الهواء الملوَّث أشد فتكاً من الملاريا، وأضراره شبيهة بالتدخين

كشفت دراسةٌ مهمة أنَّ فترة العمر المتوقع للأطفال المولودين بالوقت الحاضر ستقل 20 شهراً في المتوسط، ​​بسبب تنفُّس الهواء السام المنتشر في جميع أنحاء العالم، وستكون نسبة الانخفاض الأكبر بمنطقة جنوب آسيا، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/04 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/04 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
صورة لطفل يرتدي واقي بسبب الهواء الملوث/ رويترز

كشفت دراسةٌ مهمة أنَّ فترة العمر المتوقع للأطفال المولودين بالوقت الحاضر ستقل 20 شهراً في المتوسط، ​​بسبب تنفُّس الهواء السام المنتشر في جميع أنحاء العالم، وستكون نسبة الانخفاض الأكبر بمنطقة جنوب آسيا، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.

إذ أسهم تلوث الهواء في وفاة واحدٍ من بين كل 10 حالات وفاة في عام 2017، وهو ما يجعله قاتلاً أشد فتكاً من الملاريا وحوادث الطرق، ومشابهاً للتدخين، وفقاً لدراسة حالة الهواء العالمية في عام 2019 والتي نُشِرَت الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2019.

وفي جنوب آسيا، من المتوقع انخفاض متوسط عمر الأطفال المولودين حالياً 30 شهراً. أمَّا بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فمن المتوقع انخفاضه 24 شهراً، وذلك بسبب مزيجٍ من تلوث الهواء الخارجي الناجم عن السيارات والمصانع، والهواء الملوث داخل المنازل، الذي يرجع بدرجةٍ كبيرة إلى أدخنة الطهي.

أما شرق آسيا، فسيتسبب تلوث الهواء في انخفاض عمر الأطفال المولودين حالياً نحو 23 شهراً. ولكن بالدول المتقدمة، من المتوقع ألَّا تزيد مدة الانخفاض على 5 أشهر.

نتائج التقرير صادمة!

وقال روبرت أوكيفي، نائب رئيس معهد التأثيرات الصحية، الذي أصدر التقرير: "لقد كان انخفاض مدة العمر المتوقع للأطفال بهذا المقدار الكبير صدمةً كبيرة حقاً! لا توجد عصا سحرية يمكنها تغيير ذلك، لكنَّ الحكومات يجب أن تفعل شيئاً".

ومن جانبه قال ألستير هاربر، رئيس الحملات ودعم القضايا في فرع منظمة اليونيسف بالمملكة المتحدة، والذي حذَّر مراراً من تهديد صحة الأطفال: "إنَّ ذلك يفاقم صورةً قاتمة بالفعل عن مدى تأثير الهواء الملوث في صحة الفئات الأكثر عرضةً للخطر بالمجتمع، لا سيما الأطفال.

وتستمر الأدلة في التزايد، موضحةً وجود علاقة بين التعرُّض للهواء السام وانخفاض وزن الأطفال عند ولادتهم، وقصور نمو الرئة، والإصابة بالربو في مرحلة الطفولة".

وأضاف هاربر: "من الواضح، من خلال رصد بيانات التلوث العالمي بطريقة أفضل، أنَّ فهمنا للقضية سيتحسَّن، وكذلك كيفية معالجتها. فالضرر الذي يلحق بصحة الأطفال يحدث الآن بالفعل".

تحديات أخرى يواجهها الأطفال بسبب التلوث

ومع أنَّ الأطفال الصغار يواجهون تهديداتٍ معينة، مثل قصور نمو الرئة الذي سيستمر طوال حياتهم، فإنَّ البالغين الأكبر سناً معرَّضون للخطر كذلك؛ فنحو 9 أشخاص من كل 10 حالات وفاة بسبب تلوث الهواء كانوا في الخمسينيات من عمرهم.

وقال أوكيفي إنَّ السكان المُسنِّين في أنحاء كثيرة من العالم من المرجح أن يرفعوا عدد وفيات التلوث بالسنوات القادمة.

جديرٌ بالذكر أنََّ تلوث الهواء يتسبب في 41% من الوفيات الناجمة عن مرض الانسداد الرئوي المزمن، و20% من الوفيات الناجمة عن داء السكري من النوع الثاني، و19% من الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة، و16% من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب الإقفارية، و11% من الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية في جميع أنحاء العالم، وفقاً للتقرير، الموصوف بأنَّه الدراسة السنوية الأكثر منهجية للتأثيرات الصحية الناتجة من التلوث الجوي العالمي.

