تصدّر ملف الانتخابات الفلسطينية القادمة نقاشات القمة الأردنية المصرية التي استضافتها العاصمة عمان، بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله.
وذكرت مصادر أردنية مطلعة لـ"عربي بوست" أن اجتماع السيسي بالعاهل الأردني كان هدفه الرئيسي هو مناقشة مسألة الواقع الفلسطيني السياسي القادم، والدفع بالسلطة الفلسطينية لتجديد مؤسساتها تمهيداً للدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زار الأردن بدعوة مباشرة من الملك عبدالله الثاني، يوم الإثنين 18 يناير/كانون الثاني، وذلك بعد زيارة مباشرة كان قام بها الملك عبدالله إلى أبوظبي، ولقائه مع ولي العهد محمد بن زايد.
خطة مصرية إماراتية للضغط على حركة حماس
وبحسب المصادر، يبدي الأردن تخوّفاً شديداً من إعادة تكرار سيناريو 2006 للانتخابات الفلسطينية القادمة، وتحديداً من احتمالية صعود حركة حماس في الانتخابات التشريعية، لتعود وتتسيد المشهد السياسي القادم.
واستطاعت حركة حماس عام 2006 الفوز بـ74 مقعداً من بين 132 مقعداً في الانتخابات التشريعية، مقابل 45 مقعداً لحركة فتح، وهو ما سمح لحماس بتشكيل حكومة فلسطينية تمخّض عنها انقسام شديد بين حركتي فتح وحماس.
وطلب الملك عبدالله من الرئيس المصري اتخاذ إجراءات عملية بهذا الخصوص، تضمن عدم وصول حماس إلى السلطة من جديد وتشكيل حكومة قادمة.
وبهذا الخصوص، أشارت المصادر لـ"عربي بوست"، أنّ الأردن طلب من مصر الضغط على حركة حماس في جولة المفاوضات القادمة للمصالحة، التي تستضيفها القاهرة في شهر فبراير/شباط، لخوض الانتخابات بقائمة مشتركة مع حركة فتح، لضمان السيطرة على نتائج الانتخابات.
وفي حال رفضت حماس هذا الأمر فسيتم الضغط على حركة فتح لتوحيد صفوفها وخوض الانتخابات بكتلة فتحاوية متماسكة، حتى يتم قطع الطريق على حماس بالفوز في الانتخابات، أو تحقيق نسبة عالية فيها كما كان عام 2006.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أصدر مرسوماً يقضي بإجراء الانتخابات العامة على 3 مراحل. وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو/أيار 2021، والرئاسية بتاريخ 31 يوليو/تموز، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني.
ويشير المرسوم إلى أنّه سيتم استكمال المجلس الوطني، في 31 أغسطس/آب 2021، وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.
الضغط على أبو مازن من أجل دحلان
وفي هذا السياق، تسعى كل من مصر والأردن إلى ممارسة ضغوطات رسمية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أجل توحيد صفوف حركة فتح، عبر السماح لتيار القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، والذي يعرف بـ"التيار الإصلاحي الديمقراطي"، بالمشاركة على قوائم حركة فتح.
وكان كل من مدير جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل، ورئيس جهاز المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني، زارا رام الله، يوم الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، في زيارة أمنية تناولت ثلاثة ملفات، هي الانتخابات المقبلة، والمفاوضات مع إسرائيل، وملف المصالحة الفلسطينية، بما يضمن توحيد الصفوف أينما وُجدت خلافات، وليس فقط مع حركة حماس.
وتؤكد مصادر خاصة في السلطة الفلسطينية لـ"عربي بوست"، رفضت الكشف عن اسمها، أن رئيس جهاز المخابرات الأردني ورئيس جهاز المخابرات المصري طلبا من أبو مازن في لقائهما برام الله، يوم الأحد، أن تصل حركة فتح للانتخابات التشريعية وهي موحدة، وبلا انقسامات داخلية في الحركة، وذلك في ظل تزايُد مخاوف الأردن ومصر من صعود حماس في الانتخابات، نظراً لحالة الانقسام التي تعاني منها فتح.
وأوضح المحلل والكاتب السياسي الأردني شلاش الخريشة، في تصريحات لـ"عربي بوست" أنّ الإمارات تريد الدفع بتيار محمد دحلان للمشاركة في الانتخابات الفلسطينية القادمة، وخاصة الانتخابات التشريعية، التي تعدّ فرصة كبيرة لإضفاء الشرعية على تيار محمد دحلان.
ويؤكد الخريشة أنّ اللقاء الذي دار بين العاهل الأردني والرئيس المصري السيسي ركّز على كيفية دمج تيار محمد دحلان، بطلب إماراتي لملك الأردن أثناء زيارته الأخيرة لأبوظبي، والضغط على الرئيس الفلسطيني للسماح لتيار محمد دحلان بخوض الانتخابات القادمة، في قائمة واحدة مع كل أطياف وأجنحة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عودة البرغوثي.. وإبعاد أبومازن
ويوضح المحلل السياسي الأردني شلاش الخريشة، أنّ هناك مساعي وتحركات سياسية قائمة من قبل مصر والأردن للضغط على إسرائيل لإطلاق سراح القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، وذلك للدفع به كي يترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية، كونه يتمتع بتوافق فلسطيني، وعلى وجه الخصوص داخل أروقة حركة فتح.
