عائلات ألمانية بدأت تتحرك في برلين.. مظاهرة تُناشد عودة أطفال داعش المشرَّدين، فما الذي يمنع عودة هؤلاء؟

في صيف 2014، يقول دانيش فاروقي إنَّه تلقَّى مكالمةً من زوجته السابقة، تُعلِمه فيها أنَّها أخذت ابنتهما عليَّة إلى تركيا. يقول فاروقي إنَّه حاول في ذعرٍ إعادتها إلى ألمانيا، لكن في غضون أيامٍ كانت ابنته في سوريا، وكانت أمُّها متزوجةً بأحد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/12 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/13 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
طفل صغير يرسم على الجدار / iStock

في صيف 2014، يقول دانيش فاروقي إنَّه تلقَّى مكالمةً من زوجته السابقة، تُعلِمه فيها أنَّها أخذت ابنتهما عليَّة إلى تركيا. يقول فاروقي إنَّه حاول في ذعرٍ إعادتها إلى ألمانيا، لكن في غضون أيامٍ كانت ابنته في سوريا، وكانت أمُّها متزوجةً بأحد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

أخبر فاروقي وكالة CNN، دامعاً: "لا أعلم حتى ما مرَّت به ورأته ابنتي خلال الأعوام الخمسة تلك. ما إن تجد ابنتك أخيراً، حتى تأمل أن تحظى بمساعدة الحكومة الألمانية لاستعادتها. لكنِّي لم أجد أية مساعدة. إنَّه أمرٌ مدمِّر، أمرٌ محبط! وأنا غاضبٌ للغاية".

شرَّدت هزيمة داعش عشرات الآلاف من مقاتليه وعائلاتهم ويواجهون مصيراً مجهولاً

من بينهم عليَّة، التي يبلغ عمرها الآن 8 أعوام، في مخيماتٍ يديرها الأكراد شمال سوريا، لكنَّ الحكومة الألمانية تتباطأ في إعادة المواطنين الألمان إلى موطنهم.

في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، نظَّم فاروقي احتجاجاً علنياً لعائلات الحبيسين، ويُعتقَد أنَّها المظاهرة الأولى من نوعها بالبلاد، أمام وزارة الخارجية الألمانية في برلين، مطالبين الحكومة الألمانية ببذل مجهوداتٍ أكثر في سبيل عودة مواطنيها، خاصةً الأطفال المشردين في سوريا. وحمل عشرات المحتجين لافتاتٍ تحمل صور بناتهم، وأبنائهم، وأحفادهم.

لم تعطِ وزارة الخارجية الألمانية لوكالة CNN رقماً مؤكداً لعدد المواطنين الألمان الموجودين الآن في المخيمات، لكنَّ حفنةً لا أكثر من الأطفال المولودين لأتباع داعش قد أُعيدوا إلى ألمانيا وعُهِد بهم لأقربائهم.

الخارجية الألمانية ستحاول الوصول لهؤلاء، لكن لا توجد لديها معلومات عنهم بسبب انقطاع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا

وفي بيانٍ أُصدِر لوكالةٍ CNN، أصرَّت وزارة الخارجية على أنَّه "من شبه المستحيل" أن تقدِّم لأيٍ منهم العون.

وقالت في البيان: "برغم أنَّ مكتب الخارجية الفيدرالي على علمٍ بحالات المواطنين الألمان المزعوم احتجازهم في شمال سوريا، فإنَّه ليست لديه معلومات عن الأمر. في سوريا، وبعد إغلاق السفارة الألمانية في دمشق، ما زال من شبه المستحيل الحصول على أي مساعدةٍ قنصلية.

وتابعت الخارجية: "كانت سوريا فترةً طويلة على قوائم الدول التي يُحذَّر من السفر إليها. وبغض النظر عن ذاك، فإنَّ الحكومة الفيدرالية، بالتشاور مع شركائها، تدرس الخيارات المتاحة لتمكين المواطنين الألمان، والأطفال بالمقام الأول، حتى في الحالات الإنسانية، من العودة إلى ألمانيا".

وحتى لو قررت ألمانيا عودة هؤلاء، فإن هناك جهات وأحزاباً بألمانيا وفي أوروبا بشكل عام، تعارض عودة هؤلاء، لاعتقادهم أنهم يحملون فكر آبائهم وأزواجهم، وهو ما يشكل خطراً ولو في المستقبل، على أمن أوروبا.

ليست ألمانيا الدولة الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة

إذ انضمَّ آلاف الرجال والنساء من مختلف دول أوروبا إلى داعش. ومسألة كيفية التعامل مع العائدين من صفوف داعش تؤرِّق فرنسا والمملكة المتحدة وغيرهما من الدول.

وبالنسبة لمقاتلي داعش المقبوض عليهم في العراق، فإنَّه يوجد بالفعل نظامٌ قضائي قائم للتعامل مع المقاتلين الذين كانوا ينتمون إلى التنظيم ومحاكمتهم باعتبارهم أعضاء منظمة إرهابية.

