تخطو العلاقات الإماراتية الإسرائيلية مستويات أكبر مما كان يتوقعه المراقبون، فبالتوازي مع دفء العلاقات السياسية ضمن المستوى الرسمي بينهما، بعد توقيعهما لاتفاق سلام وتطبيع في واشنطن قبل شهرين في سبتمبر، تتجه علاقاتهما بشكل متسارع وهي تكسر كل الخطوط الحمراء التي وقفت في وجه إسرائيل لاختراق المنطقة العربية.
آخرها كانت زيارة أول وفد من قادة المستوطنات الإسرائيلية لإمارة دبي الإماراتية، وكان على رأسهم يوسي داغان رئيس مجلس مستوطنات "شمرون" شمال الضفة الغربية المحتلة، برفقة عشرات المستثمرين ورجال الأعمال الإسرائيليين من مستوطني الضفة.
ضم الوفد مجموعة من المستوطنين الذين يشرفون على عمليات مصادرة أراضي الفلسطينيين، وهدم منازلهم، والسطو على ممتلكاتهم، ومنهم: بوعاز شيتزر- الرئيس التنفيذي لشركة "AST"، وهي شركة تقدم حلولاً تكنولوجية، وموشيه ليف ران نائب رئيس شركة "Tuito Plast" من منطقة "بركان" الصناعية المتخصصة في تصنيع ملحقات أجهزة تكييف الهواء وتوفير الطاقة، ويائير فلوفيتش الذي يمثل 30 شركة زراعية، وممثل شركة "تطوير وسط السامرة" عميتاي رويتمان، ومؤسس الشركة البلدية الاقتصادية في شمال الضفة الغربية.
تخللت الزيارة التي استمرت عدة أيام، البحث عن آفاق التعاون الإسرائيلي الإماراتي في قطاعات الاستثمار في مجال الهندسة الزراعية، وتحلية المياه، وتوليد الطاقة.
يوسي داغان رئيس الوفد الإسرائيلي الذي زار الإمارات، كشف لوسائل الإعلام الإسرائيلي أن "هذه الزيارة تشكل فرصة حقيقية تمكن مجلس المستوطنات الإسرائيلية من الحصول على أفضل الخدمات التجارية من أجل فتح أسواق جديدة للتصدير، ودفع العلاقات الاقتصادية لتصب في مصلحة 300 شركة تعمل في منطقة الضفة الغربية".
أكبر استفادة ممكنة من المجال الحيوي
نائل موسى أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس شمال الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست" إن "هدف الزيارة يأتي في ظل مساعي إسرائيل لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من المجال الحيوي الذي تحظى به الإمارات، كونها أكبر سوق استهلاكي وتسويقي على مستوى المنطقة".
وأضاف أن "وصول بضائع إسرائيلية منتجة في المستوطنات الإسرائيلية لعرضها في أسواق دبي وأبوظبي، يساهم في تسويق صورة إسرائيل في المنطقة، ليس فقط على مستوى الخليج، بل على مستوى دول العالم، نظراً لكون الإمارات تعد مركزاً إدارياً وتنفيذياً للشركات متعددة الجنسيات على مستوى الشرق الأوسط".
تكمن خطورة الزيارة الإسرائيلية للإمارات في كونها أول زيارة علنية لهيئة استيطانية إسرائيلية تطأ أراضي الإمارات، مما أكسب الزيارة صبغة سياسية، لا تقل أهمية عن مكاسبها الاقتصادية لصالح المستوطنين، الذين لم يتوقفوا منذ توقيع اتفاق السلام والتطبيع مع الإمارات عن ارتكاب أبشع انتهاكاتهم ضد الفلسطينيين، بل مارسوا ضغوطهم على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتنفيذ خطة الضم في الضفة الغربية، رغم تجميدها مؤقتاً.
