ليست الطائرات الفارهة التي يستقلّها.. أسطورة كرة القدم بوفون يكشف سر السعادة الحقيقية في حياته

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/19 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/19 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
Soccer Football - Paris St Germain Introduce New Goalkeeper Gianluigi Buffon - Parc des Princes, Paris, France - July 9, 2018 New Paris St Germain goalkeeper Gianluigi Buffon waves REUTERS/Gonzalo Fuentes

لم يكن لقاء بيكي أندرسون، الصحفية البريطانية والمذيعة في وكالة CNN  مع "أسطورة كرة القدم الإيطالية" عن سعادة جيانلويجي بوفون حارس مرمى نادي باريس سان جيرمان الحالي،  عادياً.

فأندرسون التي تحدثت في إحدى المرات إلى دافوس للتحدث مع آل غور، النائب السابق للرئيس الأمريكي، حول تغيّر المناخ.

وناقشت في مرة أخرى مع الدبلوماسيين الإماراتيين زيارة البابا فرنسيس التاريخية للإمارات، وفي ثالثة حاورت سفير التكنولوجيا الدنماركي الجديد حول مزايا الذكاء الاصطناعي.

كل هذا جزءاً من طبيعة تلك المهنة التي يصعب التنبؤ بمهامها.

لكنها بحسب قولها  "بين الحين والآخر، نجد أنفسنا في مواقف من الصعب نسيانها".

من هذه المواقف، حين كانت في جناح الفن الانطباعي في متحف أورسيه في باريس، في أحد أيام الشتاء الهادئة في شهر يناير/كانون الثاني من العام الحالي، تتحدث عن التفاعل الدقيق بين الضوء في لوحة "Dance at Le Moulin de la Galette" للفنان الفرنسي رينوار، مع جيانلويجي بوفون "بشحمه ولحمه".

قال بوفون: "إنَّني أعتبر هذه اللوحة مذهلة؛ لأن رينوار صوّر فيها أناساً عاديين، وليس أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الراقية".

قال بوفون هذه العبارة بجدية، ودون إشارة واحدة إلى مفارقة أنَّها تأتي من رجل حقق إنجازاتٍ استثنائية في مسيرته المهنية التي امتدت لعقود؛ إذ إنَّه اللاعب الأكثر مشاركة في المنتخب الإيطالي، وقاد نادي يوفنتوس إلى الفوز بالدوري الإيطالي الممتاز عدة مرات، وكان بطل كأس العالم لعام 2006، والقائمة تطول.

السعادة الحقيقية لدى بوفون

بوفون مع عائلته
بوفون مع عائلته

تابع بينما يشق طريقه بين حشود المعجبين، الذين يمسكون بهواتفهم الذكية، إذ ليس من المعتاد أن يقابلوا لاعب كرة قدم في متحف: "الأشياء العادية هي التي تجلب الشعور بالسعادة الغامرة، وتكمن السعادة الحقيقية في الاستمتاع بالأشياء البسيطة في الحياة، وهذه اللوحة تصور يوماً عادياً، يوماً لم أحظَ به أبداً، لكنَّني وددتُ أن أفعل".

إحدى الأفكار التي يكثر بوفون من الحديث عنها هي الاستمتاع بالأشياء البسيطة في الحياة، وفي الفن. وقد أثنى على لوحة "The Promenade" للفنان مارك شاغال، التي رآها لأول مرة في معرض في مدينة تورينو الإيطالية؛ لأنَّها ساعدته في التغلب على نوبة اكتئاب وقلق أُصيب بها أوائل عام 2000.

وجد بوفون في لوحة شاغال الحالمة ملاذاً لتخفيف معاناته من فكرة ذبول الشباب المفعم بالحيوية ومواجهة هجمة المسؤولية التي ينوء بحملها البالغون.

وأضاف: "لقد لفتتني لبساطتها. إنها تبدو كلوحة يمكن لطفل أن يرسمها وهذا ما أذهلني فيها. لقد أكدت إيماني بأن الأشياء البسيطة هي التي تشعرنا بالسعادة في نهاية المطاف مع أننا نسافر في طائرات خاصة ونقود سيارات فارهة".

إنه لمن الرائع أن ترى كيف أن الرجل الذي قضى حياته كاملة تحت أضواء الشهرة المبهرة حريصاً على تجنب رفاهيات الحياة التي تصاحبها.

أحب أن أقرأ كتاباً وأشاهد فيلماً

قال: "عندما أكون مع زوجتي في المنزل في باريس، نذهب لنتمشى قليلاً في الحي الذي نقطن فيه. نمشي إلى المخبز لشراء الخبز، ونذهب لشراء البقالة، هذه الأشياء العادية. أحب أن أقرأ كتاباً أو قد نشاهد فيلماً".

وتابع: "إنني لست مغرماً بالذهاب إلى عروض الأزياء، أو غيرها من الفعاليات المبالغ فيها. بالتأكيد أذهب إليها في كثير من الأحيان، لكن لا بد أن أعترف أن هذه الأشياء لا تعبر عن حقيقتي".

وفيما اقترب من معرض فنسنت فان جوخ، تكونت لدى أندرسون  صورة أوضح عن بوفون، الرجل الحقيقي الذي يختبئ وراء الأسطورة الظاهرة.

لقد سعى بلا كلل أو ملل لتحقيق المجد في لعبة كرة القدم، ونجح في ذلك؛ لكنه لا يزال يجد ملاذاً حقيقياً في الهدوء اللطيف الذي تتسم به روائع الأعمال الفنية القديمة. فصحيح أن شغفه باللعبة الجميلة دفعه لأن يصبح واحداً من أعظم حراس مرمى عصرنا، لكنه يُقدِّر لحظات الحياة الحقيقية خارج الملعب والتي تشعره بسعادة جمّة.

وقال فيما اقترب من محطته الأخيرة، وهي لوحة "القيلولة" لفان جوخ: "إنني أحب هذه اللوحة  حقاً؛ لأنها تمثل مشهداً من واقع الحياة في حقبة ماضية".

وأضاف: "إنها تصور الناس الذين، بعد يوم من العمل الشاق والجهد، يجلبون معهم رغيفاً من الخبز إلى المنزل، ويفعلون أكثر الأشياء التي يستمتعون بها، وهي قيلولة بعد الظهر في ظل كومة قش".

وأردف قائلاً: "إنني أنظر إلى هذه اللوحة وأتخيل نفسي، أو أي شخص بعد يوم عمل شاق، مستلقياً على الأريكة لأخذ غفوة قصيرة. إنها تساعدني على الحلم".

ولأن بوفون يُعرف بأنه رجل مهذب، فقد كان يشعر بسعادة جمة وهو يلبي وابل طلبات التقاط صور السيلفي معه. ولمحت بطرف عيني فتاتين تقفان في الزاوية وتتحاوران حول ما إذا كان ينبغي عليهما الاقتراب لالتقاط صورة معه، بينما كان بوفون  ينهي تقييمه للوحة "The Painter's Studio" للفنان الفرنسي غوستاف كوربيه. أومأتُ إليهما برأسي كي تتقدما، فجاءتا على استحياء.

وسأل بوفون فيما يعدل من وضعه ليناسب أحد أُطر إنستغرام: "من أين أنتما"؟.

فأجابتا في صوتٍ واحد، وقد بدأ شعور بالطمأنينة يتسلل إليهما لإدراكهما أنَّهما قابلتا بطلاً إيطالياً حقيقياً بالفعل: "تورينو".

علامات:
تحميل المزيد