يخضع مقاتلو داعش للمحاكمة بالعراق، لكن في المناطق الخاضعة للأكراد الأمر معقد جداً

وقد حوكِم بعض المواطنين الألمان بالفعل، ومن بينهم زوجاتٌ لمقاتلي داعش، وهُم يقضون الآن أحكاماً بالسجن في السجون العراقية. وفي بعض تلك الحالات، يُعاد أطفال المواطنين الألمان هؤلاء للعيش مع أقاربهم.

لكن في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، لا يوجد نظامٌ قضائي معترَف به لمحاكمة أفراد داعش. ونتيجة لذلك، تضخَّمت المخيَّمات الكردية بأعداد مقاتلي داعش المأسورين وأُسرهم.

انضمت أنايا عظيم إلى الاحتجاج ببرلين، حتى تُعيد أختها وابنة أخيها وابن أخيها إلى ألمانيا. تقول أنايا إنَّ أختها غادرت ذاهبةً إلى تركيا عام 2014، مرتديةً مساحيق تجميل وحذاءً بكعبٍ عالٍ، لتُساعد في الاعتناء بعائلة أخيها المقيمة في تركيا. وتضيف أنَّها تلقَّت بعد أسابيع صورةً لأختها، مرتديةً نقاباً يغطي جسدها ووجهها، وهي تعيش -فيما يبدو- في منطقةٍ خاضعة لسيطرة داعش.

الأوضاع بمخيماتهم سيئة جداً: ازدحام شديد، ونقص في الطعام

الآن تعتقد أنايا أنَّ أخاها قد تعرَّض لعملية "غسل دماغٍ" جعلته ينضمُّ إلى داعش ويجبر عائلته، ومعهم أخته، على الذهاب معه. قُتِل أخوها في القتال، لكنَّ زوجته، وأخته، وأطفاله هُم الآن بمخيم كردي، حيث الأوضاع في تدهور، حسبما تخبرها أختها.

ففي شهر يناير/كانون الثاني 2019، ورد تقريرٌ من منظمة الصحة العالمية بأنَّ 29 طفلاً ماتوا بالمخيمات، وكان السبب الأساسي في ذلك هبوط درجة حرارة الجسم، وأنَّ الازدحام الشديد بالمخيمات يؤدي إلى نقصٍ في الطعام، والدواء، ومرافق الصرف الصحي.

وقالت أنايا لوكالة CNN: "آخر مرة تحدثتُ فيها معها كانت ترجو منَّا أن نحرِّرها، رأيتُ أنَّها حاولت إيذاء نفسها. هي لم تعد الشخص نفسه. أتوقَّع من الحكومة الألمانية أن تساعد هؤلاء النساء والأطفال. إنَّ ما حدث ليس ذنبهم! تجب علينا مساعدة هؤلاء الأطفال. كلما طال بقاؤهم هناك يصبح الوضع أسوأ".

ترى أنايا أنَّه على ألمانيا أن توفِّر نظاماً قضائياً يسمح لأختها بالعودة إلى ألمانيا وإثبات براءتها. أنايا وعائلتها قدِموا بالأصل من أفغانستان، هربوا من حركة طالبان واستقرَّوا في ألمانيا. والآن، تخشى أن تُجذَب أختها إلى التطرُّف أكثر إذا ما تُرِكَت في المخيمات السورية.

وقالت: "فررنا من الحرب، لم نُرد أن تكون لنا أية صلةٍ بأمثال هؤلاء الناس. على الدولة أن تحمي مواطنيها، وأن تُعيدهم إلى موطنهم، وأن تجمع الأدلة حتى تجد دليلاً لترى مَن البريء، ومن لم يقترف ذنباً. أظنُّ أن عليهم أن يتمكَّنوا من فعل شيءٍ كهذا".

وقالت جدَّةٌ ألمانية لم ترغب في الإفصاح عن اسمها، إنَّ حفيدتها محتجزة في مخيم الهول بمنطقة خاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا. لكن لم يصل إليها خبرٌ من حفيدتها أو أطفالها منذ 37 يوماً.

وأخبرت الجدة وكالة CNN: "آخر مرةٍ تحدثتُ فيها مع حفيدتي، أخبرتني بأنَّ النساء من مختلف الجنسيات يتجادلن كثيراً في المخيم على حصص الطعام، وأنَّ الخيام اشتعلت فيها النار من مواقد البنزين. قالوا لي إنَّه لم يعد بوسعهم الاحتمال، وإنَّهم بحاجة للعودة إلى ألمانيا عن قريب".

لم تلتقِ الجدَّة أبناء حفيدتها من قبل، إذ وُلدوا في أراضٍ خاضعة لسيطرة داعش، لكنَّها قلقة، لأنَّ إبراهيم، البالغ من العمر عاماً واحداً، مصابٌ بطفحٍ متكرر، وتخشى أن تكون حنيفة ذات الأعوام الثلاثة مصابة بسوء التغذية.

وقالت: "هُم يقولون إنَّهم لا يريدون أطفالاً متطرفين بألمانيا، لكنَّ كل يومٍ يمر على هؤلاء الأطفال في ذاك المخيَّم يُحتمَل معه أن يصبحوا متطرفين أكثر. أدعو الله كل ليلةٍ أن أتمكَّن من رؤيتهم عمَّا قريب".

علامات:
تحميل المزيد