تكشف تحركات مكثفة وممنهجة، تتبعها "عربي بوست"، لمنظمات ومؤسسات تعمل كجهات ضغط لصالح إسرائيل، إضافة لمسؤولين أمريكيين، كيف لعبوا دوراً رئيسياً في حملة منظمة هدفت لدفع أمريكا ودول أخرى إلى تعليق المساعدات المقدمة لـ"الأونروا" في غزة، في خطوة تهدف لحلها بالكامل وتعود جذورها إلى سنوات، فيما تظهر بيانات أن جهات أمريكية تدعم تعليق المساعدات، تتلقى دعماً من أطراف داعمة لإسرائيل.
يكشف هذا التقصي جانباً من نشاط اللوبي الداعم لإسرائيل في أمريكا والخارج بشكل عام، من أجل إصدار قرارات تصب في صالح الاحتلال، لا سيما فيما يتعلق بالقرارات الأمريكية المتعلقة بالحرب على قطاع غزة.
أوقفت أمريكا دعم "الأونروا" ولحقت بها 16 دولة، بعدما قدمت إسرائيل لعدد من الدول "تقريراً استخباراتياً"، تضمن اتهامات لـ12 من موظفي "الأونروا" في غزة بـ"المشاركة" في هجوم 7 أكتوبر، وذكرت وسائل إعلام تلقت نسخاً من التقرير أنه كان يخلو من الأدلة
"Un Watch" تقود الحملة ضد "الأونروا"تعد منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" (Un Watch) من أبرز الجهات التي تحركت من أجل وقف تمويل "الأونروا" وإنهاء عملها في غزة، ومنذ عام 2015 وحتى يناير/كانون الثاني 2024، قدّمت 10 تقارير مليئة بالمزاعم، متهمةً "الأونروا" بأن المعلمين العاملين لديها في غزة "يروجون للقتل، وكراهية اليهود، ومعاداة السامية، وأنه يتم استغلالها من قبل الفصائل الفلسطينية"، وهي اتهامات نفت "الأونروا" صحتها مراراً.
كثفت المنظمة من نشاطها قبل القرار الأمريكي بقطع تمويل "الأونروا" وبعده، في خطوة تهدف لتجويع سكان القطاع ودفعهم لمغادرة أرضهم
حظيت تقارير المنظمة الهادفة لقطع تمويل "الأونروا"، بدعم وترويج من قبل "إيباك"، وهي جماعة الضغط الأمريكية الإسرائيلية التي تُعد من بين أبرز اللوبيات القادرة على التأثير بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية
لدى هذه المنظمة إمكانية واسعة في الوصول إلى جهات نافذة ومسؤولين مؤثرين، إذ تُرسل تقاريرها إلى الكونغرس الأمريكي، والاتحاد الأوروبي، وسفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، ليندا جرينفيلد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
وبعد 5 أيام من قرار أمريكا الأخير بوقف تمويل "الأونروا"، تحدث الرئيس التنفيذي للمنظمة هليل نوير في جلسة أمام أعضاء بالكونغرس، وسُمح له بعرض الاتهامات التي توجهها منظمته لـ"الأونروا" مكرراً ما دأب على قوله منذ عام 2015، ويحظى نوير باهتمام بالغ من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تغطي نشاطاته أو تستضيفه للحديث إليها.
تعمل المنظمة بنشاط لإقناع المسؤولين الأمريكيين بضرورة التحرك ضد "الأونروا"، وفي تقريرها تزعم المنظمة أن قناةً على تليغرام لموظفي "الأونروا" بغزة، تضمنت تعليقات مؤيدة لهجوم الفصائل الفلسطينية، لكن من خلال تحققنا من هذه المجموعة وجدنا أنها مجموعة غير رسمية، وأن المنضمين إليها هم باحثون عن عمل لدى "الأونروا". يتركز عمل المنظمة في رصد منشورات لموظفي "الأونروا" على شبكات التواصل، ومن خلال رصد تقاريرها فإنها تعتبر أي تأييد لبقاء الفلسطينيين في أرضهم أو الدفاع عنها، أو التنديد بالممارسات الإسرائيلية، بمثابة "دعم للإرهاب، وكراهية للإسرائيليين".
