اكتشاف طفرة جينية تجعل امرأة لا تشعر بالألم

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/28 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/28 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
قصة امرأة سبعينية لا تشعر بأي ألم أو توتر أو اكتئاب! اكتشاف جديد للأطباء

تمكّن أطباء من تحديد طفرة جينية في امرأة تكاد لا تشعر بأي ألم أو توتر، بعد تعجُّب جرّاح أجرى لها عملية جراحية، من طريقة شفائها، وأحالها للفحص والاختبار الجيني.

تمتلك جو كاميرون (71 عاماً)، طفرة جينية في جين "غير معروف سابقاً"، يعتقد العلماء أنه يؤدي دوراً رئيسياً في الإحساس بالألم والحالة المزاجية والذاكرة.

ويعزز هذا الاكتشاف آمال التوصل إلى علاجات جديدة للآلام المزمنة التي يعانيها ملايين البشر في جميع أنحاء العالم، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.

درجاتها في اختبار الاكتئاب والتوتر "صفر"

وقد عانت كاميرون، وهي مدرسّة سابقة تعيش في مدينة إنفرنيس الأسكتلندية، كسوراً بالأطراف وجروحاً وحروقاً، وخضعت لعمليات ولادة وجراحات عديدة دون أي حاجة للمسكّنات تقريباً. أحياناً كانت تكتشف الحروق ليس بسبب الألم، وإنما بسبب الرائحة. تقول: "أنا نباتية، لذا تكون الرائحة واضحة جداً. لا يوجد لحم آخر قد يحترق في هذا المنزل".

ولا يقتصر الأمر على عدم شعور كاميرون بالألم، بل إنها لا تفزع أبداً. عندما دفع سائق شاحنةٍ سيارتها إلى خارج الطريق منذ عامين، تمكّنت من الخروج من السيارة –التي كانت مقلوبة على سقفها– وذهبت إلى طمأنة الشاب سائق الشاحنة.

ولَم تلاحظ وجود كدمات إلا بعد ذلك. وهي متفائلة بلا حدود، وكانت درجاتها في اختبارات التوتر والاكتئاب "صفر".

وتقول كاميرون: "أعرف أني سعيدة ومحظوظة، ولكن لم أكن أتخيل أنني مختلفة. كنت أعتقد أن هذه طبيعتي فحسب، ولم أكن أعرف أن الأمر غريب حتى أصبحت بعمر الـ65".

قصة إدراكها طفرتها الجينية

جاءت لحظة الإدراك عندما أجرت كاميرون أشعة سينية لفحص مشكلة بمفصل الورك. بين الحين والآخر كان مفصل الورك يتخذ منحى حركة غير طبيعي، وهو ما يجعلها تسير بشكل غير متوازن.

وعلى مدار 3 أو 4 سنوات، كان طبيبها، ومن بعده المستشفى، لا يفعلان شيئاً، لأن المشكلة لا تسبب لها أي ألم.

وعند فحصها أخيراً، كشفت الأشعة السينية عن تشوه بالغ في الفصل. قالت: "لم أكن أشعر بأي ألم أو وخزة عابرة، لم يصدقوا الأمر".

خضعت كاميرون لجراحة استبدال مفصل الورك، وتناولت قرصين من مسكن "باراسيتامول" باليوم التالي. ولكن في أثناء وجودها بالمستشفى، لاحظ الأطباء تشوُّهاً بإصبعي الإبهام، بسبب التهاب المفاصل. وقاموا بحجزها فوراً لعملية مزدوجة بكلتا يديها، وهي العملية التي يصفها الجراحون بأنها "شديدة الألم". ومجدداً، لم تشعر كاميرون بأي آلام تقريباً بعد العملية. وأصيب الاستشاري المشرف على حالتها بمستشفى ريغمور في مدينة إنفرنيس، ديفجيت سريفاستافا، بالذهول وأحالها إلى أخصائي الألم بالمستشفى الجامعي في لندن.

الأطباء يشرحون حالتها

وفي تقرير نُشر الخميس 28 مارس/آذار 2019، بالمجلة البريطانية للتخدير، وصف فريق من المستشفى الجامعي كيف توجهوا لفحص الحمض النووي لكاميرون، لاكتشاف ما يميزها عن الآخرين. ووجدوا طفرتين ملحوظتين بحمضها النووي. ومعاً، يثبطان الشعور بالألم والقلق، ويعززان الشعور بالسعادة والنسيان، بشكل واضح، والتئام الجروح.

