ذكرت مصادر إيرانية متطابقة لـ"عربي بوست" أن العاصمة العمانية، مسقط، شهدت 3 جلسات حوار بين الجانبين الإيراني والأوكراني؛ لمناقشة دعم طهران لموسكو في الحرب الروسية الأوكرانية، بعد اتهامات بتصدير إيران طائراتها من دون طيار إلى روسيا لاستخدامها في الحرب.
وذكرت المصادر أنه من المحتمل أن يُعقد اجتماع رابع خلال الشهرين القادمين. كل هذه الاجتماعات تأتي في وقت تسعى فيه طهران لإحياء مفاوضات ملف الاتفاق النووي، بعد مقترح قدمته باريس.
3 لقاءات في عُمان
قال مسؤول إيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "إن 3 اجتماعات دارت بين فنيين عسكريين من الجانبين، الإيراني والأوكراني، في دولة عمان، خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 2022".
وبحسب المصدر ذاته، فإن الاجتماعات جاءت بعد محادثات بين مسؤولين غربيين، على رأسهم الفرنسيون، مع نظرائهم العمانيين، للتوسط لدى إيران لحل أزمتها مع أوكرانيا، بعد تأكد كييف أن الطائرات من دون طيار الإيرانية، تم استخدامها من قبل روسيا في الحرب الحالية بينهما.
وذكر المسؤول الإيراني، الذي نسق المحادثات بين طهران وكييف في مسقط، لـ"عربي بوست"، أن المؤسسة السياسية الإيرانية وافقت على طلب عقد الاجتماعات مع الأوكرانيين، لمناقشة مسألة الطائرات من دون طيار، وتأكيداً على النية الحسنة لطهران، وعدم تورطها مع أي جانب من جانبي الحرب، على حدّ وصفه.
منذ بدء الحرب الأوكرانية الروسية، في فبراير/شباط 2022، توطدت العلاقة بين طهران وموسكو بشكل غير مسبوق من قبل، خاصة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتمتع بثقة كبيرة في روسيا، نظراً لتاريخ العلاقة بين البلدين منذ قرون.
العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، نتيجة حربها ضد أوكرانيا، دفعت موسكو إلى التعامل مع طهران القابعة تحت العقوبات الاقتصادية منذ سنوات، للتعاون الاقتصادي والعسكري، وقد تناولت العديد من التقارير الغربية أدلة تؤكد تصدير إيران لطائرات من دون طيار إلى روسيا، بينما نفت طهران هذا الأمر مراراً وتكراراً.
مشكلة الطائرات من دون طيار الإيرانية
في الاجتماعات بين إيران وأوكرانيا، والتي استضافتها دولة عمان، قدم المسؤولون الأوكرانيون أدلة قاطعة على أن الطائرات من دون طيار التي استخدمتها روسيا في الحرب، كانت إيرانية الصنع.
في هذا الصدد، يقول مصدر إيراني مقرب من الحرس الثوري الإيراني، وعلى معرفة بما دار في هذه اللقاءات لـ"عربي بوست"، إنه في الاجتماع الأول في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والذي حضره عسكريون وفنيون من الحرس الثوري، قدم الفريق الأوكراني أدلة على أن الطائرات من دون طيار التي استخدمتها روسيا إيرانية الصنع، في البداية لم يوافق الفريق الإيراني على هذه الأدلة.
وأضاف المصدر ذاته قائلاً "لكن تقريباً في الاجتماع الثاني، تم توضيح الموقف الإيراني بعناية". دافعت طهران عن نفسها، قائلة إن الطائرات من دون طيار الإيرانية المستخدمة في الحرب الروسية الأوكرانية، تم تصديرها إلى موسكو، قبل الحرب بأشهر، دون معرفة الجانب الإيراني بأي تفاصيل عن الحرب بالطبع، بحسب المصدر السابق.
هذا ما دار في الاجتماع الأول والثاني في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022. أما في الشهر التالي، ديسمبر/كانون الأول، وبعد تقليل حدة التوترات بين الفريقين الإيراني والأوكراني، كان الاجتماع الثالث هادئاً إلى حد ما، بحسب المصادر التي تحدثت إلى فريق "عربي بوست".
في نفس السياق، يقول مسؤول عسكري إيراني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "كان أساس الاجتماع الثاني مع الأوكرانيين، هو التأكيد على عدم تورط الجمهورية الإسلامية بأي شكل من الأشكال في الحرب الاوكرانية، والتأكيد على أن إيران تحترم سيادة جميع البلدان، وعلى ما أعتقد قد تفهم الفريق الأوكراني وجهة النظر الإيرانية".