تخفي منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" مصادر تمويلها، لكن بيانات من المصادر المفتوحة تعطي لمحة عن ضخامة التمويل الذي تتلقاه وعن جزء من الداعمين لها، ومنذ عام 2019 وحتى 2023 تجمع المنظمة سنوياً ما يزيد عن مليون دولار من التمويل، بحسب بيانات نشرها موقع "Propublica".وعلى الرغم من أن المنظمة تزعم على موقعها الإلكتروني، بأنها منظمة "مستقلة، ولا تتلقى أي دعم مالي من منظمة أو حكومة"، إلا أن بيانات أوردها بحث لجامعة "باث" البريطانية عام 2015 كشف عن حجم الدعم الذي تلقته المنظمة، مع منظمة "NGO Monitor" الإسرائيلية، خلال الفترة بين 2009 و2013.تظهر البيانات حصول المنظمتين خلال هذه الفترة على نحو 2.6 مليون دولار، ومن بين الجهات المانحة، اللجنة اليهودية الأمريكية.
نوير مدافع شرس عن إسرائيل الشخص الأبرز في منظمة "مراقبة الأمم المتحدة"، هو رئيسها التنفيذي هيليل نوير، الذي تربطه علاقات قوية مع مؤسسات ومنظمات يهودية، ويحظى باستضافة واسعة على القنوات الأمريكية، وهو الرجل الذي يتصدر مهمة شيطنة "الأونروا" والدعوة لقطع المساعدات عن سكان غزة.
تم اختيار نوير من قبل "نقابة الأخبار اليهودية" (JNS) في عام 2020، ضمن أكثر 40 شخصية حول العالم مناصرة لإسرائيل، وتفاخر نوير بذلك في منشور له على حسابه في موقع "فيسبوك".
لم يكن تحرك منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" ضد "الأونروا" منفرداً، بل حدث بالتعاون مع "معهد مراقبة السلام" الإسرائيلي، وقبل صدور القرار الأمريكي بتعليق المساعدات، نشر المعهد تقريراً لشيطنة الأونروا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وكرر نفس الاتهامات التي توجهها إسرائيل للوكالة الأممية. وفي جلسة الكونغرس التي عُقدت نهاية يناير/كانون الثاني 2023 حول الأونروا، تحدث ماركوس شيف (إسرائيلي - بريطاني) الرئيس التنفيذي للمعهد الإسرائيلي أمام أعضاء بالكونغرس، وزعم في مداخلته التي نشرها موقع "الكونغرس"، أن "هدفه إظهار الدور المركزي الذي تلعبه الأونروا في نشر العقيدة المتشددة والتحريض على العنف على نطاق واسع في النظام المدرسي الفلسطيني، بما في ذلك قطاع غزة"، وفق قوله.
القضاء على الأونروا.. مطلب يعود لسنواتقادنا التقصي عن الجهات الداعمة لحل "الأونروا"، إلى نشاط مؤسسة أمريكية فكرية، تُسمى "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، تقول عن نفسها إنها تركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية، لكن في جوهر عملها تدعم إسرائيل وتعزز رواياتها المتعلقة بالحرب على غزة.يشير مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، في تحليل نشره عام 2015، إلى أن مواقف مركز "الدفاع عن الديمقراطية"، تتبع إلى حد كبير مواقف حزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. المتحدث الحالي باسم جيش الاحتلال، جوناثان كونريكوس، هو أحد أعضاء هذه المؤسسة، ولديه العديد من الكتابات فيها، كما يشغل القائد السابق للقوات الجوية الإسرائيلية، الجنرال عمير إيشيل منصب "زميل أول" للمؤسسة.