وأشار أن هذا السيناريو مطروح بشكل كبير، لكن إذا لم تنجح كل من القاهرة وعمان في حث إسرائيل على إطلاق البرغوثي، فإنّه حتماً سيتم الدفع بشخصية أخرى من داخل فتح لخوض انتخابات الرئاسة الفلسطينية القادمة.
وتشير المصادر الخاصة، التي رفضت الكشف عن اسمها، أنّ اجتماع الملك عبدالله والسيسي سيعمد إلى الضغط على الرئيس الفلسطيني لاتخاذ خطوات عملية في العملية السياسية، عبر تصعيد شخصية رئاسية جديدة من حركة فتح، تتسلم رئاسة السلطة الفلسطينية القادمة بعد إجراء الانتخابات.
يأتي هذا بهدف ضمان وصول رموز سياسية فتحاوية محسوبة على تيار محمد دحلان إلى المجلس التشريعي، وتشكيل الحكومة الفلسطينية التي يتمخض عنها منصب رئيس الوزراء، والذي تسعى أبوظبي والقاهرة وعمان لأن يكون شخصية محسوبة على محمد دحلان، فيما يترك منصب رئاسة المجلس التشريعي للمنافسة بين فتح وحماس.
ولن يكون هناك مانع في أن يسلّم المنصب لشخصية تابعة لحماس، وبذلك تكتمل معالم وحلقات المشهد السياسي الفلسطيني، المتمثل في (رئيس فلسطيني شرعي، رئيس وزراء جديد، رئيس مجلس تشريعي).
إحياء مسار المفاوضات مع إسرائيل
ويسعى الأردن إلى لعب دور الوسيط بين أبوظبي والسلطة الفلسطينية. وبشكل عام فإن الحراك السياسي الذي تقوم به كل من الإمارات والأردن ومصر يدخل ضمن إطار إحياء مسار المفاوضات من جديد بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
هذا الأمر يتطلب إعادة الشرعية للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها أمام إدارة بايدن الجديدة، للدفع نحو مسار المفاوضات مع إسرائيل، وهذا يتطلب ضرورة إنجاز ملف المصالحة الفلسطينية، والتوافق بين الفصائل الفلسطينية، الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى إجراء انتخابات يتمخض عنها مجلس تشريعي جديد وحكومة جديدة، بالإضافة إلى رئيس بشرعية جديدة.
وأوضح المحلل والكاتب الفلسطيني شرحبيل الغريب لـ"عربي بوست"، أنّ مصر والأردن تتحركان ضمن استحقاقات المرحلة المقبلة التي تقتضيها الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، والتي ستعزز بدورها مسار مفاوضات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.
وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تؤمن بمبدأ دمج حركات الإسلام السياسي في الحكم، والانخراط في العملية السياسية في البلدان العربية، ومن بينها حركة حماس.
ويوضح الغريب أنّ السلطة الفلسطينية ستعمل على مسارين رئيسيين، الأول يتعلق بإحياء مسار المصالحة، والثاني يتمثل في تجديد مؤسسات السلطة السياسية والتشريعية.
وجاءت زيارة مدير المخابرات المصري والأردني إلى رام الله ضمن هذا السياق، حيث تريد عمان والقاهرة من الرئيس الفلسطيني أن يضمن السيطرة على نتائج الانتخابات.
مسار الانتخابات الفلسطينية في 5 فبراير
مسار إنجاز الانتخابات الفلسطينية سوف يتحدد بعد اجتماع الفصائل الفلسطينية، في 5 فبراير/شباط المقبل، حيث ستنطلق اجتماعات الفصائل في القاهرة لبحث دفع مسار الانتخابات، والاتفاق على إنجاح سير العملية الانتخابية، وأبرز الملفات المطروحة على الطاولة.
وسيكون موضوع القائمة المشتركة بين حركتي فتح وحماس مطروحاً بقوة في تلك الجلسات، حيث سيتم العمل على حل النقاط الخلافية المتعلقة بتفاصيل الانتخابات.
وهذا ما يؤكدّ عليه المحلل السياسي شرحبيل الغريب، الذي يؤكد أن هناك إشكاليات وتحديات كبيرة، يأتي على رأسها إنجاز ملف المصالحة في القاهرة، والسعي إلى إنهاء الانقسام المستمر منذ 14 عاماً، والذي يتضمن عدة ملفات رئيسية منها ملف الأمن، وملف الموظفين، وملف الانتخابات، والمعابر وغيرها من الملفات المهمة.
ويشير الغريب إلى أنّ هناك اتفاقاً مبدئياً بين حركتي حماس وفتح على الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية كاستحقاق مهم لإنجاز وإتمام عملية المصالحة، مشيراً إلى أنّ النسبة المبدئية المتفق عليها هي 40% من مقاعد المجلس التشريعي لحركة فتح، و40% الأخرى لحماس، فيما تتبقى نسبة 20% توزع على بقية الفصائل الفلسطينية.
لكنّ النقطة الخلافية الحالية بين حماس وفتح تتمثل في كيفية خوض كل طرف الانتخابات، وهل ستخوض كل من فتح وحماس الانتخابات بقائمة مستقلة لكل منهما، أم سيتم الاتفاق على قائمة واحدة بين الطرفين، لضمان توحيد المسار السياسي الفلسطيني، وعدم تكرار سيناريو 2006، والذي تخشاه كل من الأردن ومصر.