لم يستطع المغاربة أن يفرحوا بمضامين بلاغ الديوان الملكي، الذي صدر عشية أمس الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، والذي أعلن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وفي نفس الوقت تطبيع المغرب مع إسرائيل.
ورغم محاولة صائغ بلاغ الديوان الملكي أن يمتص غضب الشعب فابتعد عن لغة تتجه كلماتها نحو "التطبيع" وتحدث عن "عودة العلاقات كما كانت بين المغرب وإسرائيل قبل 2002″، إلا أن ردود أفعال كانت كما المتوقع والخلاصة "المملكة طبعت العلاقات مع إسرائيل".
وإذا كان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب لأول مرة على إقليم الصحراء قد لقي إشادة من المغاربة ملكاً وحكومة وشعباً، فإن العودة الرسمية لتطبيع المغرب مع إسرائيل خلف ردود فعل غاضبة، خصوصاً أن المغاربة أعلنوا تعاطفهم الكبير مع القضية الفلسطينية والملك محمد السادس يترأس لجنة القدس.
لا علم للحكومة
منذ أيام قليلة طرح "عربي بوست" سؤالاً على وزير في الحكومة المغربية عن مدى صحة ما يُتداول في الإعلام الإسرائيلي عن اقتراب إعلان تطبيع المغرب مع إسرائيل، فكان جوابه "أستبعد بشدة حدوث تطبيع للعلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين".
ولم تمض سوى أيام قليلة على هذا الحديث حتى أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 في تغريدة على حسابه في تويتر توافق المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، كما أعلن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو".
وحسب المعلومات التي تأكد منها "عربي بوست" فإن وزراء الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي لم يكونوا على علم بتفاصيل تطبيع المغرب مع إسرائيل، كما أن القرار اتخذ على مستوى دائرة ضيقة جداً بالقصر ومحيطة بالملك محمد السادس، بما أنه المسؤول الأول عن السياسة الخارجية للبلاد.
"عربي بوست" تواصل مع وزراء في الحكومة ومصادر رفيعة المستوى بمجرد إعلان دونالد ترامب لخبر تطبيع المغرب مع إسرائيل عبر حسابه في تويتر وقبل أن يصدر بلاغ الديوان الملكي، فكان ردهم "علمنا بالخبر مثلنا مثلكم، حتى أننا لم نستعد للرد على أسئلة الإعلاميين في الموضوع".
وكشف مصدر رفيع المستوى في حديثه مع "عربي بوست" أن "التطبيع كان متوقعاً، وبدأ التجهيز له إعلامياً بالموازاة مع المفاوضات التي كانت في الكواليس، كما أن المغرب تعرض لضغوط من طرف الإدارة الأمريكية للاتجاه في هذا المسار والمغرب اختار أهون الشرَّين".
وأضاف المصدر في حديثه مع "عربي بوست" أن "المغرب لن يفتح أي قنصلية أو سفارة إسرائيلية في المملكة، ولن يفتح سفارته في إسرائيل، لأن الأمر سيقتصر على فتح مكاتب الاتصال الذي كان مفتوحاً إلى غاية 2002".
وأشار المصدر ذاته إلى أن "المغرب لن يسمح لمواطنيه بالسفر المباشر لإسرائيل، وسيقتصر الأمر على ضمان رحلات من وإلى إسرائيل لليهود المغاربة والحاملين للجنسية الإسرائيلية قصد السياحة في المملكة".
العدالة والتنمية الإسلامي بين موقفين
اختار سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الحديث بلغة دبلوماسية بيضاء في تصريح وحيد أدلى به لقناة تلفزيونية رسمية، مشيداً بـ"اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء" ومتفادياً "الحديث عن تطبيع المغرب مع إسرائيل".
واعتبر العثماني في تصريحه أن "اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية كدولة كبرى، وعضو في مجلس الأمن يعد إنجازاً كبيراَ سيكون له تأثير على القضية الصحراوية في الشهور المقبلة".
