قالت صحيفة Financial Times البريطانية في تقرير نشرته يوم الأحد 2 مايو/أيار 2021 إن الهند تواجه واحدة من أحلك لحظاتها منذ الاستقلال، بعد تفشّي الموجة الثانية من جائحة كوفيد-19 بسرعةٍ مُذهِلة في أرجاء البلاد.
إذ سجَّلَت الهند أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 386 ألف إصابة جديدة يوم الخميس 30 أبريل/نيسان 2021، إلى جانب أكثر من 3500 حالة وفاة. ويقول معظم الخبراء إن العدد الفعلي أعلى بكثير.
اتهامات للحكومة
حيث اتُّهِمَ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحكومته بالتسبُّب في تفاقم الأزمة من خلال عدم الاستعداد بعد الانخفاض الحاد في عدد الحالات الذي أدَّى إلى مزاعم بأن البلاد كانت في "نهاية لعبة" الجائحة.
في المقابل تجاوزت الزيادة الأخيرة كلَّ الأرقام القياسية منذ تفشي الجائحة لأول مرة. وتجاوزت الجائحة الكثير من الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية في البلاد، مِمَّا أثَّر على الأغنياء والفقراء في المناطق الريفية والحضرية.
حيث اشتدَّت الاضطرابات بسبب النقص الحاد في إمدادات الإنقاذ مثل الأكسجين، بالإضافة إلى سلالات كوفيد-19 الجديدة. وتهدِّد عمليات الإغلاق الجديدة بعرقلة تعافي الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم.
القطاع الصحي في الهند
خلال الموجة الأولى في عام 2020 كان الجناح الذي تعمل فيه أبارنا هيغدي، طبيبة في مستشفى كاما، في مومباي ذي الإدارة الحكومية للنساء والأطفال، يستطيع أن يستوعب ما يصل إلى 60 مريضاً. ومع تصاعد الموجة الثانية من الجائحة في الهند، ارتفع عدد المرضى إلى 100.
قالت أبارنا إن الضغط على المستشفيات كشف نقص الاستعداد والإهمال المزمن للرعاية الصحية العامة. تنفق الهند حوالي 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على هذا القطاع. وأضافت: "نحن لا نتعلَّم من أخطائنا على الإطلاق. انتهت الموجة الأولى ولم نعتقد أن موجةً ثانية قد تأتي".
كانت الظروف شديدة الخطورة إلى درجة أن أبارنا لم تكن قادرةً على تأمين سريرٍ في المستشفى وأكسجين لزميلها الأصغر سناً الذي لا يعاني من أيِّ أمراضٍ مزمنة في دلهي في الوقت المناسب من أجل إنقاذه. تقول عن ذلك: "ما كان ينبغي لهذا الشاب أن يموت".
قالت أبارنا، التي تدير منظمة Armman، وهي منظمة غير ربحية تعمل مع الأمهات والأطفال، إن الضغط يؤثِّر على مجالاتٍ أخرى للصحة العامة مع احتمال حدوث عواقب طويلة الأمد. وأضافت أن حملات تحصين الأطفال خرجت عن مسارها وأن الأمهات الحوامل يكافحن من أجل تلقي العلاج.
أضافت: "لا يجب أن تصير الهند على هذه الحال. هذا هو الشيء المفجع، وهذا هو السبب في أن الأمر يؤلم أكثر من ذلك بكثير".
محارق الجثث
أما فيشواناث تشودري، رئيس محارق الجثث في مدينة بنارس القديمة على ضفاف نهر الغانغ المُقدَّس ويبلغ من العمر 39 عاماً، ومن طائفة الدوم، فيقول إنه مع ارتفاع عدد الجثث التي تصل يومياً إلى 100 جثة، مقارنةً بأقل من 15 في العام الماضي، أصبحت الحرارة الحارقة واللهب المتصاعد لا يمكن تحمُّلهما.
