لم يكن ينقصني المال أو الحياة المترفة ولكن سئمت من التعامل معي كـ"مستعبدة"، كانت هذه مبررات شابة سعودية لجأت إلى ألمانيا مؤخراً.
فقد سردت الشابة السعودية التي تدعى سارة (اسم مستعار) لموقع إخباري ألماني، قصة فرارها الجريئة وكيف تملصت من المراقبة من قبل أهلها.
وظهرت في الآونة الأخيرة على نحو متزايد قصص فتيات سعوديات هربن من بلادهن ودافعن عن قرارهن بمبررات مثل الضجر من تقييد العائلات والقوانين السائدة في السعودية لحرياتهن.
شابة سعودية لجأت إلى ألمانيا لتنضم لقائمة متزايدة من الهاربات من المملكة
وتصدر اسم رهف القنون عناوين الأخبار حين كانت مهددة بالترحيل من العاصمة التايلانية بانكوك لبلادها، قبل أن تسمح لها كندا بالانتقال إلى أراضيها.
وأدى ذلك إلى تبرؤ عائلتها منها.
كما ذاعت أخبار شقيقتين مختبئتين حالياً في هونغ كونغ منذ ٦ أشهر، قالتا إن شقيقيهما كانا يتصرفان كسجانين.
ووصفت الشاباتان حياة النساء باللمملكة بـ"عبودية العصر الحديث"، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
وانضمت سارة إلى قائمة متزايدة من الفتيات السعوديات الهاربات، واللاتي أدت تصرفاتهن بعد النجاح في الهروب إلى استياء الكثيرين ليس في السعودية فقط، بل في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية.
وروى موقع "بينتو" الألماني قصة الشابة السعودية سارة (اسم مستعار، ٢٨ عاماً) التي وصلت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى فرانكفورت هاربة من السعودية، وقطعت علاقتها مع عائلتها.
وسارة، موجودة في مكان ما شرق ألمانيا حالياً حيث قدمت طلب لجوء.
وقالت، إنها كانت ترتجف عندما كانت في المطار في السعودية، ولم تشعر بالارتياح سوى بعد أن أقلعت الطائرة، فقامت بطلب كأس من النبيذ في الطائرة.
انقلب السحر على الساحر.. كيف هربت عبر البرنامج المكلف بمراقبتها؟
وأخبرت الشابة السعودية الموقع أنها حضرت لفترة طويلة لهروبها.
ونجحت في تحقيق ذلك في إحدى ليالي منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2019، بعد أن خدعت والديها عبر تطبيق "أبشر"، المتاح من قبل وزارة الداخلية السعودية، الذي يمكن "أولياء الأمور" من مراقبة حركات النساء، وإصدار إذن سفر لهن أو إلغائه إلكترونياً أيضاً.
ويشير الموقع إلى أنه في حال تمكنت المرأة من الاستحواذ على هاتف الزوج أو الأب لفترة قصيرة، بإمكانها إصدار إذن السفر لنفسها.
ثم حجزت تذكرة وهمية إلى بيلاروسيا
وقالت إنها حجزت مرتين تذكرتي طيران عابر (ترانزيت) إلى بيلاروسيا التي لا تحتاج كسعودية إلى تأشيرة لدخولها، على أن تتوقف الرحلة في ألمانيا، وإنها حجزت غرفة فندقية في عاصمة بيلاروسيا مينسك أيضاً، لتخفي نواياها.
وأضافت أن والديها منعاها من الخروج المرة الأولى، لأنه ليس من المناسب لامرأة غير متزوجة الخروج مساء بالنسبة لهما، ونجحت في المحاولة الثانية في التسلل مساء من المنزل، وهي تخفي حقيبة ظهر.
وقالت إنها كانت خائفة جداً من أن يتم الارتياب في أمرها، وتعلم السلطات السعودية باسمها.
تخشيان الإعدام بسبب مافعلتاه.. شقيقتان سعوديتان عالقتان بـ"هونغ كونغ" على خطى رهف القنون pic.twitter.com/OqbmSAEcLF
— المنبر السعودي الحر (@5ekcqoFJW2Crlk1) February 23, 2019
وروت معاناتها عندما وقفت تنتظر مدة ١٥ دقيقة، لدى فحص جوازات السفر في المطار، وكيف كان جسدها كله يرتجف خلال هذه الفترة.
