحد سكان العاصمة الخرطوم في ثاني أيام العيد وهو خارج بأسرته للتنزّه، والشوارع خالية من الزحام والضوضاء، إنه يتمنى أن تقوم السلطات بإغلاق المداخل الى العاصمة كيلا يعود أولئك القادمون من الريف ويجلبوا معهم الازدحام المروري والضوضاء.  

الهجرة الجماعية الى الريف في عيد الأضحى ليست بدعة سودانية، فالشباب في الغرب يعودون إلى أسرهم في أعياد الميلاد للاستمتاع بصحبة والديهم، وكذلك يفعل الصينيون في عيد الربيع والإيرانيون في عيد النيروز (أو النوروز). فالأعياد مناسبات اجتماعية يستغلها الناس للترويح عن أنفسهم وإلقاء هموم العمل والأسرة وحياة المدنية خلف ظهورهم لأيام معدودات يأكلون ويشربون ويمرحون، قبل أن يعودوا لما هربوا منه. وفي الحالة السودانية فإنهم يعودون الى زحمة المواصلات العامة وصفوف الخبز والوقود. وهي حالة فرضتها ظروف البلاد التي فشل نظام البشير في إدارتها وتركها تتدحرج نحو وادٍ سحيق تحاول الحكومة الانتقالية الحالية أن تنجو من الوقوع في قرار هذا الوادي.

والعيد الذي يأتي هذه الأيام يعيد الى أذهان السودانيين عيد السنة الماضية، حيث كان السودانيون لا يزالون مذهولين من هول فظائع مجزرة القيادة العامة التي قضى فيها ما يزيد على المئة شخص حتفهم. والتي وقعت في 29 رمضان من العام 2019. ولم تترك للسودانيين طعماً للعيد أو حتى لعيد الأضحى بسبب فظاعة الجريمة وما صاحبها من غليان سياسي في الشارع نتجت عنه التوليفة السياسية الحالية بين العسكر والمدنيين في الحكومة الانتقالية. وما يميز الفترة الحالية في السودان، بجانب الحريات السياسية والتغيير بعد ثلاثة عقود من الكبت والدكتاتورية التي ميزت فترة حكم الإسلاميين بقيادة البشير، أن الغلاء أصبح حالة عامة. والغلاء يعود بصورة أساسية الى التضخم الذي تعاني منه البلاد بسبب فقدان عائدات النفط الذي ذهب معظمه الى جنوب السودان بعد انفصاله.

تنقل (BBC) عن هديل، وهي خريجة كلية الإعلام في جامعة إفريقيا العالمية، قولها إنّ "التجار رفعوا الأسعار بحجة أن أسعار الاستيراد قد ارتفعت أيضاً. ومظاهر عيد الأضحى في الشوارع كانت تستمر نحو أسبوع عندما كانت صغيرة، الآن، في ولاية الخرطوم – لكن الآن تغير الوضع. حركة السوق غريبة.. أقل مما هو معتاد في هذا الوقت من السنة.. أي قبل العيد. السوق هو دائماً مزدحم صباحاً وظهراً لأنه قرب موقف الحافلات. يبدو أن جائحة كورونا أثرت على حركة السوق حالياً. السلع التموينية البسيطة أصبحت غالية. البيضة كانت بجنيهين.. الآن البيضة بعشرين جنيهاً.. أسعار المواصلات كذلك. كان المشوار من أم درمان إلى الخرطوم الذي يستغرق نصف ساعة يكلف 40 جنيهاً سودانياً على الأكثر في الباص، أما الآن فوصلت التكلفة إلى 100 جنيه".