لكن على ما يبدو أن الفريق الأوكراني، الذي التقى نظيره الإيراني في عُمان، لم يصرح بشكل مباشر وصريح على تصديقه على تأكيدات وأحاديث الفريق الإيراني، وهذا ما أشار إليه مسؤول إيراني ثان بارز، في حديثه مع "عربي بوست".
"الأوكرانيون يريدون دليلاً قوياً على امتناع إيران عن بيع الطائرات من دون طيار إلى روسيا، كدليل على عدم تورط طهران في هذه الحرب، مرة ثانية، بالرغم من توضيحها أكثر من مرة، أن الطائرات المستخدمة تم بيعها الى روسيا قبل الحرب بفترة زمنية طويلة، ومنذ بدء الحرب لم تقم إيران ببيع أي طائرة من دون طيار إلى الروس"، بحسب المسؤول.
هل هناك مزيد من الاجتماعات في المستقبل القريب؟
بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن اللقاءات الثلاثة السابقة في نهاية العام الماضي، كانت تتأرجح ما بين الإيجابية والسلبية، لكن هذا لم يمنع احتمالية وجود اجتماع رابع في المستقبل القريب.
يقول المصدر الإيراني المقرب من الحرس الثوري، لـ"عربي بوست"، "إلى الآن، هناك احتمالية كبيرة تقول إن هناك اجتماعاً رابعاً من المفترض أن يكون في شهر أبريل/نيسان القادم، خاصة بعد حادثة الهجوم على مدينة أصفهان الإيرانية".
وكانت إحدى المنشآت العسكرية، في نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2023، تعرضت إلى هجوم بطائرات من دون طيار، في مدينة أصفهان الإيرانية، وعلى الفور اتهمت طهران إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم، وهذا ما أكدته تقارير إعلامية أمريكية، نقلاً عن مسؤولين رفيعي المستوى لم تُسمهم.
لكن خلف الأبواب المغلقة في الدوائر السياسية المهمة في إيران، تم اتهام أوكرانيا أيضاً بالضلوع في هذا الهجوم على مدينة أصفهان.
في هذا الصدد، يقول محلل السياسات الخارجية المقيم بطهران، والمقرب من دوائر صنع القرار الإيرانية، لـ"عربي بوست"، "بالرغم من الحوار السابق بين أوكرانيا وإيران في عمان، وبالرغم من التأكيدات القوية التي قدمتها طهران لكييف بشأن عدم تورطها في الحرب، فإن هناك شكوكاً كبيرة واتهامات أكبر يرددها كبار المسؤولين في طهران، حول تورط أوكرانيا بمساعدة إسرائيلية في هجوم أصفهان".
هل تعني هذه الشكوك والاتهامات الإيرانية لأوكرانيا، القضاء على احتمالية جلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات في المستقبل القريب؟ يجيب عن هذا التساؤل في حديثه لـ"عربي بوست"، المسؤول الإيراني الأول، فيقول "لا، بالعكس، طهران مهتمة بعقد الاجتماع الرابع، ومواجهة الأوكرانيين بهذه الشكوك، التي يجب على الحكومة الأوكرانية تقديم ما ينفيها بشكل قوي ومباشر".
لكن ما الذي دفع إيران للحوار مع أوكرانيا؟
هناك إجابة مختصرة لهذا السؤال، وهي: إحياء المفاوضات النووية المتعثرة منذ أشهر، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
لكن هذه الإجابة المختصرة تحمل الكثير من الدوافع التي دفعت طهران لإجراء اجتماعات مع المسؤولين الأوكرانيين، بشأن مسألة تصديرها للطائرات من دون طيار إلى روسيا، في وقت حساس بالنسبة لموسكو وطهران، تعرضهم لعقوبات قاسية.
يقول مصدر دبلوماسي إيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، "هناك رغبة قوية لدى إدارة الرئيس ابراهيم رئيسي، لاستئناف المفاوضات النووية، الحوار مع الأوكرانيين، جاء باقتراح فرنسي، من أجل حل الخلافات بين إيران والدول الغربية فيما يخص مسألة الاتهام المزعوم لتصدير إيران لطائرات من دون طيار لروسيا لاستخدامها في الحرب الأوكرانية الروسية".
كانت دائماً الدول الأوروبية الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني، تتحلى بموقف مرن تجاه إيران، فيما يخص مفاوضات العودة لإحياء الاتفاق النووي، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب من الصفقة النووية، في مايو/أيار 2018.
ومنذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه، بدأت المفاوضات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن برعاية الاتحاد الأوروبي، من أجل التوصل إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي، لكن المفاوضات قد تعثرت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وتوقفت بشكل كامل منذ شهر أغسطس/آب 2022، بسبب بعض المطالب من كلا الجانبين، الإيراني والأمريكي.