وقالت إن والديها اتصلا بها هاتفياً حينذاك، فاختلقت قصة مرور صديقتها بحالة اضطرارية، ولم تتنفس الصعداء إلا وهي في الطائرة.
ووصلت سارة صباحاً في مطار فرانكفورت، حيث قدمت طلب لجوء عند فحص جوازات السفر، ولم تركب الرحلة المفترض أن تذهب بها إلى بيلاروسيا.
وحصلت سارة على استشارة من طالب عبدالمحسن الموجود ألمانيا، وهو مدير منتدى على الإنترنت يدعى "نحن السعوديون"، الذي يتناقش فيه السعوديون طرق الهروب وتقديم اللجوء، والطرق المتبعة للتحايل على برنامج "ابشر".
"إننا مستعبدات".. اعتقلوني لركوبي سيارة مع رجل غريب
وتحدثت سارة عن الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة التي تحمل مخاطرة كبيرة.
وقالت لموقع "بينتو" إنهم "يريدون التحكم بأجسادنا، وأفكارنا، وحياتنا"، في إشارة إلى الحكومة والعائلة والمجتمع.
وذكرت أنه قد قُبض عليها ذات مرة وهي تركب سيارة مع رجل من معارفها، عائدين من جلسة نقاشية أمام الجمهور، وتم تفتيشها من قبل الشرطيات بعد تجريدها من ملابسها ونعتها بـ"العاهرة" فقط لأنها كانت تركب مع شخص لا يقربها.
وأضافت أنه لم يُسمح لها بالاتصال بأحد بل جاء والدها في اليوم التالي واصطحبها.
وتحدثت عن محاولتها التمرد مراراً على القيود المفروضة على حياتها منذ أن كانت في السعودية، عبر الخروج مع صديقاتها وزيارة المقاهي، التي يُسمح فيها بإزالة الحجاب.
وتساءلت مستنكرة: "هل يمكنك أن تتصور ذلك؟ (…) أنا في الـ ٢٨ من العمر ولم يسبق وأن سُمح لي أن أفعل شيئاً في حياتي دون موافقة أبي أو أخي"،
وهذا ما كنت أفعله مع حبيبي في لقاءتنا السرية
وتحدثت عن عدم السماح لها بلقاء أحد دون الحصول على موافقة، ومنعها من قراءة الكتب.
وقالت إن والديها في وقت من الأوقات طلبا منها أن تستقيل من وظيفتها، في قسم إدارة شؤون العاملين في شركة كبيرة.
وزعمت أنها كانت على تواصل مع الكثير من الزميلات والزملاء، وأن ما أزعج والديها كون بعضهم من المسيحيين.
وكشفت سارة أنه ورغم تقييد حريتها، كان لديها حبيب في السعودية تلتقيه دون علم أهلها، وأنها لم تعد عذراء، حسب ما قالت للصحافة الألمانية.
وقالت أنهما كانا يلتقيان في ساعات الصباح عندما كان والداها يعتقدان بأنها تذهب مبكراً للعمل.
لماذا قطعت تواصلها مع عائلتها رغم أنها لا تكن لهم مشاعر سلبية؟
وقالت سارة للموقع الألماني إنها لا تستطيع إضمار الضغينة لعائلتها، وإنها لم تتصل بوالديها منذ هربها هاتفياً، لأنها لا تريد أن تجعل الفراق صعباً عليهما، وتريد بدء حياة جديدة.
وأضافت أنهما ليسا والدين سيئين، لكنهما يؤمنان بالتقاليد فحسب، التي لم تعد تؤمن بها.
وقالت إنه لم يسبق لوالديها وأن ضرباها قط، بل كان شقيقها الأكبر من فعل ذلك مرة، وأوضحت أنها تريد حماية والديها بعدم ذكرها الأسماء.
When you see the two pictures you find the top of the contradiction of the State of Canada .. In the first picture, a Yemeni girl wanted to escape the hell of war to Canada, but the Canadian government locked it and insulted because it is a Muslim girl #رهف_القنون#Rahaf pic.twitter.com/4hXKeUeVfu
— عبدالله تميم السالم (@AlsamirC) January 13, 2019
سعيدة رغم تخليها عن الرفاهية المادية
وأوردت سارة تفاصيل عن الحياة المترفة التي كانت تعيشها في السعودية، مستشهدة بأن فيلا عائلتها كانت أكبر من مأوى اللاجئين الذي تتواجد فيه في ألمانيا، وكان لديها سائق ومن يخدمها.
