بدأ سائقو قطارات ومعلمون وعمال مصافٍ وغيرهم من الفرنسيين إضراباً عن العمل، الخميس، 19 يناير/كانون الثاني 2023، احتجاجاً على خطط الحكومة لرفع سن التقاعد عامين إلى 64. وتمثل الإضرابات والاحتجاجات اختباراً كبيراً للرئيس إيمانويل ماكرون.
يأتي هذا في وقت وجَّه فيه مواطنون فرنسيون اتهاماتٍ لرئيسهم بـ"الفرار" إلى إسبانيا، من تداعيات إصلاحه للمعاشات التقاعدية، بعد أن تبيَّن أنه سيكون في مدريد لتوقيع معاهدة "صداقة"، بالتزامن مع الاحتجاجات، بحسب ما أفادت به صحيفة تلغراف البريطانية.
بينما تواجه النقابات العمالية تحدياً لتحويل هذه المعارضة إلى إصلاح، وتحويل الغضب من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
حيث قال لوران بيرجيه، رئيس الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل، أكبر نقابة في فرنسا، لتلفزيون (بي.إف.إم) "نحن بحاجة إلى انضمام كثير من الناس للاحتجاجات". وأضاف "الشعب ضد هذا الإصلاح… نحتاج إلى إظهار" هذا في الشوارع.
كما أشار قادة النقابات، الذين يُتوقع أن يعلنوا عن إضرابات واحتجاجات أخرى في وقت لاحق اليوم، إلى أن اليوم الخميس ليس إلا بداية. وقالت روزين كروس، وهي تستعد مع معلمين آخرين للإضراب، ويرفعون لافتات احتجاجية في مدينة كان بجنوب فرنسا، "لا خير في هذا الإصلاح".
جاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين، وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) كمساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027. وقال وزير العمل الفرنسي أوليفييه دوسوبت لتلفزيون (إل.سي.آي) إن "هذا الإصلاح ضروري وعادل".
مظاهرات تاريخية في فرنسا
ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، وحّدت النقابات العمالية جميع صفوفها لإنجاح هذه المظاهرات، والضغط على الحكومة للتخلي عن هذا الإصلاح، الذي من شأنه رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً بحلول 2030، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي للحصول على معاش تقاعد كامل، في وقت يعاني فيه غالبية الفرنسيين من غلاء المعيشة بسبب التضخم.
فيما تمت تعبئة أكثر من 10 آلاف شرطي ودركي لضمان الأمن خلال المظاهرات، بينهم 3500 في العاصمة باريس، التي ستشهد مظاهرة كبيرة تنطلق من ساحة الجمهورية إلى ساحة الأمة، وتتوقع وزارة الداخلية مشاركة "نحو ألف" متظاهر "قد يلجأون إلى العنف".
فيما دعا معسكر اليسار جميع الفرنسيين إلى الخروج إلى الشارع، للتعبير عن رفضهم لهذا المشروع الذي أثار حفيظة العديد من النواب في الجمعية الوطنية، لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى صفوف "الاتحاد الشعبي والبيئي الجديد" بقيادة جان لوك ميلنشون.
من جانبه، وعد فيليب مارتينيز، رئيس الكونفدرالية العامة للعمال (اليسار)، بـ"تعبئة شعبية كبيرة"، فيما دعا إلى خروج "مليون فرنسي إلى الشارع". نفس الرسالة أراد إيصالها لوران بريجيه، رئيس الكونفدرالية الفرنسية للعمال، والذي طلب حضور "أكبر قدر من الناس" خلال المظاهرات التي ستجوب مدناً فرنسية عديدة، وإليكم القطاعات التي ستشهد اضطرابات كبيرة طيلة يوم الخميس.
شلل في قطاع المواصلات
تقول وكالة الأنباء الفرنسية، إنه من المتوقع أن تُسبب الاحتجاجات شللاً في حركة النقل في منطقة "إيل دو فرانس"، بعد أن دعت نقابات القطاع إلى المشاركة بكثافة في الإضراب، خاصة أنهم سيكونون من "المتضررين" حسبها (النقابات)، بسبب عزم الحكومة إلغاء النظام التقاعدي الخاص بعمال هذا القطاع، والذي يسمح لهم بالتقاعد في سن مبكرة مقارنة بالفرنسيين الآخرين.
أما مترو الأنفاق، فينتظر غلق الخطوط رقم 8 و10 و11. أما الخطوط العشرة المتبقية فستشهد اضطراباً جزئياً طيلة نهار الخميس، وفق مسؤولين في قطاع النقل. وخطّا المترو رقم 1 و14 فسيعملان بشكل عادي كونهما يسيران بشكل آلي.