استئناف المفاوضات
كانت الدول الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة)، تحاول استئناف المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، لكن جاءت الحرب الأوكرانية الروسية، والمزاعم الأمريكية بتصدير إيران لطائراتها من دون طيار إلى روسيا، لتضفي بعض الحدة من قبل الدول الأوروبية تجاه إيران.
في هذا الصدد، يقول محلل السياسات الخارجية المقيم بطهران، والمقرب من دوائر صنع القرار، لـ"عربي بوست"، "كان لدى الحكومة الإيرانية نية كبيرة وجادة لاستئناف المفاوضات النووية، لكن جاءت الاضطرابات في إيران والحرب الأوكرانية الروسية، وزادت الأمور تعقيداً".
من ضمن الأسباب الأخرى لغضب الدول الأوروبية من إيران، وتراجعها عن محاولاتها السابقة للتوفيق بين واشنطن وطهران لاستئناف المفاوضات النووية، هي الاحتجاجات التي انتشرت في إيران، منذ 16 سبتمبر/أيلول 2022، بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، بعد اعتقالها من قبل إحدى دوريات الإرشاد، أو ما يُطلق عليه شرطة الآداب، بزعم عدم ارتدائها الحجاب بشكل يتماشى مع قوانين الزي الإسلامي للجمهورية الإسلامية.
قوبلت الاحتجاجات في إيران بحملة قمع عنيف من قبل قوات الأمن الايرانية، ومما زاد الأمور تعقيداً، هو اعتقال الآلاف من المتظاهرين وقيام السلطات القضائية بإعدام 4 معتقلين بتهم "الفساد في الأرض"، ومحاربة الله"، وهي تهم يُعاقب عليها بالإعدام وفقاً لقانون العقوبات الاسلامي الايراني.
أساءت حملة الإعدامات والاعتقالات، والعنف ضد المتظاهرين استياء الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، واتهموا الجمهورية الإسلامية بانتهاك حقوق الإنسان، مما دفعهم إلى تعطيل عملية استئناف المفاوضات النووية.
لكن في نفس الوقت، تمر إيران في الأشهر الأخيرة، بأزمة اقتصادية على ما يبدو أنها كبيرة جداً هذه المرة، لذلك جاء التفكير في تقديم بعض التنازلات داخلياً وخارجياً من أجل إقناع الغرب والولايات المتحدة باستئناف المفاوضات النووية الهادفة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
في هذا الصدد، يقول المسؤول الأول الإيراني، لـ"عربي بوست"، "يجب الاعتراف بأن الأزمة الاقتصادية كبيرة، وأن الحكومة أمام مأزق اقتصادي كبير هذه الأيام، حاولت الحكومة الاعتماد على الشركاء الاستراتيجيين، لكن الأمور لا تسير دائماً وفق ما نتمنى"، في إشارة إلى رغبة إيران في زيادة التعاون الاقتصادي مع الصين.
طرحت الحكومة الإيرانية في الأسابيع الأخيرة، مشروعها لخصخصة عدد كبير من الشركات والمصانع الحكومية للقطاع الخاص، في محاولة لحل أزمتها الاقتصادية المتنامية، فجاء الاقتراح الفرنسي بجلوس إيران إلى طاولة الحوار مع المسؤولين الأوكرانيين، للوصول إلى تسوية فيما يخص مسألة بيع الطائرات من دون طيار الإيرانية إلى روسيا، بالإضافة إلى تقديم تنازلات داخلية من قبل المرشد الأعلى الإيراني، بإصدار عفو عن عدد كبير من المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة، كحل وسط لاستئناف المفاوضات النووية، ولتقليل حدة التوترات بين طهران والدول الأوروبية.
يقول المسؤول الإيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، "من المتوقع أن تكون بعض الإجراءات التي يمكن وصفها بالمرونة داخلياً وخارجياً، من قبل القيادة الإيرانية، هي إشارة للغرب برغبة إيران في استئناف المفاوضات النووية، وإعادة فتح الحوار الدبلوماسي بين طهران والعواصم الأوروبية، من أجل إحياء الاتفاق النووي، الاقتصاد الإيراني بحاجة ماسة إلى إحياء الصفقة النووية".
كما أشار المصدر ذاته إلى مسألة أخرى مهمة، وهي تصدير الطائرات من دون طيار إيرانية الصنع إلى روسيا، فيقول لـ"عربي بوست"، "هذه المسألة من الممكن حلها مع الغرب، ومن المحتمل أن يكون هناك قرار مباشر من قبل المرشد الأعلى بشأن تصدير الطائرات المسيرة إلى روسيا في الأشهر المقبلة".. كما أكد المصدر أن حديثه لا يعني التأكيد على المزاعم الأمريكية بتصدير إيران لطائراتها من دون طيار إلى روسيا في وقت الحرب مع أوكرانيا.