ومع ذلك، هناك علامات على أنَّ الإجراءات التي تتخذها الحكومات تسفر عن نتائج مثمرة، من بينها الحد من بعض أشكال التلوث الناتج من الجسيمات الدقيقة في العالم المتقدم.

تباين في درجات التلوث بين البلدان الأقل تقدماً والأكثر تقدماً

وأشار أوكيفي أيضاً إلى مستويات تلوث الهواء في الصين، التي جاءت عكس اتجاه مستويات التلوث بالدول النامية، إذ بدأت تنخفض في السنوات القليلة الماضية.

وقد حددت خطة عمل الصين لعام 2013 أهدافاً وإجراءات متعلقة بجودة الهواء، لتقليل الاعتماد على الفحم واستخدام وسائل أنظف بالصناعة، مع التحكُّم في عدد المركبات ببعض المدن والاستثمار في الطاقة النظيفة. وقال أوكيفي: "لقد واصلوا متابعة ذلك المسار، وأرسلوا مسؤولين حكوميين إلى هذه الأماكن لإنفاذ الإجراءات، وبدأت مستويات تلوث الهواء تنخفض في الصين بعدما كانت مرتفعة".

ووفقاً للتقرير، كانت دول جنوب آسيا هي صاحبة أعلى مستوى من التعرُّض لجسيمات PM2.5، التي يمكن أن تسبب صعوبات في التنفس ومشكلاتٍ بالقلب والأوعية الدموية، في حين بلغ مستوى التعرُّض لهذه الجسيمات في نيبال والهند ضعف مستوى التعرض لها بالصين تقريباً.

ومن بين الدول صاحبة المستويات الأدنى، الولايات المتحدة والنرويج وكندا والسويد ونيوزيلندا، وكذلك كانت المستويات جيدة في جزر المالديف وبروناي وإستونيا.

وبصفةٍ عامة، يُلاحَظ هذا التباين في ذلك النوع من التلوث بين البلدان الأقل تقدماً والأكثر تقدماً بجميع أنحاء العالم، إذ يتراوح مستوى التعرُّض لجسيمات PM2.5 في البلدان النامية بين 4 و5 أضعاف مستوى التعرُّض لها بالبلدان الأكثر تقدماً.

وكذلك يعد تلوث الهواء داخل المنازل قضية رئيسية أخرى، إذ يُقدَّر عدد الأشخاص الذين يتعرضون له في جميع أنحاء العالم بـ3.6 مليار شخص، وهو ما يُمثِّل "ضربةً مزدوجة" لصحة أولئك المعرَّضين أيضاً لمستويات عالية من التلوث الخارجي.

ففي العالم النامي، يعد الاعتماد على الوقود الصلب، مثل استخدام الكتلة الحيوية للطهي والتدفئة، هو المصدر الرئيسي للتلُّوث الداخلي.

أما البلدان الغنية فالأوزون الأرضي لا يزال يمثل مشكلة كبيرة

ووجد التقرير كذلك أنَّ الأوزون الأرضي ما زال يمثل مشكلة كبيرة في البلدان الغنية، حيث يتكوَّن في الغلاف الجوي بفعل أكسيد النيتروجين والمُلوِّثات المشابهة له المنبعثة من حركة السيارات وبعض العمليات الصناعية.

فاستنشاق الأوزون الأرضي يزيد احتمالية الوفاة بسبب أمراض الجهاز التنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشكلات الجهاز التنفسي الأخرى.

يُذكَر أنَّ نسخة عام  2018 من دراسة حالة الهواء العالمية وجدت أنَّ الهواء الملوث منتشرٌ في كل مكان تقريباً بين سكان العالم، إذ يتنفس أكثر من 90% من الناس بجميع أنحاء العالم هواءً خطراً، نتيجةً للتوسُّع الصناعي، وزيادة عدد المَركبات والتعرُّض للتلوث الداخلي الناجم عن أدخنة الطهي باستخدام الوقود الصلب.

ويُعد تلوث الهواء مصدر قلق متزايد في جميع أنحاء العالم، إذ تربطه بعض الدراسات بمجموعةٍ واسعة من الأضرار الصحية، بدءاً من الخَرَف إلى الإجهاض، وقد وُصِفَ بأنَّه قضيةٌ طارئة عالمية.

وقال أوكيفي إنَّ التدابير الواجب اتخاذها تشمل الاستثمار في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. لكنَّه حذَّر من أنَّ الاستثمار في بعض هياكل البنية التحتية، مثل محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، يمكن أن "يُبقي" تلوث الهواء مستمراً على مدى سنواتٍ قادمة.

تحميل المزيد