وفي السكك الحديدية تتوقع شركة "إس إن سي إف" الوطنية "اضطرابات كبيرة"، مع تسيير ثلث القطارات السريعة، أو حتى خُمس القطارات السريعة، وفقاً للخطوط، ومعدل قطار إقليمي واحد من عشرة.
رغم أن الإضراب لن يؤثر كثيراً على الملاحة الجوية، مقارنةً بوسائل النقل الأرضية، فإن الإدارة العامة للطيران المدني أكدت أن نقابات عمالية أخرى قد دعت إلى التظاهر ووقف العمل، داعيةً بعض شركات الطيران إلى تقليص بحوالي 20% من عدد الرحلات المبرمجة، لمنع تعرُّض المسافرين إلى مشاكل في التنقُّل.
فيما يُتوقع أن تشهد الرحلات تأخيرات عديدة، بسبب مشاركة موظفي المطارات ونقل الأمتعة وشرطة الحدود في الإضراب.
قطاع التربية
كما ستُغلق أقسام عديدة أبوابها، الخميس، خاصةً في التعليم الابتدائي، بعدما دعت فيدرالية النقابات الموحدة التي تمثل غالبية المدرسين الفرنسيين إلى المشاركة في الإضراب. ومن المتوقع إغلاق 70% من المدارس الابتدائية والحضانات، كون أن "موظفي هذا القطاع معنيون بالنظام التقاعدي الجديد، الذي تريد الحكومة فرضه"، بحسب ما صرَّحت به غزلان دافيد، إحدى الأمينات العامات، والناطقة الرسمية لهذه الفيدرالية.
وخلافاً لمعلمي الابتدائي، فمدرسو الثانويات غير مضطرين لإخبار إداراتهم قبل يومين بأنهم سيُضربون عن العمل. وبالتالي لا نعلم جيداً عما إذا كان قطاع التربية في الثانويات سيشهد اضطرابات كبيرة أم لا، لكن نظراً للمشاكل العديدة التي يعانون منها، مثل ضعف الرواتب ونقص الإمكانيات المادية، وحتى مشكلة التقاعد، فهناك توقعات بأن يشاركوا بقوة في الإضراب.
قطاع الصحة
دعت غالبية نقابات قطاع الصحة للتظاهر، الخميس، للتنديد بتدهور ظروفهم العملية وتدني أجورهم. كما سيُشكّل إضراب الخميس فرصةً جديدة لعمال قطاع الصحة، الذين أُبعدوا من مناصبهم بسبب رفضهم تلقّي اللقاح ضد وباء كوفيد-19، للتعبير عن غضبهم، والمطالبة مرة أخرى بالعودة إلى وظائفهم. من جهة أخرى، ستبقى المستشفيات والعيادات الصحية مفتوحة لاستقبال المرضى، لكن صعوبة التنقل وعدم توفر المواصلات قد يحول دون وصول الموظفين إلى أماكن عملهم.
القطاع العام
من جانبها، دعت جميع نقابات قطاع الوظائف العامة (البلديات والمجالس المحلية والإدارات… إلخ) إلى وقف العمل، الخميس، والمشاركة بقوة في المظاهرات الاحتجاجية ضد مشروع نظام التقاعد الذي تريد الحكومة تمريره. وفي بيان مشترك، طالبت جميع النقابات الحكومة بـ"سحب مشروعها"، واصفةً إياه بـ"غير العادل وغير المجدي".
قطاع الأمن
قرَّرت جميع نقابات الشرطة المشاركة في المظاهرات التي ستنظم الخميس، واعتمدت على شعار واحد "لا يجب المساس بالنظام التقاعدي الخاص للشرطة".
قطاع الكهرباء والغاز
من الممكن جداً أن تشهد عملية تزويد الفرنسيين بالغاز والكهرباء بعض الاضطرابات، خاصةً أن الكونفدرالية العامة للعمال (اليسار) كشفت عن خطة لخوض معركة طويلة الأمد مع الحكومة، لإرغامها على سحب مشروعها. ومن بين الخطوط العريضة لهذه الخطة قطع الكهرباء والغاز عن بعض الأشخاص أو المؤسسات بشكل عمدي، وتخفيض كميات إنتاج الغاز، إضافةً إلى عرقلة العمل في بعض المحطات النووية المولِّدة للكهرباء. كما توجد قطاعات أخرى ستشارك في الإضراب.