التحقيق في جرائم فرنسا بالجزائر.. لماذا يحاول ماكرون تلطيف علاقته بالجزائر الآن؟

عدد القراءات
3,212
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/06 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/06 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
من اليمين الرئيس الجزائري والرئيس الفرنسي

"أرفض الرد على الرئيس الفرنسي "مانجاوبوش".. لكن هو حرّ يسوّق للبضاعة التي يشاء في بلاده، وأنا انتخبني الشعب الجزائري ولا أعترف إلا بالشعب الجزائري".

من كلمة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بعد ساعات من انتخابه يوم 15 ديسمبر 2019 في سياق ردّه حول دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له بالشروع في حوار وطني داخلي مع الفرقاء السياسيين وقيادات الحراك.

15 ديسمبر، ذلك اليوم الذي لم يكن لطيفاً لقصر الإليزيه بانتخاب رئيس "سيادوي" للجزائر يميل إلى المعسكر الشرقي ويناصب المستعمر القديم العداء، حيث أكد خلال حملته الانتخابية وتحديداً في حوار مع وكالة يورو نيوز، انزعاجه من الدور الفرنسي المشبوه في إفريقيا، مشيراً إلى أنه في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية سيكون رئيس دولة عظمى في إفريقيا وسيطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائم 132 سنة من الاستعمار. كما هاجم تبون في ذات التصريح وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الذي اقترح رعاية فرنسا لمرحلة انتقالية في الجزائر.

الاعتذار الرسمي الفرنسي للجزائر.. لِمَ لا؟

لا يمكن قراءة علاقة الإليزيه وقصر المرادية إلا على ضوء المتغيرات الإقليمية وخاصة في المشهد الليبي، ففرنسا التي مُنيت بهزائم استراتيجية في ليبيا عبر خسارة حليفها المشير المتقاعد خليفة حفتر وانحسار نفوذه خاصة بعد انسحابه من قاعدة الوطية الاستراتيجية على تخوم العاصمة طرابلس لفائدة قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، تسعى إلى التدارك والعودة إلى الساحة، حيث اعتبر الصحفي نيكولا بو في مقال نشره موقع موند أفريك، أن وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان قد حاول الاقتراب من النظام الجزائري وإقناعه بضرورة تهدئة النزعة الإمبريالية العسكرية التركية في ليبيا وكبح جماحها لكن دون جدوى.

فباريس مستعدة لمساومة التاريخ بالجغرافيا السياسية، مستعدة أن ترضي الجزائر باعتذار رسمي مكتمل عن الحقبة الاستعمارية في سبيل استمالتها إلى صفها أو على الأقل تحييدها وترويض النزعة السيادية لعبدالمجيد تبون وتوجهاته المعادية لفرنسا وأتباع فرنسا في الجزائر، والذي يلقبهم حرفياً بـ"حزب أولاد فرنسا"، وهم أنصار تيار الفرانكفونية الذين يشكلون نفوذاً واسعاً في أجهزة الدولة.

في الشهر الماضي وفي حوار مع قناة فرانس 24 (تم طردها سابقاً خلال الحملة الانتخابية من الجزائر واتهمها باستهداف السلم القومي الجزائري) قال عبدالمجيد تبون إن باريس قدمت نصف اعتذار، معرباً عن أمله في أن تواصل على نفس المنهج وتقدم كامل اعتذارها، معتبراً أن ذلك سيتيح تهدئة المناخ وجعله أكثر صفاءً من أجل علاقات مستقبلية جيدة، خاصة أن الجالية الجزائرية في فرنسا تقدر بـ6 ملايين.

وكدليل على اعتزام فرنسا تلطيف العلاقات مع الإدارة الجديدة في الجزائر، استقبلت الأخيرة رفات 24 مقاتلاً قُتلوا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي، تمت استعادتها من فرنسا، وهو مؤشر ثقيل على تحسن العلاقات بين باريس والجزائر.

كما أسلفنا بالذكر فإن فرنسا جادة إلى حد كبير في تلطيف العلاقات مع الإدارة الجزائرية الجديدة، حيث كلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسمياً المؤرخ الفرنسس بنيامين ستورا (يهودي من أصل جزائري) بمهمة تتعلق بـ"ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر" والتي من المتوقع أن تصدر نتائجها نهاية هذه السنة بالشراكة مع المستشار الرئاسي الجزائري عبدالمجيد الشيخي الذي كلفه قصر المرادية بالعمل على ملفات "الذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني".

نوايا باريس "الطيبة " مع الجزائر لا يمكن وضعها إلا في سياقها البراغماتي، فالرئيس الفرنسي الشاب وعقله الدبلوماسي جون إيف لودريان أدركا أن استعداء الجزائر وإدارتها لن يكون إلا حجر عثرة يحول دون استعادة فرنسا مكانتها التاريخية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

الإدارة الفرنسية الواقعية لا تعير كثيراً من الاهتمام للنوستالجيا الاستعمارية التي أصبحت تاريخاً لا ضير في تصحيحه أو حتى إعادة صياغته مقابل إعادة التموقع خاصة في المشهد الليبي المعقد، إذ إن فرنسا تراهن على الجنوب الليبي باعتباره مفتاحاً لإفريقيا، ففرنسا التي تحافظ على علاقات طيبة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومن خلفه الإمارات تقرأ ألف حساب أيضاً للدور الجزائري الذي لا يمكن لأي معادلة سياسية أو عسكرية في ليبيا أن تمر دونه.

التنازلات الفرنسية وهرولتها نحو تلطيف العلاقات مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات وإذابة الجليد المتراكم، لكنها لا تعني بأي شكل من الأشكال شراء الصمت الجزائري في المسألة الليبية، حيث إن المؤسسة العسكرية في الجزائر تنظر بعين الريبة للتطورات في جارتها الشرقية باعتبارها جزءاً من أمنها القومي، وعبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة بتحذير المشير المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه من مغبة الدخول في مغامرة عسكرية غير محمودة العواقب، حيث اعتبرت أن "طرابلس خط أحمر"، وأن أي تسوية لن تكون غير تسوية دبلوماسية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
طارق عمراني
كاتب وصحفي تونسي
تحميل المزيد