تحليلات

من أين لهم هذا؟ هؤلاء دفعوا لتمويل سد النهضة

تم النشر: 2020/07/03 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/03 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش

مشروعٌ يكلّفُ خمسةَ ملياراتِ دولار
يمهّدُ لأكبرِ مشروعِ طاقةٍ كهرومائيةٍ في إفريقيا
في إحدى أفقرِ دولِ العالم!
من أينَ لهم هذا؟
هؤلاء دفعوا لتمويلِ سدِّ النهضة
مصر وإثيوبيا في مسارِ تصادمٍ على طريقِ السد
هنا إثيوبيا حيثُ تتجمَّعُ خمسٌ وثمانونَ في المئةِ من مياهِ النهر
وهنا مصرُ حيثُ يعتمدُ الإنسانُ على النيلِ في تسعينَ في المئةِ من احتياجاتِ المياهِ

في عامِ ألفينِ وأحدَ عشَرَ
قالَ رئيسُ الوزراءِ الإثيوبيُّ الراحلُ ميليس زيناوي
إنَّ السدَّ سيتمُّ بناؤُه دونَ التوسُّلِ للحصولِ على أموالِ المانحين
ولم يصدقْه أحدٌ!
في ألفين وعشرين أصبحَ السدُّ نموذجاً لنهجٍ مبتكرٍ في تمويلِ المشروعاتِ الكبيرةِ
وأصبحَ هناك مصطلحٌ اسمه “وَصْفةُ إثيوبيا”
فما هي الوصفةُ الإثيوبيةُ لتمويلِ سدِّ النهضة؟

لجأتْ إثيوبيا لتحصيلِ الحدِّ الأقصى الممكنِ من الضرائبِ عبْرَ طريقتين:
تشجيعُ المواطنينَ على الدفعِ للمصلحةِ العامة
وتخصيصُ نظامٍ إلكترونيٍّ يجعلُ التهرُّبَ أمراً صعباً

في إثيوبيا يبلغُ نصيبُ الفرد من الناتجِ المحليِّ أربعَ مئةٍ وخمسةً وسبعينَ دولاراً فقط
لكنَّ العديدَ من المواطنين “الفقراءِ” دعموا المشروعَ الوطنيَّ الكبيرَ طمعاً في مستقبلٍ أفضل
والحكومةُ حثّتْ موظفيها على التبرُّعِ
وكانتِ النتيجةُ أنَّ الإثيوبيينَ في الخارجِ والداخلِ أسهموا بأوَّلِ أربعِ مئةٍ وخمسينَ مليونَ دولارٍ من أموالِ البناءِ

طرحُ السنداتِ طريقةٌ شائعةٌ لتوفيرِ السيولةِ النقديةِ في خزائنِ الدُّول
وصارَ بإمكانِ المواطنِ والأجنبيِّ أن يشتريَ سنداتِ إثيوبيا والاستثمارُ فيها

من بابِ الذكاءِ السياسيِّ تجنّبتْ إثيوبيا اتفاقياتِ التمويلِ المباشَرِ
وذهبتْ للأصدقاءِ تطلبُ “مساعداتٍ وتسهيلات”
وربما قروضاً
وهكذا جاءَ الأصدقاءُ من بابِ المساعدةِ
وليس من بابِ التمويلِ المباشرِ الذي يُغضبُ مصر

في المقدمةِ كانتِ الصين
بكين قدَّمتْ تمويلاً كبيراً لخطوطِ الكهرباءِ والبنى التحتيةِ ذاتِ الصلة
في عامِ ألفينِ وثلاثةَ عشَر مثلاً
أقرضتْ إثيوبيا ملياراً ومئتي مليونِ دولارٍ لبناءِ خطوطِ الكهرباءِ وربطِ السدِّ بشبكةِ المدنِ الرئيسية
وفي ألفينِ وتسعةَ عشر أعلنتْ عن استثمارٍ آخرَ بقيمةِ مليارٍ وثمانِ مئةِ مليونِ دولارٍ لتوسيعِ شبكاتِ الكهرباءِ في البلاد
ثم جاءتِ السعوديةُ
“إثيوبيا تتنفسُ بأموالِ الخليج
والسعوديةُ تشربُ القهوةَ بجوارِ سدِّ النهضة”
تحتَ هذا العنوان نشرتِ الأهرامُ المصريةُ عامَ ألفينِ وسبعةَ عشَر تقريراً نادراً
في عتابٍ مصريٍّ مبطَّنٍ لصانعِ القرارِ في الرياض
والسعوديةُ تحتلُّ المرتبةَ الثالثةَ بينَ المستثمرينَ الأجانبِ في إثيوبيا بحجمِ استثماراتٍ يصلُ إلى خمسةِ ملياراتٍ ومئتي مليونِ دولار

ثم قدَّمَ الصندوقُ السعوديُّ للتنميةِ تمويلاتٍ وقروضاً ميسَّرةً لإثيوبيا
في مشروعاتٍ لها صلةٌ غيرُ مباشرةٍ بسدِّ النهضة
تحتَ مسمَّى “استنهاضُ التنميةِ في ريفِ إثيوبيا”
والمليارديرُ السعوديُّ من أصلٍ إثيوبيٍّ محمد العمودي
كان أولَ المتبرعينَ للسدِّ بنحوِ ثمانيةٍ وثمانينَ مليونَ دولار
ومصانعُه أكبرُ مورّدٍ للإسمنتِ المستخدَمِ في البناء

والإماراتُ أيضاً تسهمُ “من بعيدٍ”
في صيفِ ألفين وثمانيةَ عشر بأحدِ قصور أديس أبابا
التقى وليُّ عهدِ أبوظبي محمدُ بنُ زايد
مع رئيسِ الوزراءِ الإثيوبيِّ آبي أحمد
وخرجَ المتحدثُ باسمِ الحكومةِ ليخبرَ الصحفيين
بأن الإماراتِ تعهدتْ بتقديمِ ثلاثةِ ملياراتِ دولارٍ على شكلِ مساعداتٍ واستثماراتٍ
وأنها ستودِعُ مليارَ دولارٍ في البنكِ المركزيِّ الإثيوبيِّ لعلاجِ أزمةِ العملةِ الأجنبيةِ
وكانَ في هذا إنقاذٌ جديدٌ لخطةِ تمويلِ السدِّ الإثيوبي
عندما يعملُ السدُّ بكاملِ طاقتِه
تأملُ إثيوبيا بجنيِّ نصفِ مليارٍ سنوياً من تصديرِ الكهرباء
بينما يكسبُ أصدقاءُ أديس أبابا الذين قدَّموا “التسهيلاتِ”
مزيداً من النفوذِ الماليِّ والحضورِ السياسيِّ في إثيوبيا
الغريمِ الأكبرِ لمصرَ في معركةِ الحياة

تحميل المزيد