كيفَ أصبحَت رواندا سنغافورةَ القارةِ الإفريقيةِ؟ رجلُ الأعمالِ العربيُّ أصيبَ بالدهشةِ لأنه سجَّلَ شركتَه بكلِّ إجراءاتِها في ستِّ ساعاتٍ وأينَ حدَثَ هذا؟ في رواندا .. آي نَعَم، رواندا (ولو كنتُ مكانَه لأُصبتُ أيضاً بالصدمةِ) رواندا التي شهِدَتْ أسوأَ عمليةِ تطهيرٍ عِرقيٍّ في تاريخِ البشريةِ لكنَّها الآنَ سنغافورةُ القارةِ الإفريقيةِ …. وأكثر التعليمُ في رواندا كان يرسِّخُ للعنصريةِ ويقسمُ البلادَ بينَ أغلبيةٍ من قبائلِ الهوتو وأقليةٍ بلا قيمةٍ من التوتسي حتى قامَت القيامةُ عامَ ألفٍ وتِسْعِ مئةٍ وثلاثةٍ وتسعينَ في ثلاثةِ أشهرٍ فقط أُبيدَ ثَماني مئةِ ألفِ توتسي اُغتصبَت مئاتُ آلافِ النساءِ ونزحَ عشراتُ الآلافِ الحرسُ الرئاسيُّ أشرفَ على المذبحةِ لكنَّ، رواندا بعدَ انتهاءِ الحربِ الأهليةِ أصبحتْ دولةً صغيرةَ المساحةِ مجتمعاً قَبَليّاً بلا أيةِ مقوماتٍ اقتصاديةٍ. اثنانِ وتسعينَ بالمئةِ مِن السكانِ يعملونَ بالزراعةِ والرعيِ. الديونُ وصلَت إلى ستةٍ وتسعينَ بالمئةِ من إجماليِّ الناتجِ القوميِّ. طيب لماذا نُشبِّهُها بسنغافورةَ؟ لأنَّ سنغافورةَ معجزةٌ وقصةُ نجاحٍ عالميةٌ فقامَت رواندا بدراسةِ الحالةِ السنغافوريةِ جيداً ووجدَت أنها تستطيعُ تطبيقَها لعدةِ أسبابٍ أهمُّها موقعُها المتوسطُ بالقارةِ الإفريقيةِ الاستقرارُ السياسيُّ ولديها خطوطُ طيرانٍ قويةٌ ماذا تفعلُ رواندا إذن؟ أولاً- استغلَّت موقعَها القريبَ من مركزِ إفريقيا ثانياً – عزَّزَت استقرارَها السياسيَّ وتميَّزَت به على جيرانِها ثالثاً – والعنصرُ الأهمُّ الذي قامَت به، أنَّها سهّلَت الاستثماراتِ وهو النجاحُ الأكبرُ لدولةِ رواندا حيثُ أصبحَت الثانيةَ على العالمِ بعد نيوزيلندا في سُهولةِ البيزنس والأهمُّ مما سبقَ، قامَت رواندا بتفعيلِ قوانينَ ضدَّ الفسادِ جعلَتْها الأولى في الشفافيةِ على القارةِ السوداءِ ونفَّذَت رواندا خطةً عملاقةً لاستكمالِ البنيةِ التحتيةِ في كلِّ المجالاتِ وكان أهمَّها بناءُ خطوطِ طيرانٍ تربِطُها بالعالمِ اهتمَّت رواندا بالتعليمِ فأصبحَت نسبةُ الطلاب المنتظِمِينَ في المدارسِ سبعةً وتسعينَ بالمئةِ. وفي المدرسةِ يتعلمُ الطفلُ أنه روانديٌّ وليس من قبيلةِ فلان أو علان، ما جعلَها من أعلى الدولِ الإفريقيةِ انتظاماً في المجالِ التعليميِّ. اهتمَّت ببناءِ المصانعِ ركزَّت أيضاً على التنميةِ الاجتماعيةِ وتمكينِ المرأةِ وعلى فكرة، هي الأولى عالمياً في تمكينِ المرأة شهدَت البلادُ نهضةً سياحيةً بعد إلغاءِ التأشيرةِ لجميعِ الأجانبِ كما طوَّرَت الصحةَ لتقليصِ وَفَياتِ الأطفالِ في إفريقيا أربعٌ وخمسونَ دولةً رواندا هي الثانيةُ في مكافحةِ الفسادِ بعد بتسوانا أما متوسطُ العمرِ المتوقعُ فيها فهو سَبْعةٌ وسُتونَ عاماً بعدَ أنْ كان ثمانيةً وعشرينَ عاماً أيامَ المذابحِ تحتلُّ رواندا الآنَ المركزَ الخامسَ عَشَرَ في الاقتصادياتِ الأكثرِ نمواً على مستوى العالمِ، بمعدلِ نموٍّ سبعة وستة مِن عشرة بالمئةٍ (7.6%) العاصمةُ كيغالي Kigali أنظفُ عواصمِ الأرضِ (أنظفُ وليسَ أجملَ) ويشاركُ كلُّ أفرادِ الشعبِ في حملةِ نظافةٍ في السبتِ الأخيرِ من كلِّ شهرٍ لا طبعاً اللقطةُ الكبيرةُ تُظهرُ أن المواطنَ يعيشُ في جنةٍ اقتصاديةٍ لكن لو قرَّبنا المشهدَ قليلاً لوجدْنا عكسَ ذلك هذا التقدمُ قائمٌ على القروضِ وعلى بيعِ الممتلكاتِ العامةِ ولا ينعكسُ على الشعبِ فهو بينَ الشعوبِ الأفقرِ في العالمِ ومتوسطُ دخلِ المواطنِ يعادلُ اثنينِ وستينَ دولاراً في الشهرِ فقط.. تخيَّل؟ لذلكَ فإنَّ حدوثَ انفجارٍ شعبيٍّ تحتَ ضغطِ الفقرِ يبقى أمرٌ ورادٌ كلمةُ «رواندا» باللغةِ المحليةِ تعني أرضَ الألفِ تلٍّ ونضيفُ نحنُ: وأرضُ الألفِ معجزةٍ، اقتصادياً وسياسياً لكنْ بالأساسِ: المعجزةُ الإنسانيةُ هي الأصلُ، عندما قرَّرَ أبناؤها أن ينسَوا الثأرَ والمذابحَ من أجلِ أن يخْطُوا معاً نحو المستقبلِ.