موقف العثماني لا يترجم موقف مكونات حزبه الذي رفع دائماً شعار "فلسطين حرة.. إسرائيل محتلة"، إذ عبر عبدالعزيز أفتاتي القيادي في العدالة والتنمية، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن موقفه الغاضب من القرار المغربي، وقال في حديثه مع "عربي بوست": "إن تطبيع المغرب مع إسرائيل كدولة الاحتلال يظل مرفوضاً، ولا يمكن أن نقبل به نحن المغاربة تحت أي مبرر".
وأضاف القيادي والبرلماني السابق أنه "من غير المقبول مقايضة الصحراء بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب"، مضيفاً أن "جميع أطياف الشعب المغربي ترفض التطبيع".
من جهته كشف حمزة الأنفاسي، الباحث المغربي في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، أن "المغرب فضل مصالحه السياسية والاقتصادية، لأن القرار الذي اتخذه ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء سيكون له ما بعده، فهذا القرار سيدفع دولاً أخرى مؤثرة للاعتراف بسيادة المغرب، كما أنه سيسمح للشركات المغربية في منطقة غنية بالثروات وبالفرص التي يمكن استغلالها"، مرجحاً أن يكون هذا الأمر جزءاً من الاتفاق.
ويرى الأنفاسي أنه من "الصعب أن تتراجع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن هذا القرار بسبب قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يضم في عمومه عدداً من ذوي الأصول المغربية".
وأضاف المتحدث "أي محاولة من بايدن للتخلي عن هذا القرار سيوازيها توقيف المغرب للتطبيع مع اسرائيل، وهو ما ستكون له تداعيات سلبية على بايدن وسيجر عليه غضب اللوبي اليهودي".
رفض شعبي
وفي الوقت الذي حاول فيه بلاغ الديوان الملكي عدم الربط بين اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادته على إقليم الصحراء وتخليه عن القضية الفلسطينية، خرج عدد من المواقف المنددة بإعادة العلاقات بين المغرب واسرائيل قبل سنة 2002.
وعبَّر عدد من الهيئات المغربية على رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن "إدانتها القوية للمبادرة التطبيعية للدولة المغربية مع الكيان الصهيوني"، معتبرة أن "يوماَ أسود يُضاف إلى تاريخ النظام المخزني التطبيعي الطويل بعد إعلانه عن الشروع في تطبيع شامل لعلاقاته مع الكيان الصهيوني".
وأعلنت الهيئة رفضها لـ"قرار تطبيع المغرب مع إسرائيل الذي لا يعبر أبداً، بل يتنافى مع موقف الشعب المغربي، ويشجع على استباحة الدم الفلسطيني، وينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه في اليوم العالمي لحقوق الإنسان".
من جهتها، قالت أحزاب فيدرالية اليسار على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن "أكثر ما حاول خصوم وحدتنا الترابية فعله طوال سنين هو ربط قضيتي الصحراء وفلسطين".
ولفتت الفيدرالية إلى أن "أكثر ما نجح فيه المغرب منذ سنين هو عدم الربط بين القضيتين وإظهار الفرق بينهما، لكن هذا المساء منح المغرب خصومه هدية لا تقدر بثمن، لأن التطبيع خيانة".
لا محاباة للملك
من جهته، قال عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، إن "تطبيع المغرب مع إسرائيل أمر مرفوض، وإن صدور بلاغ من الديوان الملكي لا يعني القبول به، وفي هذه القضية ليس هناك أي مجال للمحاباة أو السكوت عن هذا الأمر".
وقال هناوي في حديثه مع "عربي بوست": "كنا طيلة الأربع سنوات الأخيرة نشيد بالموقف المغربي الرافض لمهزلة صفقة القرن وللهرولة التطبيعية الخليجية، والرافض للمقايضة والابتزاز عبر كسر العظم بقضية الصحراء، لكن مع هذا المستجد يتضح أن الضغوط التي مورست على المغرب قد نجحت في زعزعة موقفه باتجاه التموقع مع المربع المهرول نحو التطبيع".
وأضاف المتحدث: "لكل عاصمة عربية مبرراتها تغطي بها على التطبيع، ونحن كقوى مدنية نرفض مطلقاً أي سبب يُبرر تطبيع المغرب مع إسرائيل، فكيف والمبرر اليوم هو قضية اعتراف أمريكا بالصحراء، لأن الصحراء مغربية، والمغاربة في صحرائهم، ولا يحتاجون إلى التطبيع كي يحموا وحدتهم الوطنية".