الشخصية الأبرز في المؤسسة الذي دفع باتجاه حل "الأونروا" وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، هو ريتشارد غولدبرغ، أحد كبار المستشارين في "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، وسبق أن شغل مناصب رسمية في أمريكا.كان غولدبرغ أحد المتحدثين أمام الكونغرس في جلسة عُقدت نهاية يناير/كانون الثاني 2024 ضد "الأونروا"، وهي نفس الجلسة التي تحدث فيها الرئيس التنفيذي لمنظمة "مراقبة الأمم المتحدة"، نوير. يعتبر غولدبرغ أن استمرار تمويل "الأونروا"، "أمر كارثي"، وفي تأكيد منه على الدعاية الإسرائيلية ضد "الأونروا"، يقول غولدبرغ: "تقوم الأونروا بتربية الأطفال على استيعاب شعارات الإبادة الجماعية"، وفق زعمه. واللافت أن "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، يقود جهوداً منذ سنوات من أجل إغلاق "الأونروا"، فعلى موقع "الكونغرس" الأمريكي، قدم المركز عام 2017 تقريراً إلى الكونغرس كتبه غولدبرغ، وطلب المركز إعادة تشكيل وحل "الأونروا" على مراحل.
في بداية عمله، حظي "مركز الدفاع عن الديمقراطية" بتمويل من شخصيات يهودية، وفي عام 2011، نُشرت وثائق تتضمن تفاصيل عن تمويل المركز والجهات الداعمة له، وبالعودة إلى الموقع الذي نشرها، فإنه على ما يبدو تم حذفها، وقد يكون لذلك علاقة بتعرض الموقع إلى ضغوط أدت لحذف الوثيقة. لكن لا تزال هناك نسخة مؤرشفة من الوثائق توصل "عربي بوست" إليها، ومما تظهره أن المركز حصل على تمويل من الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي العالمي، الملياردير، إدغار برونفمان، الذي توفي عام 2013، وكان برونفمان قد نجح في دفع أمريكا للضغط على الاتحاد السوفييتي بهدف السماح لليهود السوفييت بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية. كذلك تلقى المركز دعماً من "عائلة أبرامسون"، التي دعمت مشاريع لصالح إسرائيل، وتؤكد منظمة "صوت الجالية اليهودية"، أن عائلة "أبرامسون"، "دعمت قضايا الصهيونية واليهودية على مر السنين".
تشريع قانون وقف الدعم للأونروالا يقتصر التحرك لحرمان الفلسطينيين من المساعدات، على منظمات ومؤسسات في أمريكا داعمة لإسرائيل، فهنالك مسؤولون أمريكيون بارزون يلعبون دوراً رئيسياً في هذا الاتجاه أيضاً، من أبرزهم عضو الكونغرس (الجمهوري) كريس سميث، وهو عضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وقدم سميث تشريعاً يهدف إلى اتخاذ أمريكا قراراً بإيقاف دعم "الأونروا". وسميث هو الرئيس المشارك لتجمع "حلفاء إسرائيل"، ويعرف التجمع نفسه في موقعه الإلكتروني بأنه "التجمع الحزبي الوحيد المؤيد لإسرائيل في مجلس النواب الأمريكي"، وأيد النائب قرار الإدارة الأمريكية الأخير بوقف تمويل "الأونروا"، وقال في تصريحات لجلسة استماع لجنة فرعية في مجلس النواب الأمريكي، إن قرار الإدارة "رد طال انتظاره". يحظى تشريع قطع الدعم عن "الأونروا" بدعم أيضاً من النائبيْن الجمهورييْن، بريان ماست، وجو ويلسون، ويردد النواب الجمهوريون الداعمون لقطع المساعدات عن الفلسطينيين، نفس اتهامات إسرائيل ومراكز ومؤسسات الضغط في أمريكا، لـ"الأونروا"، ويزعمون أن الوكالة الأممية تُعلم "معاداة السامية، وكراهية إسرائيل".