ارتفاع الأسعار بالنسبة لخراف الأضاحي لم يكن استثناء عن قاعدة الغلاء المستفحل في أسواق البلاد بسبب التضخم وانخفاض العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار الأميركي الذي تجاوز 140 جنيهاً للدولار الواحد. ووصلت أسعار الأضحية الى حوالي 18 ألف جنيه، بعد أن كانت في حدود 6 ألف جنيه قبل عام من الآن. ويعتبر شراء خراف الأضاحي ثقافة في حد ذاته، حيث يشتهر السودان بثروته الحيوانية الكبيرة والمتنوعة، والتي يشكّل الضأن نسبة كبيرة منها. حيث يشتهر الضأن "الحمري" نسبة الى بوادي كردفان وقبيلة "الحمر" المشهورة بالخراف المميزة ذات اللحوم الشهية، والضأن "السواكني" نسبة الى مدينة سواكن الساحلية على البحر الأحمر. وتعتبر الدول الخليجية أسواقاً رئيسية للضأن السوداني، وخاصة في موسم الحج.

من العادات الاجتماعية الجميلة والمميزة في عيد الأضحى في السودان زيارة الأسر الممتدة؛ حيث يبدأ أفراد الأسرة بزيارة بيت كبير العائلة والذي يبدأ بذبح أضحيته على الإفطار، يليه الأصغر منه في الغداء أو في إفطار اليوم الثاني، وهكذا. كما يتم تجهيز "الخبيز"، وهو كعك العيد الذي تتم صناعته في المنازل لتقديمه للضيوف. وتعتبر "الشيّة" أشهر أكلات الأعياد في السودان، وهي عبارة عن لحم مشوي على الفحم المجمّع في باحة الدار، لكن "الشربوت" هو المكمّل للمائدة السودانية في عيد الأضحى، وهو مشروب تتم صناعته من البلح المخلوط مع بعض التوابل. والذي يتم وضعه قبل العيد بيوم أو يومين في العادة، وهو يساعد على هضم اللحوم في العيد وله طعم ورائحة مميزين ولا يستغني عنه بيت سوداني في العيد. ويصبح "الشربوت" مسكراً إذا تجاوز الثلاثة أيام، أو إذا أُضيفت له الخميرة. لذا يُنصح بشربه في اليوم الأول من العيد أو عمل مشروب جديد.

أيضاً يعتبر عيد الأضحى موسماً للزواج  في كثيراً من أرياف السودان، وخاصة في شمال السودان الذي نزح غالبية سكانه إلى المدن الأخرى أو إلى خارج البلاد. حيث يستغل السكان عودة الجميع إلى قراهم وأريافهم في أسبوع العيد لتشتعل البيوت بمناسبات الزواج التي تصل إلى ثلاث أو أربع مناسبات في القرية الواحدة في يوم واحد. وعلى العكس من المدن التي تنتهي فيها حفلات الزواج قبل منتصف الليل، تستمر حفلات القرى إلى ما قبل الفجر بقليل. ويبدو أن هذا العيد سيشهد انحساراً كبيراً في الأنشطة في الريف بسبب تمديد حظر السفر من وإلى ولاية الخرطوم سواء للمركبات العامة أو الخاصة لما بعد عيد الأضحى، وذلك بسبب انتشار الإصابة بفيروس كورونا في العاصمة (حوالي 75% من إجمالي عدد الإصابات في البلاد). والخشية من أن ينقل المسافرون الفيروس الى الولايات الأخرى.

أما سودانيو المهجر والذين أنا واحد منهم، فلا ندع مناسبة عيد الأضحى تمرّ دون أن نمارس بعضاً من طقوسنا، حتى وإن اختلفت البيئة والمكان والصحبة. نقوم بصنع الكثير من "الخبيز" و"الشربوت"، ونخرج للمزارع بعيداً عن الشقق الضيقة لعمل "الشية" والاستمتاع بأجواء لطالما افتقدناها في غربتنا والتي لا نعلم إن كانت ستطول أم لا.. حيث الواقع في السودان لا يزال "ضبابياً"، والتغيير المنشود يحتاج لوقت وجهد لإنجازه. بينما يستقبل السودانيون داخل البلاد العيد ودواخلهم تختلج بمشاعر الفرح بالإنجاز الذي تحقق على مستوى التغيير السياسي، والذي رفع من سقوف أحلامهم بوطن مزدهر ومستقر وآمن. بينما لا يزال آخرون يتخوفون من عدم اتضاح الرؤية المستقبلية للسودان في ظل استمرار التشاكس بين النخب السياسية السودانية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد زمراوي
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
تحميل المزيد