واعتبر المتحدث أن "تطبيع المغرب مع إسرائيل يسيء للوحدة الوطنية، ويزعزع الموقف الوطني الداخلي، لأن الموضوع دقيق جداً، ويجعل الدولة المغربية في مواجهة الشعب الذي لن يقبل التطبيع".
وتوقع هناوي أن يكون هناك رفض قوي لهذه الخطوة من قِبَل كافة مكونات الشعب المغربي الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
من جهته، قال سيون أسيدون، الناشط المغربي اليهودي في مناهضة التطبيع والمعروف بدعوته لمقاطعة إسرائيل، إن "المغرب تعرض لضغط قوي من ترامب، وحاول ألا يتجاوب مع هذا الضغط، لكن مع الوقت بدأ يُروج المغرب في الكواليس بأن التطبيع رهين باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء، وهو ما استجاب له ترامب في آخر أيامه".
ويرى أسيدون في حديثه مع "عربي بوست" أن "ربط بلاغ الديوان الملكي التطبيع مع الصهاينة بالعلاقة مع اليهود من أصل مغربي أسطوانة قديمة من أجل تبرير عملية التطبيع، لأن مغربية هؤلاء اليهود لا تنفي إجرامهم في حق الشعب الفلسطيني، وهؤلاء أدوا الخدمة العسكرية في دولة الاحتلال وحملوا السلاح في وجه الفلسطينيين، وبالتالي فإجرامهم لا يختلف عن اليهود الروس والأوروبيين وغيرهم".
من جهته اعتبر خالد السفياني، المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي، أن "تطبيع المغرب مع إسرائيل خيانة لفلسطين مهما كانت مبرراته، وأي عمل تطبيعي سيكون مداناً من طرفنا ومرفوضاً ومناقضاً لإرادة الشعب المغربي، الذي طالما عبَّر عن رفضه لهذه الخطوة، وخاصة أن ترامب جعل من الأمر مقايضة".
وأضاف المتحدث في حديثه مع "عربي بوست" أن "الصحراء مغربية لا غبار عليها، وهي لنا وبين أيدينا ولا يمكن لا لترامب ولا لغيره أن يعطيها لنا أو ينزعها منا، كما أنه لا تعارض بين الصحراء وفلسطين".
تطبيع حذِر
وقال حمزة أنفاسي، الباحث المغربي في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، إن "بلاغ الديوان الملكي كان حذراً جداً، فهو من ناحية أكد على عودة الاتصالات كما كانت مع إسرائيل قبل سنة 2002، إذ كان لإسرائيل مكتب اتصال بالرباط ومن جهة أخرى أشار إلى على عدم تفريطه في حقوق الشعب الفلسطيني، نظراً للرمزية التي يحظى بها الملك محمد السادس كرئيس للجنة القدس".
ويرى الأنفاسي في حديثه مع "عربي بوست" أن "الملك محمد السادس بعث برسالة طمأنة إلى الفلسطينيين من خلال التأكيد على استمرار دعمه للقضية الفلسطينية وحل الدولتين، كما حاول عدم إثارة الشارع المغربي، الذي يضم قوى محافظة رافضة لأي تطبيع مع إسرائيل".
موقف الأنفاسي، يؤكده الناشط المغربي اليهودي سيون أسيدون، الذي أكد أن "العلاقات بين المغرب وإسرائيل لا يمكن أن تصل لدرجة فتح السفارات، وإلا فلا معنى لرئاسة الملك محمد السادس للجنة القدس".
وقال أسيدون: "أتوقع ألا يصل الأمر حد فتح سفارة لإسرائيل في المغرب، بل سيقتصر الأمر على فتح مكتب اتصال كما كان الأمر إلى حدود 2002 لأن المغرب مازال يعلن رسمياً أنه مع دعم القضية الفلسطينية".
أما أسيدون فيرى أن المغرب حقق نصراً من الناحية الدبلوماسية، لأن القرار الأمريكي يقوي موقعه، لكنه أصبح ضعيفاً من الناحية الأخلاقية أمام الشعوب بسبب إعلانه التطبيع مع كيان محتل.