قال تشودري: "لقد شاركت عائلتنا في إدارة محارق الجثث لأجيال. لم يشهد أحدٌ أياً من ذلك من قبل". وأضاف: "العام الماضي لم يكن مثل ما نشهده اليوم. الوضع مُروِّع. في مثل هذه الأوقات غالباً ما تضيع البشرية".
تسبَّبَت هذه الأزمة الرهيبة في نقص الأخشاب للمحارق، مع رفع الأسعار من جانب البائعين بشكلٍ كبير.
رحلة شاقة
في حين يقول رام فيلاس غوبتا، عامل مهاجر في مدينة تشانداولي، بولاية أتر برديش الذي ترك بلاده منذ أكثر من 15 عاماً، متوجِّهاً إلى مومباي، إنه مثل ملايين المهاجرين الآخرين، أُجبِرَ على رحلةٍ ملحمية يائسة إلى الوطن العام الماضي، بعد أن دخلت البلاد في حالة إغلاقٍ عام ونفدت مدَّخراته.
فمع انخفاض عدد حالات الإصابة في الهند بشكلٍ كبير في أواخر 2020 عاد إلى مومباي وسرعان ما صار يحقِّق أرباحاً شهرية تصل إلى ما كان يحصل عليه في فترة ما قبل الجائحة: 18 ألف روبية (243 دولاراً).
مع ذلك، لم يدم الانتعاش. بحلول أواخر مارس/آذار 2021، مع تضرُّر مومباي بشدة من موجةٍ ثانية من كوفيد-19، قلَّ عدد زبائن سيارات الأجرة بشكلٍ كبير، وبالتالي جفَّت أرباحه من هذا العمل.
عاطل عن العمل
الآن، بعد أن عاد إلى قريته وأصبح عاطلاً عن العمل مرةً أخرى، لا يعرف غوبتا كيف سيسدِّد الـ40 ألف روبية التي استعارها خلال أزمة العام الماضي. يقول: "كلُّ مدَّخراتي ضاعت. لقد مررنا بوقتٍ عصيبٍ للغاية".
إذ تتمثَّل أكبر مخاوفه الآن في الفيروس، الذي يتفشَّى في المناطق الريفية في الهند، والذي قد يصل إلى قريته، حيث لا يزال الكثير من الناس يشكون في وصول الفيروس إلى القرية. ويضيف: "لهذا السبب أتيت إلى القرية. يقول البعض إن الفيروس ليس موجوداً هنا، لكنني خائف".
في المقابل حاول سوريندرا بهاتاشارجيه، أستاذ جامعي في دلهي، مثل الكثيرين غيره في الأسابيع الأخيرة، العثور على سريرٍ في المستشفى لأحبائه المصابين، وفشل في ذلك.
إذ تتمتَّع الطبقات المتوسِّطة والعليا في الهند عادةً بإمكانية الوصول إلى رعايةٍ صحية عالمية المستوى، حتى مع اعتماد الفقراء على المستشفيات الحكومية التي تعاني من نقص التمويل. ولكن الآن، حتى أولئك الذين يستطيعون تحمُّل تكاليف المستشفيات، يكافحون من أجل تأمين العلاج.
فبعد انخفاض مستوى الأكسجين في الدم لدى غوري، شقيقة سوريندرا الكبرى المصابة بداء السكري، إلى أقل من 80%، استشار أستاذ الأعمال التجارية الأطباء ونصحوه بإدخالها المستشفى. تزيد القراءة الصحية للأكسجين في الدم عن 90%.
لكن مع امتلاء أسِرَّة المستشفيات في دلهي، فشلت محاولته للحصول على العلاج لأخته. وفي إحدى غرف الطوارئ، أبعده طبيبٌ وأشار إلى شابٍ يعاني من مستوى أكسجين منخفض يصل إلى 13% فقط. قال له الطبيب: "انظر إلى قراءته. أخبرني الآن، من يجب أن نختار؟".
قال سوريندرا إنه أدرك أنه لا جدوى من المحاولة، فأحضر أخته إلى المنزل ثم وجد أسطوانة أكسجين لكنه لم يكن لديه المعدات اللازمة لتشغيلها.