الطفرة الأولى التي أشار إليها العلماء شائعة إلى حد ما لدى كثيرين، وهي تثبيط نشاط جين يسمّى "FAAH". هذا الجين مسؤول عن إفراز إنزيم يكسّر الأنانداميد، وهو الناقل العصبي الرئيسي المسؤول عن الإحساس بالألم، والحالة المزاجية والذاكرة. يعمل الأنانداميد بطريقة مماثلة للمكونات النشطة في عشب "القنب الهندي". كلمّا كان معدل تكسيره أقل، زادت تأثيره الملطف والمسكن.

الطفرة الثانية وجود جزء مفقود من الحمض النووي، وهو ما حيّر العلماء في البداية. وكشفت التحليلات اللاحقة أن الجزء "المحذوف" يبدّل مقدمة الجين القريب، غير المعروف سابقاً، والذي سماه العلماء FAAH-OUT. يعتقد الباحثون أن هذا الجين الجديد يعمل مثل جهاز تحكُّم للجين FAAH. مع تعطيله بواسطة طفرة مثل تلك التي اكتشفوها لدى كاميرون، سيظل الجين FAAH خاملاً بلا نشاط. والنتيجة، تراكم الأنانداميد، القنب الطبيعي، في نظام جسمها. كان لدى كاميرون ضعف الكمية الطبيعية من الأنانداميد.

وعندما شرح الباحثون هذه الطفرات لكاميرون، أصبح كثير من ماضيها منطقياً، حيث كُسرت ذراعها وهي في عمر الثامنة، ولم تخبر أحداً عدة أيام، حتى بدأت العظام بالالتئام بزاوية خاطئة لافتة، وكان بإمكانها تناول الفلفل الحار ولا تشعر إلا بتوهج بسيط في فمها، كما كانت جروحها وحروقها العديدة تلتئم بسلاسة وسرعة.

هل هذا الأمر جيد؟

قالت كاميرون: "شعرت ببعض الاستمتاع عندما اكتشفت هذا الأمر المتعلق بالشعور بالألم. ثم أخبَروني عن الأمور الأخرى: السعادة والنسيان. دائماً أنسى الأشياء. هذا الأمر جيد أحياناً، وسيئ في أحيان أخرى. لا أمتلك نظام التنبيه الذي ينعم به الجميع".

كانت والدة كاميرون تشعر بالألم بشكل طبيعي، وكذلك بناتها. ولكن ابنها، الذي يحمل عنها الطفرة الثانية –والأكثر أهمية– لديه إحساس ضعيف بالألم. لم يتناول المسكنات قط، ويحرق فمه كثيراً بالمشروبات والأطعمة الساخنة. ويعتقد العلماء أن والد كاميرون هو من مرَّر إليها هذه الطفرة الجينية.

قال جيمس كوكس، باحث بهذه الدراسة، إنه في الحالات الشديدة، قد تؤدي الطفرات إلى عدم شعور الناس بأي ألم على الإطلاق. وأضاف: "هذه الحالة لم تفقد أحساسها الكامل بالألم، ولكننا رأينا حالات أخرى بهذه الدرجة. عندما كانوا صغاراً، كانوا يعضون كثيراً على ألسنتهم وأصابعهم، لأنهم لم يتعلموا خطورة ذلك".

وقال كوكس عن كاميرون: "هناك كثير مما قد نتعلمه من حالتها. عندما نفهم كيفية عمل هذا الجين الجديد، سنتمكن من التفكير في العلاجات الجينية التي تحاكي هذا التأثير الذي رأيناه عليها. هناك ملايين من البشر يعانون آلاماً مزمنة يحتاجون مسكنات من نوع جديد. وحالة مثل كاميرون قد تلهمنا للتوصل إلى طرق جديدة لعلاج الألم".

وتأمل كاميرون أن تعزز حالتها التقدم العلمي. وتقول: "قد يكون هناك كثيرون مثلي لم يدركوا بعد لماذا هم مختلفون. إذا ساعدوا في التجارب والأبحاث العلمية، فسنقدم جميعاً إلى البشرية وسائل أكثر طبيعية للتخلص من الآلام بدلاً من المسكنات المصنّعة".

علامات:
تحميل المزيد