وقالت إنه لم تكن معتادة على القيام بشيء من أعمال التدبير المنزلي، وكان راتبها من عملها يصل إلى ما يعادل ألفي يورو تقريباً، وكان بوسعها صرفه كله على ما تريد من حاجيات كالثياب.
وصديقتها الجديدة إيرانية رغم ما تعلمته عنهم منذ الصغر
وتقول إنها الآن سعيدة بالخروج من بلادها، رغم أنها تعيش في غرفة متواضعة الأثاث في مأوى، تجاورها إيرانية، تقول إنها باتت الآن كشقيقتها، لاسيما أنها فرت لأسباب مشابهة من بلادها.
هذا رغم أنه يتم تلقينها منذ صغرها أن تكره الإيرانيين.
وتحصل سارة، الراغبة في تعلم الألمانية بسرعة وتأسيس حياتها من جديد، على ١٣٠ يورو فقط شهرياً كمصروف جيب، يتوجب عليها شراء الطعام وما إلى هنالك منها.
وتقول إنها جاءت لألمانيا ليس من أجل أن تعيش حياة أفضل بل لكي تعيش فحسب، على حد وصفها.
سعوديات هاربات لألمانيا يتعرضن لتهديدات من ذويهن
وحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية، تم في بداية فبراير/شباط ٢٠١٩، تسجيل ١٤٦ لاجئاً من السعودية في ولاية سكسونيا أنهالت، حيث يتواجد فرع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين الوحيد المسؤول عن التعامل مع طلبات لجوء السعوديات في كل ألمانيا، وحصل ٩٧ منهم على حق الإقامة.
ونشرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية تقريراً عن تعرض بعض السعوديات الهاربات إلى ألمانيا للتهديد بشكل مستمر من قبل عائلاتهن.
وتحدثت الشبكة مع أربع سعوديات، يشتبه أن سفارة بلادهن تقف وراء تهديدهن وتسليط نساء عربيات للتجسس عليهن في مراكز إيواء اللاجئين.
ومن هؤلاء السعوديات الأربع اللواتي تحدثت معهن الشبكة لاجئةٌ سعودية استفادت من إلغاء إلزامية الإقامة في مكان معين، في سكسونيا أنهالت، نظراً لظروفها الفردية.
امرأة منقبة تطرق بابها
وذكرت الشبكة أنه وبعد الموافقة على طلب لجوئها في عام ٢٠١٧، انتقلت عائشة (اسم مستعار) لأول مرة إلى شقة صغيرة في مدينة هاله.
لكنها قالت أنها لم تشعر بالأمان منذ البداية، حيث وقف رجل ذو ملامح عربية في إحدى الليالي لدقائق أمام باب بيتها، وأنها أبلغت الشرطة، لكنها لم تستطع تقديم شكوى، لأنه لم يحدث أي شيء يُعاقب عليه الرجل.
ووصفت عائشة في حديثها مع "دويتشه فيله" ما حدث معها في أغسطس/آب عام ٢٠١٨، حين سمعت قرعاً على الباب في الصباح، من قبل امرأة منقبة تبدو مرتبكة، وكأنها في حاجة إلى مساعدة، وعندما فتحت الباب، دفعتها المرأة إلى داخل شقتها، وقفز رجل ذو شعر أسود ولحية من الجانب.
وحسب ما قالت، قام الاثنان بتفتيش الشقة بينما أغلقت هي باب الحمام على نفسها ودعت الشرطة مرة أخرى وانتقلت إلى ملجأ آمن للنساء.
وتشير الشبكة إلى أن رسائل على تطبيق واتساب بدأت فجأة تصلها من السعودية، وكان من الواضح أن شخصاً ما قد أعطى رقمها الألماني لعائلتها.
وكانت نبرة الرسائل واضحة: "هل تعرفين الأشخاص الذين جاؤوا إلى شقتك؟ لقد أرسلناهم إليك، حتى تعرفي أنه يمكننا الوصول إليك".
وغادرت عائشة في سبتمبر/أيلول عام ٢٠١٨، ولاية ساكسونيا أنهالت هرباً من هذه التهديدات نحو مدينة هامبورغ، حيث تعيش هناك الآن مع هاتف محمول جديد ورقم هاتف جديد، لكنها لا تزال في حالة تأهب رغم ذلك، بحسب "DW".