خالد الأزبط، عضو الهيئة التنسيقية لحملة المقاطعة ضد إسرائيل قال لـ"عربي بوست" إن "وصول وفد استيطاني إسرائيلي بهذا المستوى إلى الإمارات، يعد نسفاً للجهود التي بذلتها حملات المقاطعة على مستوى العالم لعزل إسرائيل، وفي الوقت الذي نجحت فيه حملات المقاطعة في الحصول على قرار قضائي من المحاكم الأوروبية والأمريكية بتجريم منتجات المستوطنات، تأتي الإمارات لتقدم خدمة مجانية لدولة الاحتلال بفتح أسواقها أمام منتجات وسلع يتم إتلافها وحرقها في مدن العالم، بمجرد أنها موسومة بعبارات صنعت في المستوطنات".
وأضاف "كنا نتمنى أن يكون موقف الإمارات أكثر احتراماً لقرار شعبها وسكان باقي دول الخليج، الذين عبروا عن رفضهم لما سموه بالسلام الزائف، فيما تحاول إسرائيل استغلاله في تحقيق مكاسب سياسية باختراق الساحة العربية، بعد أن فشلت في الوصول لهذا الهدف بفضل جهود حملات المقاطعة".
تسعى إسرائيل للاستفادة من العمق الذي تحظى به الإمارات على الصعيدين المالي والاستثماري، حيث تصنف الإمارات بأنها الدولة التي تمتلك أكبر حجم من الأصول الاستثمارية العربية في الخارج، وتديرها صناديق وهيئات الاستثمار الحكومية مثل هيئة أبوظبي للاستثمار، ومؤسسة دبي للاستثمار، وصندوق مبادلة، وهيئة الإمارات للاستثمار، وصندوق إدارة الأصول الاستثمارية لإمارة الشارقة، وتقدر قيمة هذه الأصول بـ1.2 تريليون دولار، وتشكل ما نسبته 14.6% من قيمة كل أصول صناديق الاستثمار السيادية في العالم.
توفر هذه الموارد المالية فرصة أمام إسرائيل لتعظيم مكاسبها الاقتصادية، لأنها تمتلك ميزة تنافسية على صعيد التفوق التكنولوجي والتقني، ويمكنها توظيف الموارد المالية للإمارات من خلال استغلال العمق الذي توفره أسواق الخليج، من أجل فتح خط إنتاج حيوي ومركزي يساهم بإبقائها في طليعة الدول ذات التفوق الاقتصادي على مستوى المنطقة.
تزعم الإمارات أن هدفها من توثيق تعاونها مع إسرائيل هو نقل الخبرات إليها في مجال الهندسة الزراعية، لأنها ذات طابع صحراوي، ولا تمتلك اكتفاء ذاتياً في مجال إنتاج الخضراوات والفواكه، بعكس إسرائيل التي استطاعت تحويل صحراء النقب إلى سلة غذاء باكتفاء ذاتي وصل إلى 80%، يضاف لها ميزات أخرى تفتقرها الإمارات، وتمتاز بها إسرائيل، مثل مشاريع تحلية مياه البحر والطاقة المتجددة.
جعفر صدقة محرر الشؤون الاقتصادية في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية- وفا قال لـ"عربي بوست" إن "طبيعة النمط الاستهلاكي لدول الخليج، وتحديداً في الإمارات، كان دافعاً وراء إسرائيل للبحث عن سوق يستطيع امتصاص إنتاجها الوفير من السلع، ومن منظور آخر فإن الشراكة الاقتصادية مع الخليج ستكون ذات عوائد أكبر على إسرائيلي من السوقين الأمريكي والفلسطيني".
وأضاف أن "السوق الأمريكي يعد مكلفاً من حيث تكلفة الوقت التي تحتاجها السفن أو الطائرات التجارية لنقل البضائع من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، وعند مقارنة السوق الخليجي مع الفلسطيني فإن الميزة ستكون للأول كونه يحظى بمستويات دخل مرتفعة، مما يمكن الشركات الإسرائيلية من تحقيق هامش مضاعف من الأرباح".
فضلاً عن كل ما تقدم من مكاسب اقتصادية ومالية وتجارية، فإن هذه الزيارة الاستيطانية الإسرائيلية للإمارات تحمل اعترافاً ضمنياً من الأخيرة بهذه المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية، وفي الوقت الذي يقاطع قادة المستوطنين من معظم دول العالم، لأنهم مجرمو حرب، فإن الإمارات تفتح أبوابها أمامهم في تحدٍّ صارخ للفلسطينيين والعرب والقانون الدولي..